عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
سيناريوهات «سفك الدماء» فى الأراضى الفلسطينية !
16 مايو 2021
بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة


لا أدرى سببا لتأجيل انعقاد مجلس الأمن حتى كتابة هذه السطور إلا إذا كانت الولايات المتحدة ترغب فى «إراقة» المزيد من الدماء الفلسطينية، ووقوع المزيد من التدهور والتدمير فى الأراضى الفلسطينية.



كان من المقرر عقد جلسة طارئة علنية لمجلس الأمن يوم الجمعة الماضى بعد أن تقدم نصف أعضاء مجلس الأمن بطلب لعقد هذه الجلسة بعد أن فشل المجلس خلال جلسات مغلقة فى التوصل إلى موقف دولى موحد من التدهور الواسع النطاق فى الأراضى الفلسطينية، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية عارضت عقد الاجتماع واقترحت عقده يوم الثلاثاء المقبل، ثم وافقت بعد ضغوط على عقده اليوم الأحد، فهل ينعقد المجلس اليوم أم لا ؟! والأهم هل ينجح مجلس الأمن فى استصدار قرار ينهى العدوان الإسرائيلى على الأراضى الفلسطينية؟.



مندوبو الدول الأوروبية الأربع فى مجلس الأمن «أستونيا، وفرنسا، وأيرلندا والنرويج» أصدروا بيانا مشتركاً عبروا فيه عن القلق البالغ من التصعيد فى غزة وحولها، وتصاعد العنف فى بقية الأراضى الفلسطينية المحتلة، بما فى ذلك القدس الشرقية، وكذلك فى إسرائيل، مطالبين كل الجهات الفاعلة «بشكل عاجل تهدئة التوترات، وإنهاء العنف وإظهار أقصى درجات ضبط النفس».



رفضوا العنف فى القدس الشرقية، خاصة فى الأماكن المقدسة وحولها، بما فى ذلك المسجد الأقصى، وطالبوا باحترام أوضاع السكان الحاليين، رافضين التهديد بإخلاء العائلات الفلسطينية فى حى الشيخ جراح، والمناطق الأخرى فى القدس الشرقية وطالبوا بضرورة وقف النشاط الاستيطانى وعمليات الهدم والإخلاء.



كانت أعمال العنف قد تصاعدت بعد قيام قوات الاحتلال الإسرائيلى بمحاولة طرد السكان الفلسطينيين من حى الشيخ جراح فى القدس الشرقية، واعترض السكان الفلسطينيون على هذا القرار الجائر، ورفضوا تنفيذه مساء يوم الجمعة اليتيمة الموافق 25 رمضان.






بعدها اقتحم جنود الاحتلال الإسرائيلى المسجد الأقصى واعتدوا على المصلين فيه، والموجودين فى حى الشيخ جراح وباب العمود.



تصاعدت دعوات الجماعات الدينية المتطرفة فى إسرائيل لاقتحام المسجد الأقصى وإحياء ذكرى ما يطلقون عليه «دمج شطرى القدس» وفى المقابل واجه الفلسطينيون هذا الموقف بالحشد فى المسجد الأقصى، لتبدأ أعمال العنف فى التصاعد والمواجهة.



مشكلة حى الشيخ جراح ليست وليدة اليوم، وإنما هى مشكلة قديمة ومتجددة ومحل نزاع دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعود تسمية الحى إلى الشيخ حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراح طبيب القائد صلاح الدين الأيوبى، وكانت الحكومة الأردنية قد قامت بالاتفاق مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» فى عام 1956 على إقامة منازل للفلسطينيين الذين تم تهجيرهم عام 1948 وتأجيرها لهم بعقود مفتوحة وممتدة لـ 28 عائلة فلسطينية.



الصراع على تلك المنازل بين السكان الفلسطينيين والمجموعات اليهودية المتطرفة يدور منذ فترة طويلة حتى قضت المحكمة الإسرائيلية العليا بإخلاء العائلات الفلسطينية وطردهم من منازلهم فى حى الشيخ جراح، فى مشهد استفزازى أدانته معظم دول العالم بلا استثناء.



إصرار الحكومة الإسرائيلية على تشريد العائلات الفلسطينية وتهجيرها يأتى فى إطار المخطط المنظم لتهويد القدس وهو الذى أدى إلى إشعال فتيل الغضب الفلسطينى، واشتعال المواجهة من جديد بين الجانبين.



المواجهة أسفرت حتى الآن عن مئات القتلى والمصابين فى صفوف الفلسطينيين، منهم عشرات الضحايا من النساء والأطفال دون ذنب أو جريمة لهم سوى إنهم كان يحتمون بمنازلهم التى تهدمت فوق رءوسهم نتيجة القصف الإسرائيلى العشوائى، إلى جانب خسائر هائلة فى الممتلكات للمدنيين، فى سيناريو يشبه ما حدث من اعتداء إسرائيلى على غزة عام 2014.



لم يختلف سيناريو الاعتداء الاسرائيلى على غزة عام 2014 كثيراً على الاعتداءات الحالية وإن اختلفت الأسباب والمقدمات فهل يتصاعد السيناريو الحالى إلى نفس السيناريو السابق وتكون هناك محاولة لاجتياح غزة بريا?.



