عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
حرب غزة ومصير إسرائيل
16 مايو 2021
مصطفى السعيد


فاجأت صواريخ غزة إسرائيل، فلم تكن تتصور أن عدد وحجم ومدى صواريخ الفصائل الفلسطينية وصل إلى هذا المدى الذى أربك القبة الحديدية وشلها بدرجة كبيرة، حيث كان نيتانياهو يعتقد أن غزة هى أضعف الحلقات، فهى المحاصرة برا وبحرا وجوا، وتعيش أوضاعا مُذرية لاستمرار الحصار لنحو 15 عاما، لهذا انتابه الغضب، ووجه كل قذائف طائراته وزوارقه الحربية ومدفعيته الثقيلة إلى محطات الكهرباء والمياه حتى البنوك والمبانى السكنية، إلا أنها لم تستطع إيقاف أو تخفيف معدل انهمار الصواريخ الفلسطينية على المدن والمستعمرات الإسرائيلية، خاصة تل أبيب والقدس، التى تشكل القلب الصناعى والتجارى والخدمي، كما تمكنت من إصابة مواقع حساسة منها مطار بن جوريون ومنصة لاستخراج الغاز الطبيعى قبالة بحر غزة، وأوقفت حركة الطيران والسكك الحديدية، وتسببت هذه المفاجأة المؤلمة فى رفض إسرائيل كل محاولات الدول الكبرى الوقف الشامل للقتال، قبل أن تثأر من تلك الضربات، لأنها ستعنى هزيمة إسرائيل التى يصفها نيتانياهو دوما بالقوة العظمى أمام غزة الضعيفة، وستكون تداعيات الفشل والهزيمة سلبية للغاية على صورة إسرائيل، بالإضافة إلى إنهاء الحياة السياسية لنتانياهو، الذى كان يأمل فى انتصار سريع يرفعه مجددا إلى سدة الحكم، بعد أن يقضى على معظم الفصائل المسلحة فى غزة، وهو لا يزال يكرر هذه الرغبة ويحشد القوات البرية على حدود غزة ملوحا بهجوم برى واسع لإعادة احتلال غزة، لكن إقدامه على هذه الخطوة مقامرة كبيرة، فهو سيرتكب مذابح كبيرة ليقلل من حجم خسائر قواته المتوقع أن تتجاوز 500 قتيل وأعداد مضاعفة من الجرحى، وربما وقوع أسرى، فتكون خسارته كارثية، أما إذا لم يقتحم غزة بريا فإنه سيخسر أيضا، فلا يوجد بنك أهداف له قيمة حاليا فى غزة، بعد أن دمرت قواته معظم الخدمات والكثير من المبانى السكنية، بينما الفصائل المسلحة تقيم فى الأنفاق التى يحاول الطيران والمدفعية دكها بالذخائر الثقيلة والارتجاجية القادرة على الوصول للأعماق، لكن القوات الإسرائيلية لا يمكنها الوصول إلى معظم شبكة الأنفاق فى طول غزة وعرضها، وبالتالى تظل الصواريخ تشل إسرائيل وترعب سكانها، وتلحق بها خسائر اقتصادية واجتماعية ونفسية كبيرة.



والسؤال الذى يطرحه الساسة والعسكريون وحتى السكان: ماذا سيكون حال إسرائيل إذا اندلعت حرب واسعة لم تقتصر على غزة المحاصرة وشملت دولا أقوى مثل لبنان وسوريا والعراق وإيران، التى تمتلك قوات أضخم وأكثر تطورا ومئات آلاف الصواريخ الدقيقة والثقيلة والطائرات المسيرة الحديثة؟ من المؤكد أن نيتانياهو أو غيره لن يكرر التهديدات بحرب شاملة مع تلك الدول بعد معركة غزة المؤلمة، وستنكمش الصورة الخيالية عن قوة إسرائيل العظمى.



لم تكن تلك هى أكبر الخسائر التى تكبدتها إسرائيل، بل كان الأخطر اندلاع أوسع الاشتباكات بين المستوطنين المتطرفين وعرب الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ووصل الأمر إلى حد إعلان الأحكام العرفية للسيطرة على تلك الاشتباكات العنيفة، والتى كانت مختفية تحت جمر أجواء الكراهية بين جماعات اليمين المتطرف وعرب الداخل الذين ولدوا تحت الاحتلال، وكانت التصورات أن الأجيال الجديدة من عرب الداخل نسيت هويتها الفلسطينية، واندمجت فى المجتمع، لكن الممارسات العنصرية لليمين الذى يزداد قوة وتطرفا ونفوذا أشعل جذوة الكراهية التى تهدد وجود إسرائيل وفق تصريح لرئيس الوزراء المكلف يائير لبيد، فنسبة عرب الداخل تتجاوز 21%، ويتواجدون فى العديد من المدن والبلدات من حيفا ويافا والناصرة واللد والرملة وأم الفحم وغيرها، ونظموا مظاهرات حاشدة ضد الممارسات العنصرية لجماعات اليمين المتطرف، وصلت إلى حد قتل عدد منهم بالرصاص، وتحطيم وحرق محالهم وسياراتهم، وتعرضهم للضرب والطرد والمطاردة، منهم شاب تعرض لضرب مبرح حطم عظامه وأصابه بجروح بليغة، وحالته حرجة، واضطروا إلى تنظيم مجموعات شعبية لحماية أحيائهم ومنازلهم من الهجمات المستمرة للمتطرفين، وكانت المظاهرات قد تأججت عقب اقتحام المسجد الأقصى، ومحاولة هدم مساكن حى الشيخ جراح فى القدس، ونزع المتظاهرون العلم الإسرائيلى من فوق بلدية اللد ووضعوا العلم الفلسطينى فى واقعة بالغة الدلالة. إن الهزة العنيفة التى تشهدها الأراضى المحتلة تكشف عن مدى هشاشة إسرائيل فقد تمكن منها داء التطرف والانقسام الذى يصعب الخلاص منه، وتنامى اليمين الدينى المتطرف الذى تحول إلى وحش يهدد الكيان بكامله.