كانت البداية مما قاله الفريق كامل الوزير، وزير النقل والمواصلات فى مجلس النواب عند كلامه عن حادث السكة الحديد بعد الحوادث الأخيرة التى وقعت عندما طالب مجلس النواب بإصدار تشريع لإبعادهم عن العمل. خاصة أنهم معروفون بالاسم – هكذا قال الوزير بالحرف الواحد – وكان الوزير قد ذهب إلى البرلمان بعد تكرار حوادث السكة الحديد، وسقوط متوفين ومصابين. وأعدادهم ليست قليلة. بعد ذلك انفتح الموضوع وتناولته أقلام كثيرة. خصوصاً اعتراف الوزير فى سياق كلامه السابق بأن هذه الخلايا ليست نائمة. وأنها رغم كل مراعاتها لأساليب التخفى والعمل من تحت الأرض، فإنه من السهل إدراك ورؤية آثارها السلبية على المرفق.
وأكبر دليل على دقة هذا الكلام وصدقه أن الحوادث توقفت تماماً بعد النشر. فتلك الجماعات تعمل وتنشط وتكمن وتسكن وفق تعليمات تصلها من قياداتها. ومن خطورة ما قاله الوزير يبدو أنهم يمرون بمرحلة التقاط الأنفاس. بعد ذلك فكر نائبان فى نفس المجلس فى التقدم بطلب تعديلات تشريعية يمكن بموجبها فصل أعضاء وليس قيادات فقط للجماعة الإرهابية إياها من أى مؤسسة فى مؤسسات الدولة. سواء كانت (حكومية أو قطاع عام أو قطاع مشترك). وحتى القطاع الخاص فإنه لا يمكن أن يمانع فى المشاركة فى تطهير البلاد من هؤلاء.
علمتُ أن فى مجلس النواب الآن نائبين يفكران – كل منهما على حدة – فى التقدم بتشريع جديد للمجلس بعد إجازة عيد الفطر المبارك مباشرة. أولهما المهندس أمين مسعود، عضو مجلس النواب وأمين سر لجنة الإسكان والمرافق بالبرلمان. الذى أعد تعديل مشروع لقانون الخدمة المدنية يهدف إلى فصل جميع من ينتمون للجماعة الإرهابية وجميع التنظيمات والجماعات والتيارات التكفيرية التى خرجت من باطن هذه الجماعة. وأنه سيطالب بتعديل قانون الخدمة المدنية ليتم فصل العناصر التى يثبت علاقتها بالفئات المتطرفة. وأن هذا الأمر لن يكون خاصا بالسكة الحديد وحدها. ولكن سيطبق على مختلف مؤسسات الدولة بما فيها الجامعات والمدارس ومختلف الوزارات والمحافظات وغيرها من مؤسسات الدولة المصرية الراهنة. كما ينوى النائب عبد الفتاح محمد، أمين سر لجنة القوى العاملة بالمجلس التقدم بمشروع قانون يقضى بفصل العاملين بالجهات التابعة للدولة الذين يثبت انتماؤهم للجماعة الإرهابية أو حتى مجرد التعاطف معها. طبعاً علامات الاستفهام كثيرة وغير محدودة إزاء الحوادث التى وقعت مؤخراً فى السكة الحديد وراء بعضها ثم توقفت. ومن المعروف أن الخلايا الإرهابية عندما تكون نائمة لا تملك سوى الخضوع التام للجماعات إياها. وإن حدث وخرجت عن النمط الإرهابى فى الموقف من الدولة المصرية الراهنة. والتى تمثل نموذجاً ناجحاً ومشرفاً للدولة الوطنية. فإنهم قد يهددون حتى بالقتل.
