عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
فلسطين والطريق نحو المجهول
6 مايو 2021
◀ وفاء صندى


فى وقت كان من المقرر فيه إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، هى الأولى منذ عام 2006، أعلن الرئيس الفلسطينى محمود عباس أنه سيؤجل الانتخابات، لما اعتبره انه لا يمكن أن تجرى إلا إذا سمحت إسرائيل للفلسطينيين بالتصويت فى مدينة القدس الشرقية المحتلة. يشير اتفاق أوسلو، بخصوص حقوق التصويت للفلسطينيين فى القدس الشرقية، أنه يسمح فقط لما يصل إلى 6300 شخص التصويت داخل المدينة فى مكاتب للبريد حددتها إسرائيل، بينما سمح للباقين، فى انتخابات 2006، بالإدلاء بأصواتهم خارج حدود المدينة. وفى الانتخابات التى كانت مقررة فى 22 مايو وآخر يوليو، وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الاسرائيلية قد صرحت أنها ليس لديها نية للتدخل فى الانتخابات الفلسطينية ولا منعها، الا أنه، فى الواقع، لم تستجب إسرائيل للطلب الفلسطينى لإجراء الانتخابات فى القدس الشرقية، ومنعت إجراء الحملات الدعائية للمرشحين فى المدينة.اما الفلسطينيون فيصرون على السماح لجميع الناخبين الفلسطينيين فى المدينة، وعددهم 150 ألفا، بالإدلاء بأصواتهم فى ضواحيها. صحيح يدخل وضع القدس فى صلب الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وغالبا ما تكون لمواقف كل طرف رمزية سياسية كبيرة، الا ان قرار تأجيل الانتخابات يبدو غير مرتبط فقط بعدم سماح إسرائيل لسكان القدس بالتصويت، ولكن أيضا بحسابات سياسية داخلية. أولا، رغم كل ما قيل عن كون الانتخابات فرصة لرأب الصدع داخل البيت الفلسطينى وانهاء حالة الانقسام بين حركة فتح وحماس؛ التى قررت خوض الانتخابات؛ الا ان هناك تخوفا من تكرار سيناريو الانتخابات السابقة حيث حققت حركة حماس فوزامفاجئا ساحقا، ما أدى إلى تشكيل حكومة مشتركة مع حركة فتح لم تدم طويلا، وقسمت على إثرها فلسطين الى غزة والقطاع.حماس التى لا تعترف بحق إسرائيل فى الوجود ولا تقبل اتفاقيات السلام السابقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لاتزال، رغم سنوات الحصار، تخلق صعوبات لإسرائيل،ولاتزال تشكل منافسا قويا لفتح. ثانيا، الصراع لم يعد مقتصرا فقط بين فتح وحماس، ولكن داخل البيت الفتحاوى نفسه الذى يشهد انشقاقات وانقسامات متزايدة. فقد أعلنت أسماء بشعبية كبيرة فى حركة فتح أنهم سيخوضون الانتخابات بقوائمهم الخاصة.ومن بين هؤلاء مروان البرغوثى، الأسير فى السجون الاسرائيلية منذ عام 2004، والذى دخل فى مواجهة مباشرة مع محمود عباس. ومحمد دحلان، المسؤول الأمنى السابق بحركة فتح الذى تم نفيه فى عام 2011 بتهمة التخطيط لانقلاب. وناصر القدوة، ابن شقيق الراحل ياسر عرفات. وافادت نتائج استطلاعات للرأى ان حركة فتح ستخرج خاسرة من الانتخابات، ولن تضمن الغالبية فى المجلس التشريعى، وربما لن تضمن نتائج الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطنى لصالحها. ربما أخطأ الرئيس الفلسطينى التقدير عندما بادر بطرح فكرة إجراء الانتخابات، معتقدا ان حركة حماس غير معنية بالرئاسة وأنها مهتمة بانتخابات المجلس الوطنى الفلسطينى أكثر من اهتمامها بانتخابات المجلس التشريعي. وربما أخطأ أيضا عندما اعتقد انه يمكن السيطرة على الانشقاقات داخل فتح. لكن هبت الرياح بما لا تشتهى السفن، وأشارت بعض التوقعات إلى ان محمود عباس سيخرج خاسرا من هذا المعترك الانتخابى، وجاء الرفض الإسرائيلى ليسهل الهروب من هذا الإخفاق الانتخابى بفرض قرار تأجيل الانتخابات. لتدارك قرار التأجيل، دعا محمود عباس إلى حكومة وحدة وطنية، فى محاولة لإرضاء حركة حماس التى ترى نفسها أكبر المتضررين، خصوصا أنها كانت تسعى إلى الخروج من حالة الحصار الذى تعيشه منذ 15 عاما. ويبدو من دعوات مماثلة، ان هذه الدعوة لن تجد لها أى أرضية للتطبيق، وانها ستصطدم، كسابقاتها، بجدار المحاصصة التى لم يخرج منها طرفا الانقسام الفلسطيني. أما حماس، فقد حملت حركة فتح ورئاسة السلطة المسئولية الكاملة عن قرار تأجيل الانتخابات وتداعياته. واعتبرت، فى بيان لها، ان تعطيل الانتخابات الفلسطينية هو انقلاب على مسار الشراكة والتوافقات الوطنية، ولا يجوز رهن الحالة الوطنية كلها والإجماع الشعبى والوطنى لأجندة فصيل بعينه. من المتوقع ان تعبر شرائح مختلفة من الفلسطينيين عن رفضهم لقرار التأجيل. ومن المتوقع أيضا ان يعيد هذا القرار ملف الانقسام الفلسطينى إلى الواجهة مرة أخرى، لكن سيكون، هذه المرة، انقساما ثلاثى الأبعاد وسيؤدى الى المزيد من التشرذم والتفرقة. فإذا كان الانقسام الأول بين حركتى حماس وفتح قد أخذ طابعا سياسيا وجغرافيا،وقسّم فلسطين الى الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن الانقسام الحالى، بالإضافة الى السابق الذى سيعود للواجهة، بات داخل بيت فتح، ومنه الى باقى أرجاء فلسطين. هذا يعنى ان الشعب الفلسطينى سيدخل فى شرخ سياسى جديد، ونفق مظلم آخر، فى وقت كان يعول على هذه الانتخابات لإصلاح النظام السياسى ومعالجة إفرازات الانقسام. الرابح الوحيد من الوضع الراهن هو إسرائيل التى ستستفيد من قرار تأجيل انتخابات من شأنها تمكين الفلسطينيين من استعادة وحدتهم الداخلية وجمع الضفة بغزة. وأيضا ستستثمر فى هذا القرار من أجل تكريس الانقسام بين الفلسطينيين وتقديمهم للعالم على انهم شعب غير مؤهل لدولة مستقلة!



> كاتبة مغربية