عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«فقدان الشريك» يهدد «بتفجير» أزمة السد
9 مايو 2021
بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة


لا أعتقد ــ وإن كنت أتمنى عكس ذلك ــ أن تنجح جولة الرئيس الكونغولى فيليكــــــس تشيســــيكيدى، المكـــوكــــية التى يقوم بها الآن والتى بدأت بزيارة الخرطوم صباح أمس ثم القاهرة مساء أمس فى الوصول إلى حل بخصوص أزمة السد الإثيوبى المتصاعدة منذ عشر سنوات حتى الآن بسبب فقدان الشريك الإثيوبى الجاد الذى يملك الإرادة السياسية اللازمة للوصول إلى حل مقبول مع دولتى المصب (مصر والسودان).



ليست المشكلة فى مصر والسودان فكلتاهما تسعيان بإخلاص من أجل التوصل إلى حل يضمن حق إثيوبيا فى التنمية، وفى الوقت ذاته يضمن الحصص المائية المقررة لدولتى المصب (مصر والسودان).



إثيوبيا ليست فى حاجة إلى مياه إضافية فلديها ما يكفى من المياه، وهى الأكثر استغلالاً لمياه النيل، رغم أنها الأكثر وفرة فى مصادر المياه، ولكن المشكلة تتعلق بالأزمات الداخلية المتفجرة فى إثيوبيا، والتى انفجرت فى إقليم تيجراى، وتهدد بتصاعد النزاعات الانفصالية، والحروب الأهلية فى باقى الأقاليم لتتحول إثيوبيا إلى ثمانى دول على الأقل نتيجة العلاقات المتوترة بين الحكومة الفيدرالية، والأقليات العرقية، فى ظل عدم المساواة، وانتهاج سياسة الإقصاء والاضطهاد مما جعل إثيوبيا أشبه بـ «كرة ملتهبة» توشك على الانفجار فى أى لحظة.






فى إثيوبيا عشرات المجموعات العرقية أشهرها «الأورمو، والأمهرة وتيجراى، والصومالية، وعفار، والأعراس» وغيرها من المجموعات العرقية، وقد اعترف الدستور الإثيوبى بذلك الاختلاف والتباين العرقى، وجعل من إثيوبيا جمهورية فيدرالية، وترك لكل إقليم خصوصياته وتشريعاته، لكن السلطة المركزية فى أديس أبابا، انتهجت سياسة إشعال الفتن الداخلية، وطمس الهوية.



تلك الممارسات أدت إلى الانفجار الكبير فى إقليم تيجراى، والذى نتج عنه سقوط آلاف الضحايا والمصابين، ووقوع عمليات إبادة جماعية، وتطهير عرقى، وعنف جنسى، ودخول قوات خارجية هى القوات الإريترية على خط الصراع لمساندة رئيس الوزراء الحالى آبى أحمد ضد شعب التيجراى.



انتفاضة العالم ضد ما حدث من فظائع فى إقليم التيجراى جعل آبى أحمد يتراجع عن «عجرفته» ويعتذر عن المجازر العرقية فى محاولة مؤقتة منه لتمرير عاصفة الغضب العالمية ضده.



بدلا من الحلول الموضوعية للأزمات الداخلية المشتعلة فى الأقاليم الإثيوبية يقوم رئيس الوزراء آبى أحمد باستخدام ورقة السد للشحن الداخلى، واختراع عدو خارجى فى محاولة «متهافتة» منه لتهدئة الوضع الداخلى، وتحويل أنظار المواطن الإثيوبى عن مشاكله الحقيقية، إلى إشاعة فكرة العدو الخارجى المناهض للمشروع القومى للسد الإثيوبى لرأب الصدع فى الجبهة الداخلية المنهارة.



للأسف الشديد استغل آبى أحمد صديقه عمر البشير الرئيس السودانى المخلوع أسوأ استغلال ممكن لتصدير صورة كاذبة عن عدم إضرار السد الإثيوبى بالسودان رغم أن السودان هو الأكثر تضررا كما حدث فى الملء الأول للسد فى العام الماضى، وكما هو متوقع حدوثه لو أصرت إثيوبيا على السير فى الاتجاه المعاكس، وقامت بالملء الثانى بشكل أحادى خلال الفترة المقبلة.



بعد كشف الأكاذيب الإثيوبية، وسقوط نظام البشير سقطت الأقنعة الكاذبة، وظهرت مخاطر الســــــــد الإثيـــوبى واضحـة جــليــــة خلال الملء الأول للسد على الشعب السودانى الشقيق بعد أن تضرر من الجفاف، وتأثرت قدرات «سد الروصيرص» على توليد الكهرباء وهو الوضع المرشح للتكرار بقوة أكبر فى حالة الملء الثانى للسد الاثيوبى دون اتفاق مع دولتى المصب.



الأضرار التى لحقت بالسودان فى الملء الأول جعلته أكثر إصرارًا وقوة على ضرورة إلزام إثيوبيا باتفاق ثلاثى ملزم حول السد، ورفض اتخاذ خطوات أحادية من الجانب الإثيوبى.



بنفس عقلية الهروب من مواجهة المشكلات الداخلية فى الأقاليم الإثيوبية «المتفجرة» يتعامل آبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبى مع السودان الشقيق بعدما أعلن بصراحة وبكل وضوح رفضه لنهج «المراوغة» و«الأكاذيب» الإثيوبية، فكان اقتراحه بضرورة توسيع المفاوضات لتضم رباعية دولية «الاتحاد الإفريقى، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة»، من أجل «تسريع» وتيرة حل الأزمة، والمساعدة فى التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم وعادل للأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا).



