عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«هنروح فين يابابا؟» .. سؤال المعاناة فى «سالب واحد»
23 مايو 2021
باسم صادق
مشهدان من عرض سالب واحد


خطوات واثقة وثابتة تخطوها مسرحية سالب واحد يوما بعد يوم.. بفضل إصرار أبطاله من طلاب المعهد العالى للفنون المسرحية على تناول قضايا المعاقين وذوى الهمم تناولا إنسانيا مثيرا للشجن فى النفوس.. ومحرضا على التفكير والتساؤلات فى رحلة اليأس والمعاناة التى يعيشها صاحب القضية ووالداه.. استنادا على فكرة رواية جون لوى فورنييه «أين نذهب يا أبي».. وبتأليف محمد عادل وإخراج عبدالله صابر..



تلاحق أحداث العرض ـ الذى يقدمه طلبة المعهد على خشبته ــ رحلة زوج وزوجة وقعا تحت اختبار صعب حينما أنجبا بعد طول انتظار طفل معاق ذهنيا.. وما يمران به معه من تفاصيل حياتية شديدة الإيلام.. نتيجة الحاجز الذى بناه كلاهما بينهما وبين الابن.. وسيل المشاعر المتناقضة تجاهه.. فالأم كانت تتمنى أن ترى ابنها أفضل ابن وأن تحتضنه حتى ينام نوما هادئا حالما.. بينما تمنى الأب كسائر الآباء أن يحمل اسمه رجل صلب سوى.. ولكنها أحلام تحطمت على صخرة ذلك الاختبار الصعب.. بينما الابن يبحث عمن يفهمه ولا ينطق طوال العرض سوى بجملة واحدة هى «هنروح فين يابابا؟».. وهو تساؤل رغم بساطته وما يسببه من ملل وإحباط لأبويه إلا أنه يحمل عمقا بالغا وكأنه يسأل: إلى أين سينتهى بنا المطاف فى تلك الرحلة البائسة؟



جسدت يارا المليجى باقتدار شخصية راوية الأحداث ومؤلفتها وانحازت لمشاعر الطفل طوال الوقت.. تدافع عن آلامه للجمهور تارة وتفك شفرة كلماته وأحاسيسه لوالديه تارة حين تقول مثلا: «لما سمع صوت الضحك.. ضِحك».. ولا تتردد فى التوحد مع شخصيته بتعبير راقص بليغ ورقيق.. بينما جسد رحلة الصراع الأب مصطفى رشدى والأم سالى سعيد وتألقا فى اجتهادهما لإبراز مدى التناقض والصراع النفسى بين أحلامهما من جهة ومشاعرهما تجاهه.. فيتساءل الاب فى نفسه: هل هو بيحلم زينا؟! ولا أحلامه شبهه كده؟! وكأنه كائن غامض مجهول بالنسبة إليه. وعاشت الأم جذبا وشدا متواصلا بين غريزتها كأم وتعلقها بجنينها وبين معاناتها اليومية المؤلمة ورفضها هذا الواقع وتأنيبها ذاتها حين تقول: «انت مخاطرة أنا خسرتها.. غلطة ومقدرتش ارجع فيها.. ذنب ومقدرتش أتوب حتى عنه».. وهو ما تجيبه عنها راوية الأحداث بقولها: «ساعات كتير إحساسنا بالذنب بيتولد من غير ما يكون فى ذنب اصلا».. فى حين حاول الأب مرارا البحث عن حلول لابنه ولكن فى طريق خطأ نابع من شعورهما بالأزمة وليس من إحساسهما بالطفل.. لذلك يلجأ تارة لمدرس نصاب مرة ودجال جاهل مرة وطبيب نفسى مدع مرة ثالثة وهكذا.. وهى كلها شخصيات فجر منها محمود عبد الرازق كوميديا ساخرة تناسب طبيعة المواقف المختلفة بلا ابتذال أو مبالغة فهو طاقة كوميدية مبهرة يستطيع من الآن أن يحجز مكانه بين كبار الكوميديانات مستقبلا.. وهى شخصيات تعكس رؤية المجتمع لابنائنا من ذوى الهمم وكأن أسرهم محكوم عليهم بالعار طوال العمر فيلاحقهم بلا ذنب.. حتى أنه فى شخصية المدرس يخاطب الطفل قائلا: «انت استحاله تكون واحد.. انت سالب واحد.. أنا وأنت لو اتجمعنا على بعض هنبقى صفر».. أما أحمد عباس فقد سخر كل أدواته التمثيلية وانفعالاته العصبية والعضلية وتعبيرات وجهه لتجسيد دور الطفل المعاق وحاصر الشخصية بوعى شديد استحق عليه جوائز التمثيل عن جدارة.



رحلة مؤلمة صاغها بصريا عبدالرحمن خالد بديكور معبر يعكس حجم التشوش الذهنى والنفسى لأبطال العرض فنثر قطعا مختلفة من الديكور بين مستويات متعددة على خشبة المسرح بعضها يناسب المعيشة اليومية وبعضها يعكس حجم الصراع والتشتت النفسى والإصرار على خوض الطريق الخطأ.. منها إصيص الزرع البلاستيكى الذى يصر الأب على ريه رغم علمه بأنه لن ينمو.. وهكذا.. واكتملت الرؤية البصرية بإضاءة معتمة تناسب معاناتهم.. بينما شكلت ألحان أحمد حسنى والغناء والعزف الحى معزوفة إنسانية مست القلوب بعذوبتها رغم رسالتها المعذبة..



العرض الذى سبق وحصد ست جوائز فى مهرجان المسرح العربى التابع للمعهد العالى للفنون المسرحية فى ديسمبر الماضى.. نال أيضا مؤخرا حفنة جوائز ضمن مهرجان جامعة صحار بسلطنة عمان من بينها جائزة أفضل عرض متكامل، أفضل ممثلة دور أول للطالبة يارا المليجى، أفضل ممثل دور أول للطالب أحمد عباس، أفضل موسيقى لأحمد حسنى، أفضل ديكور لـعبدالرحمن خالد»، وأخيرا جائزة أفضل نص مسرحى لمحمد عادل.. وهو نص شديد الدقة ينقصه فقط الإشارة إلى الوسيط الروائى الفرنسى المأخوذ عنه احتراما للملكية الفكرية.






كما شاهده الجمهور مرتين الأولى على مسرح قصر ثقافة بورسعيد ضمن فعاليات بورسعيد عاصمة الثقافة المصرية.. والثانية على مسرح وزارة الشباب والرياضة ضمن فعاليات مهرجان «إبداع 9» التابع لوزارة الشباب والرياضة وحقق نجاحا كبيرا .



ومازال يحصد إشادات واسعة تدفعنا لدعوة وزارة الثقافة بعرضه على مسرح الشمس ومسارح المحافظات المختلفة.