حققت الكبارى انسياباً ملموساً فى حركة مرور السيارات، وانكساراً فعالاً في حدة الزحام والاختناقات المرورية، وحققت بالتالى اختصاراً في عامل الوقت وتوفيراً في الوقود، وهذا وذاك كان الهدف الرئيسي من إنشائها، ولذلك لاقت الكباري قدراً كبيراً من الرضا والارتياح، وبصفة خاصة من جانب قائدي المركبات على اختلاف أنواعها، وأيضاً من الركاب، ولكن للأسف يطلق بعض السائقين العنان بحكم إدمانهم داء السرعة، وكأن لسان حالهم ينطق بالعبارة الشائعة «بركة يا جامع».
ومن المؤسف أن أمر السرعة لا يقتصر فقط فوق الكبارى، بل وعلى الطرق السفلية أيضاً (يمين ويسار الكوبري وكذا العابرة من تحته)، ودائماً ما يعاني المارة خاصة كبار السن والنساء والأطفال مشقة العبور، فغالبية قائدي السيارات المنطلقة لا يبالون بهم، وإذا خرج أحدهم عن هذا السلوك ، ليهدئ سرعته لكي ييسر عبور رجل طاعن في السن - على سبيل المثال - تجد هذا الشيخ الطيب سعيداً، وقد دبت فيه روح الطمأنينة، وتراه يرفع يده لقائد السيارة شاكراً، ثم يرفعها للسماء حمداً على نعمة النجاة والسلامة.
والأمر طبيعي، أن يتضرر كبار السن من إقامة الكباري - خاصة إذا كانوا من المقيمين حولها، ويتضاعف الضرر إذا كانت أمامهم حديقة وأشجار وخضرة، فنجدهم بعد أن اقلعوا عن قيادة سياراتهم، قد قبعوا في منازلهم، وأصبح معظم وقتهم إما أمام قنوات الشاشة أو القراءة بعيون كليلة مجهدهة، وقل جلوسهم في «الفراندة» بعد أن أصبح حائط الصد أمامهم صلبا منيعاً، وفوقه الحركة الدائبة ليل نهار، فائقة السرعة ذهابا وإياباً، وتحته المقاهى والمطاعم عوضا عن الحديقة الهادئة الجميلة التي كانت موجودة فى زمن مضى، فكما يقال بقاء الحال من المحال، وعموماً يهون كل شىء من أجل المصلحة والمنفعة العامة.
ولعل أكثر ما روع أحدهم، هو رؤيته بصورة شبه يومية شابا أنيقا يتوقف بسيارته الفارهة، وينزل منها ليضع بهدوء وثقة كيس قمامة فوق أكياس أخرى متراكمة ملاصقة لغرفة الكهرباء التي أقيمت تحت الكوبري لدعم المنطقة، وتزويد المحلات المجاورة بالكهرباء، وكأن المكان قد أصبح مخصصا كمقلب صغير للقمامة «ربما هو الوحيد من نوعه أسفل كباري المنطقة».
وتنتاب الشيخ كلما رأى الشاب، حمى التساؤلات... كيف يفعل ذلك هذا الثري المهندم؟، وأين المسئول عن النظافة في هذه المنطقة؟، ولماذا لا يتابع أحوال النظافة يوميا، خاصة تحت الكباري مع انتشار الفيروس القاتل؟، وهل يفيد وضع لافتات جيدة الإعداد للتنبيه والتحذير؟، هل يا ترى يجدي المزيد من التوعية (الموجودة فعلاً) في بعض وسائل الإعلام؟، وهل يمكن الاستعانة بكاميرات المراقبة لرصد المخالفين والحد من جرأتهم ومخالفاتهم؟، وأين قانون النظافة الذي يتضمن عقوبات وغرامات مالية باهظة على المخالفين، وكيف يمكن تفعيله وتطبيقه؟، ولا ادري ما الذي جعلني أتذكر الشاعر العراقي الكبير جميل الزهاوي (١٨٦٣- ١٩٣٦) وبيت شعره الرائع:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
والشوق هنا هو الشوق إلى الماضي الجميل، أما الصبابة فهى عشقه والهيام به!
جلال إبراهيم عبدالهادى
مصر الجديدة