عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
فلسطين فى القلب
17 مايو 2021
يوسف القعيد


أين أصبح حل الدولتين الآن؟ سالت الدماء وسقط الشهداء أو لأكون أكثر دقة صعدوا للسماء، ومع هذا لم نسمع كلمة عن حل الدولتين، رغم أن كل ما يجرى على الأرض لا حل له غير الدولتين. لكن العدو الصهيونى لا يفعل أكثر من الاستغلال الرخيص للموقف. وفى مواجهته البطل الأول الشارع الفلسطيني.



لحظة وعى فلسطينية نادرة ليست الأولي، حدثت من قبل مرات. ولكنها تحمل فى أعماقها إمكانية استمرارها، وثوار فلسطين المحتلة يواجهون الواقع الجديد بأبجديات مغايرة. على الرغم من أن من سبقوهم كانوا يستعيرون حروفهم من التراث العربى القديم. الرهان على المستقبل مسألة صعبة.



ما يجرى فى فلسطين المحتلة تجد أصداءه على ورق صحفنا توشك أن تتساوى مع الدماء التى تُسيل فى فلسطين. ولهذا رأيت أن تجاهل ما يحدث جريمة. وأن الكتابة المكررة والمُعادة ربما كانت جريمة أخري. ولذلك ذهب خيالى إلى قامات فلسطينية عندما كنت أقابلهم فى الزمن القديم كانت فلسطين ثالثنا. لدرجة أننى عندما فكرت فى كتابة هذا الذى أكتبه جاءت إلى خيالى عبارة محمود درويش المصري. كى تكون عنواناً لما أريد كتابته. ولكنى خجلت من نفسي. فمحمود درويش كان يعتبر أن الفلسطينى اسمه الثالث. ولم يكن يرضى عن ذلك بديلاً. لم تكن فلسطين هوية أو دولة ولد على أرضها وعاش فيها وحرص على ألا يتركها وكانت هى قضية شعره وحياته. ما كان يرضى بهوية أخرى حتى لو كانت المصرية مع ما فيها من إغراءات تاريخية لا توجد فى أى مسمى آخر. ولكن فلسطين بالنسبة للفلسطينى تظل هى الجرح النازف أبداً. ويزداد نزيفه مع مرور الوقت. ولا يجرؤ النسيان على الاقتراب من هذه المنطقة الخطرة. فالنسيان قد يرقى للخيانة. قابلت محمود درويش قبل أن يأتى إلى مصر، رأيته فى عواصم عربية: بغداد، تونس، الجزائر، المغرب، سوريا، السودان، وقبلها وبعدها مصر. محمود درويش شاعر فلسطينى وعضو المجلس الوطنى بمنظمة التحرير الفلسطينية، وله دواوين شعرية مليئة بالمضامين الحداثية. ولد عام 1941 فى قرية البروة وهى قرية تقع فى الجليل قرب ساحل عكا، فأسرته تملك أرضاً هناك. خرجت الأسرة برفقة اللاجئين الفلسطينيين 1948 للبنان، ثم عادت متسللة 1949 بعد توقيع اتفاقيات الهدنة لتجد القرية مهدمة وقد أقيم على أراضيها قرية زراعية للعدو، فعاش مع عائلته فى القرية الجديدة. بعد إنهاء تعليمه الثانوى فى مدرسة بنى الثانية فى كفر ياسيف انتسب إلى الحزب الشيوعى الإسرائيلى وعمل فى صحيفتى الحزب: الاتحاد والجديد، كما اشترك فى تحرير جريدة الفجر.اعتقل محمود درويش من قبل السلطات الإسرائيلية بدءاً من عام 1961 بتهم تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسى وذلك حتى عام 1972، توجه للاتحاد السوفييتى للدراسة، وانتقل بعدها لاجئاً إلى القاهرة، حيث عمل فى جريدة الأهرام، وكتب فى المصور بدار الهلال، مقاله الأول: هل تسمحون لى أن أتزوج؟.