فى عام 2014 اندلعت أعمال العنف فى شهر يوليو من ذلك العام وتصاعدت الاشتباكات وأعمال القصف لقطاع غزة، وانتهت بمحاولة اسرائيلية لاجتياح القطاع تركت خلفها خرابا هائلا، ودمارا واسع النطاق بلغت تكلفته التقديرية نحو 3.6 مليار دولار وحوالى 2174 قتيلا من الجانب الفلسطينى وحوالى 10870 جريحاً.



على الجانب المقابل فقد تكبدت قوات الاحتلال خسائر بشرية هائلة وموجعة، حيث بلغت خسائرها نحو 70 قتيلا، منهم 64 جنديا إسرائيليا، وحوالى 720 جريحا.



ربما تكون هذه الخسائر البشرية فى الجانب الإسرائيلى أحد العوامل الحاكمة فى اتخاذ قرار بالاجتياح البرى من جديد أم الاكتفاء بالضربات الجوية حتى لا يتكرر سيناريو الخسائر «الموجعة» الذى لن يستطيع نيتانياهو دفع تكلفته الانتخابية خاصة أنه فى أسوأ أحواله الآن بعد فشله فى تشكيل الحكومة الإسرائيلية، وانتهاء المهلة التى منحها له الرئيس الإسرائيلى دون التوصل إلى اتفاق.



لا يمكن فصل التصعيد الإسرائيلى الآن عن الازمة الداخلية الإسرائيلية بعد فشل الانتخابات البرلمانية الرابعة خلال عامين عن حسم الأغلبية البرلمانية لمصلحة رئيس الوزراء الحالى بنيامين نيتانياهو.



خرج نيتانياهو من تلك الانتخابات الأربعة مثل «البطة العرجاء» دون حسم أغلبية مريحة تجعله قادراً على تشكيل حكومة مستقرة، إلا أنه ــ وبدهاء نادر ــ خلال الجولات الثلاث السابقة نجح فى البقاء على كرسى رئيس الحكومة ليكون هو الأطول بقاء فى تاريخ رؤساء الوزراء الإسرائيليين حتى الآن.



يجيد نيتانياهو لعبة تدمير الخصوم وآخرهم «بيبى جانتس» الذى تحالف معه بعد الانتخابات السابقة فى إطار اتفاق بينهما لتشكيل حكومة طوارئ ووحدة وطنية وبموجب الاتفاق كان من المقرر أن يتولى نيتانياهو رئاسة الحكومة لمدة 18 شهراً، ليتخلى بعدها لمصلحة منافسه «بيبى جانتس» ليكمل باقى المدة المقررة رئيسا للحكومة.



لم تكتمل المدة، ولم يتول جانتس رئاسة الحكومة ودخل نيتانياهو الانتخابات من جديد، ولحقت هزيمة مدوية بمنافسه «جانتس»، وفاز الليكود بأعلى الأصوات من بين الأحزاب لكنها أغلبية غير كافية لم تمكنه من تشكيل الحكومة حتى الآن، مما اضطر رئيس الدولة الإسرائيلية إلى تكليف زعيم المعارضة «يائير لابيد» لتشكيل الحكومة بعد فشل نيتانياهو فى تشكيل الحكومة خلال المدة المقررة.



قد يكون التصعيد الإسرائيلى الحالى ضد الفلسطينيين فى القدس وغزة والضفة ورقة نيتانياهو التمهيدية استعداداً للانتخابات الخامسة التى من المحتمل إجراؤها فى حال فشل التوصل إلى تشكيل الحكومة أو حتى فى حال نجاحها، لأنها ستكون حكومة قصيرة العمر «محكومة» بتحالفات «هشة» لن تستطيع الصمود لفترة طويلة.



لابديل أمام الفلسطينيين الآن سوى وحدتهم فى مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، والتمسك بما تم التوصل إليه بالقاهرة فى شهر فبراير الماضى، حينما تم التوصل إلى اتفاق متكامل لإعادة «لم الشمل» الفلسطينى، وإعادة توحيد السلطة الفلسطينية من خلال إجراء انتخابات المجلس التشريعى، وإجراء انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية، واستكمال تشكيل المجلس الوطنى بالانتخاب أو التوافق حيثما أمكن، وبما يضمن مشاركة الكل الفلسطينى فى منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى.



لابد من إيجاد مخرج للانتخابات الفلسطينية، وعدم تأجيلها إلى أمد غير محدود، والتوصل إلى آلية لمشاركة سكان القدس حتى وإن كان ذلك من خلال التصويت الإليكترونى أو بحسب الطريقة التى تتوافق عليها الفصائل الفلسطينية.



فى كل الأحوال لاينبغى أن تكون تلك العقبة أو غيرها من العقبات حائلاً دون نجاح خارطة الطريق التى وضعتها الفصائل الفلسطينية فى القاهرة، لأنها طوق النجاة الوحيد لإنهاء العدوان الإسرائيلى المتكرر والغاشم، وإنهاء حالة التشرذم الفلسطينى المستمرة منذ 14 عاماً حتى الآن، والتى جعلت من الفلسطينيين لقمة سائغة للاعتداءات الإسرائيلية، وورقة للمساومة على حقوقهم فى الانتخابات الإسرائيلية فى كل مرة.