أيدت مصر بكل قوة الموقف السودانى، لكن إثيوبيا لجأت مرة أخرى إلى نهجها المعتاد داخليا وخارجيا، وهو نشر الأكاذيب، وافتعال أزمات أخرى فرعية فى محاولة فاشلة منها للابتعاد عن الأزمة الأصلية.



هذه المرة حركت إثيوبيا قواتها المسلحة لتحتل مساحات كبيرة من الأراضى السودانية، وتقيم عليها مستعمرات إثيوبية، وحينما قامت القوات السودانية باستعادة أراضيها المحتلة قامت إثيوبيا بترويج الأكاذيب والشائعات ضد السودان باعتبار ذلك عدوانا خارجيا من أجل لم شمل الداخل المفتت، وتصدير صورة خاطئة للمجتمع الدولى، واستخدام الورقة السودانية فى الشحن الداخلى.



ولأن الاكاذيب لا تصمد فقد روجت إثيوبيا لاتفاقية الحدود وتقاسم المياه الموقعة عام 1902 على أنها اتفاقيات استعمارية برغم أن إثيوبيا لم تكن محتلة فى ذلك التوقيت.



«الهذيان» و«الأكاذيب» الإثيوبية وضعت إثيوبيا فى موقف صعب حينما لوحت السودان بإعادة النظر فى «سيادة» إثيوبيا على إقليم «بنى شنقول» الذى يقام عليه السد الإثيوبى إذا استمرت فى نهج التنصل من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمياه النيل وترسيم الحدود بين البلدين.



فى الأسبوع الماضى أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانًا استنكرت فيه تصريحات مسئولين إثيوبيين أفادوا بأن السودان يعمل على إلزام بلادهم بـ«اتفاقيات استعمارية» فى إشارة إلى اتفاقيتى الحدود والمياه.



اعتبرت الخارجية السودانية هذه التصريحات «لا يعتد بها» باعتبار أن إثيوبيا كانت عند التوقيع دولة مستقلة، وقالت إن التنصل من تلك الاتفاقيات يعنى أيضا أن تتخلى إثيوبيا عن سيادتها على إقليم بنى شنقول موقع سد النهضة الذى انتقل من السيادة السودانية إلى إثيوبيا بموجب تلك الاتفاقيات التى تسميها إثيوبيا «استعمارية» وترفضها وتتنصل منها.



تاريخيًا يعتبر إقليم بنى شنقول المقام عليه السد إقليما سودانيا منذ عهد الدولة المهدية فى القرن التاسع عشر حتى سقوطها عام 1898 وهو إقليم تسكنه أغلبية عربية مسلمة ويتحدثون اللغة العربية بطلاقة وظل كذلك حتى توقيع معاهدة ترسيم الحدود عام 1902 التى احتفظت بموجبها إثيوبيا بالإقليم وانسحبت من بقية المناطق.



بيان الخارجية السودانية فضح النهج الإثيوبى المزمن بتعبئة الرأى العام الداخلى لأسباب سياسية داخلية، ووصف ذلك بالإجراء الذى يتسم بعدم المسئولية، والذى من شأنه أن يسمم مناخ العلاقات الدولية، ويجعله عرضة للإرادات المنفردة، ويشيع الفوضى ويقوض أسس حسن الجوار التى تأسست عليها العلاقات السودانية ـ الإثيوبية.



الموقف المصرى يكاد يكون «متطابقا» مع الموقف السودانى، ولدى مصر والسودان إرادة سياسية كاملة للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم للدول الثلاث يحقق مصالحها المشتركة دون إضرار بأى طرف كما أكد إعلان المبادئ بين الدول الثلاث عام 2015.



من الضرورى أن يتفهم المجتمع الدولى الآن أن الموقف الإثيوبى المتعنت هو الذى يهدد بتفجير أزمة السد وخروجها عن المسار الطبيعى المألوف، وهو ما أشار إليه السفير المصرى فى واشنطن معتز زهران فى ندوة بكلية الحرب الوطنية الأمريكية مؤخراً حينما أكد أن قضية مياه النيل فى كل من مصر والسودان أخطر من أن تترك أسيرة للوضع الداخلى فى إثيوبيا، لما لها من تبعات جسيمة على شعوب المنطقة، موضحا أن الإدارات الإثيوبية المتعاقبة هى التى دأبت وبشكل متعمد على اتباع سياسات تقوم على تأجيج الرأى العام الإثيوبى لاحتواء التوترات المزمنة هناك.



أعتقد أنه بات مناسباً الآن أن يكون للاتحاد الإفريقى موقف حاسم من «الغطرسة» الإثيوبية، وأن يتخذ من الإجراءات مايلزمها بضرورة التوصل إلى الاتفاق الملزم أو على الأقل «يفضح» أكاذيبها أمام الرأى العام الإفريقى ويقوم بتحميلها مسئولية فشل الاتحاد الإفريقى فى التوصل إلى تسوية سلمية، وقانونية لتلك الأزمة المهددة بالانفجار فى أى لحظة إذا استمر ذلك النهج الإثيوبى إلى ما لانهاية.