اختار المصور لأنها كانت المجلة العربية الأولى التى يرأس تحريرها أحمد بهاء الدين، الرجل الذى زرع قضية فلسطين فى حبة قلبه. ونماها فى وجدانه. عمل درويش فى مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، علماً بانه استقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على بعض القرارات السياسية، كما أسس مجلة الكرمل الثقافية. قال عنه الكاتب اللبنانى شربل داغر: قلما وجدته من دون بدلة، قاتمة اللون، رمادية وزرقاء معتمة. وإن ارتدى قميصاً، فهو طويل الكمين، محتشم، من دون ربطة عنق فى غالب الأحوال، قلما تنبت شعرة بيضاء فى شعره.



توفى فى الولايات المتحدة يوم السبت 9 أغسطس 2008 بعد إجرائه عملية القلب المفتوح فى المركز الطبى بهيوستن، التى دخل بعدها فى غيبوبة أدت لوفاته بعد أن قرر الأطباء بالمستشفى نزع أجهزة الإنعاش بناء على توصيته. وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الحداد ثلاثة أيام فى الأراضى الفلسطينية حزناً على وفاته، واصفاً درويش: عاشق فلسطين، ورائد المشروع الثقافى الحديث، والقائد الوطنى اللامع والمعطاء، وقد ورى جثمانه الثرى فى 13 أغسطس 2008 فى مدينة رام الله، وخصصت له قطعة أرض فى قصر رام الله الثقافي. وتم الإعلان أن القصر تمت تسميته: قصر محمود درويش للثقافة. شارك فى جنازته آلاف من أبناء الشعب الفلسطينى وحضر أهله من أراضى 48 وشخصيات أخرى تقدمهم رئيس السلطة محمود عباس. أذكر عندما عقد أبو عمار أغسطس 1929 – 11 نوفمبر 2004 مؤتمر منظمة التحرير الفلسطينية السنوى بالجزائر، وقرر أبو عمار كعادته أن يختم مؤتمره بشعر لمحمود درويش. ولكن فى اليوم الأخير اختفى محمود درويش وترك أبو عمار المنصة، حيث كنت موجوداً فى القاعة وذهب وعاد ومعه محمود درويش الذى قال شعراً كما لم يقله من قبل. أما خلفية اختفائه ورغم فضولى لمعرفة مثل هذه الأمور الجانبية فلم أتوصل إليها. أدون من باب التذكير بعض أعماله:



- أنا الموقع أدناه، خطب الديكتاتور الموزونة، لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي، محمود درويش مقالات وحوارات، أقول لكم، آن لى أن أعود، أثر الفراشة، حيرة العائد، يوميات الحزن العادي، فى حضرة الغياب، كزهر اللوز أو أبعد، حالة حصار، جدارية، سرير الغربة، لماذا تركت الحصان وحيداً، ذاكرة النسيان، عابرون فى كلام عابر، ورد أقل، أحد عشر كوكباً، أرى ما أريد، أعراس، حصار لمدائح البحر، محاولة رقم 7، العصافير تموت، أوراق الزيتون، حبيبتى تنهض من نومها.



يلخص محمود درويش بقصة حياته وشعره ومقالاته النثرية ومجلة الكرمل التى أصدرها ــ حكاية فلسطين من الألف للياء. ورغم أنه رحل منذ سنوات كثيرة، إلا أن الياء التى أختم بها يمكن أن تمتد للآن. فلم يحدث جديد يُفرح القلب. ولا يحل المشكلة التى يبدو أنها بلا حل. فالكيان الصهيونى يمتد ويتسع ويفرض شروطه على الدنيا، والحرب الأخيرة مثال حقيقى لذلك. فالعدو لا يبالى بالمظاهرات ولا الاحتجاجات ولا التحذيرات الدولية ولا دعوات اللجوء لمجلس الأمن. ويبدو مصمماً على الوصول إلى النهاية مهما ارتفع عدد الشهداء.