نحن إذن أمام عملية منظمة لها من يقودها سواء كان خارج البلاد أو من داخلها وما يقومون به يصيب الدولة المصرية والمجتمع المصرى بأضرار حقيقية وبالغة الخطورة. من المعروف أن لكل ناجح أعداء. تلك قاعدة من قواعد العمل الإنسانى. ليس فى زماننا فقط ولكن على مر العصور والدروب. ومن المؤكد أن تجربة إعادة بناء مصر التى يقودها بثقة واقتدار ومعرفة عميقة الرئيس عبد الفتاح السيسى من أول وجديد تتم بنجاح نادر. ومن الطبيعى أن تنبت لمصر والمصريين أعداء سواء داخل البلاد أو خارجها. وأنه حتى التوقف الأخير عما كان يحدث فى السكة الحديد لا يدعو للاطمئنان. وربما كان هدنة تقع بين فصل وآخر من فصول الحكاية.
أرجوك ألا تشغل بالك بخطورة هؤلاء. لأن هذا قد يزرع النفس بالخوف منهم بنقل المجتمع المصرى مما يقوم به من تقدم للأمام مدروس بعناية إلى حالة من الدفاع عن النفس. والدفاع عن النفس أمر مشروع ولا بد منه. ولكنه قد يكون فى أفضل أحواله عندما يكون العدو محدداً ومعروفاً. سواء كان داخل مصر أو خارجها.
طبعاً هذه الجماعة لها تاريخ طويل فى العمل السرى. وقد قامت أساساً على فكرة التآمر والإضرار بالبلاد. لا يعنيها سوى تحقيق أهدافها التى تسعى إليها. وإن كان ذكر هذا الكلام ليس الهدف منه التخويف منهم. بقدر ما هو دعوة للمجتمع المصرى كله لأن يعيش حالة من اليقظة التامة فى مواجهة عدو الأمس، وعدو اليوم، ومن يدرى قد يكون عدو الغد أيضاً.
من البديهى أن الخلايا النائمة تشكل سرطاناً أخطر من الخلايا المتحركة أو الفاعلة. وأن التخوف من الخلايا التى تحت الأرض لا بد أن يكون أكثر بكثير من الخلايا التى فوقها. ولذلك لابد علاوة على المواجهة الأمنية أن تكون هناك أيضاً مواجهة فكرية. وهذه المواجهة الفكرية يمكن أن تحتشد لها وزارة الأوقاف، والأزهر الشريف، وأجهزة الإعلام المختلفة، ووزارة الثقافة، وكل جهة لها علاقة بالعقل المصرى الراهن ابتداء من فصول الدراسة وحتى ساحات العمل.
أرجو ألا يُفهم من كلامى أننى أطالب بأفعال ضد القانون. فنحن نعيش فى دولة قانون تُعتبر سيادته أحد أُسسها. وحتى هؤلاء كل من خرج على قوانين البلاد واستقرارها وأمان أهلها لابد أن تواجهه مصر بصحيح القانون وأصوله. أعرف أن هناك ترسانة من القوانين التى تواجههم. ولكن حتى لو تطلب الأمر تشريعات جديدة فلِمَ لا؟ فنحن نتكلم عن مصير وطن.
من حيث الحاجة لتشريع جديد، قال لى أكثر من قانونى إن لدينا جبهة من القوانين التى يمكن أن تواجههم. بل إن قانون العقوبات العادى يفى بالغرض المطلوب دون الحاجة لتشريع قوانين جديدة. لكن كل هذه تفاصيل. أما الجوهر فيقول إن مواجهة هؤلاء هى دفاع مشروع عن مصير الوطن ومستقبله القريب والبعيد.
هل أعتذر للقارئ أننى أثرتُ هذا الموضوع فى أسبوع من المفترض أن نحتفل بأعيادنا، وأن نفرح بها، وأن نشيع حالة من البهجة والسرور بمجيئها؟ ولكن يبدو أننى ما زلت متأثراً بشاعر العربية الأول أبو الطيب المتنبى الذى سأل العيد فى زمنه عما جاء به عندما أنشد:
- عيد بأية حالٍ عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيه تجديد.