عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«نيوزيلندا ــ أستراليا».. للتطرف وجوه أخرى
24 أبريل 2021
رحاب جودة خليفة
جاسيندا أرديرن


فى مارس عام 2019، استيقظ العالم على خبر مفجع، عن هجوم مسلح لمتطرف أسترالى يمينى على مسجدين بمدينة «كرايست تشيرش» فى نيوزيلندا، ليقتل 51 شخصا ويصيب 50 آخرين، ويفرض واقعًا صعبًا على المسلمين فى بلد يفتخر بنبذ العنصريّة والكراهية، الأمر الذى أدى لظهور واقع جديد، ربما لم يقض على التطرف بشكل حاسم بعد، لكنه بالتأكيد أكثر وعيا بالأبعاد المختلفة للقضية ولضحايها ومرتكبيها.



طال هذا التغيير أكثر من جانب فى نيوزيلندا، منها القضاء بصدور حكم غير مسبوق ضد الإرهابيّ «برينتون تارانت» العام الماضي، بالسجن المؤبد دون السماح بإطلاق السراح المشروط. وظهر أيضا تغيرا واضحا لوضع حدّ لازدواجية المعايير فى وسائل الإعلام الغربيّة، حيال جرائم اليمين المتطرّف، وتصنيفها كـ «إرهاب» ضد الآخرين، باعتبار أن اليمين المتطرّف لا يقل خطورة عن تنظيمى «داعش» و «القاعدة» وغيرهما.



ومن هنا، وصفت جاسيندا أرديرن رئيسة الوزراء النيوزيلندية المتطرف بكل وضوح بـ «الإرهابي»، وحظرت بيع الأسلحة نصف الآليّة ذات الطراز العسكريّ، إثر استخدامها فى تنفيذ الهجوم على المسجدين، بل تخلى العديد من المواطنين طوعًا عن أسلحتهم قبل إقرار قانون «تنظيم حيازة الأسلحة».



ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل مازالت نيوزيلندا كل عام تخلد ذكرى الضحايا فى مشهد يعكس بوضوح روح التضامن الوطنية. وفى الذكرى الأخيرة، أعلنت أرديرن أن من واجب بلادها حماية مسلميها، وأوضحت: «الكلام لن يمحو الخوف الذى أصاب الطائفة المسلمة»، معتبرة أن النتيجة ينبغى أن تكون «أمة جامعة أكثر، أمة تفتخر بتعدديتها وتثمنها وتدافع عنها بشراسة حين يقتضى الأمر»، بل اعتذرت للمسلمين، بعدما كشف تقرير رسمى أن الأجهزة الأمنية لم تول اهتمامًا كافيًا للتهديد الذى يشكله اليمين المتطرف، بينما ركزت بشكل «غير مناسب» على التطرف الإسلامي.



وربما لأن الجانى أسترالى الأصل، انعكس الوضع ذاته فى أستراليا، واعترف المدير العام للأمن مايك بورجيس فى فبراير 2020، بأن التهديد اليمينى المتطرف فى أستراليا كان «حقيقيًا» و «متناميًا» ، حيث تجتمع الخلايا الصغيرة بانتظام «لتحية الأعلام النازية والتدريب على القتال ومشاركة أيديولوجيتها». لم يكن ذلك كافيا، لكن مجرد كشف الأمن الأسترالى عن أن30%-40% من عبء القضايا لديها مرتبط باليمين المتطرف، فتح الباب أمام قضية كانت دائما محل إنكار.



وعلى مدى أكثر من عقدين تزايدت شكوى الجالية المسلمة من انتهاز العديد من السياسيين لكل فرصة لمهاجمة «الإسلاميين»، متجاهلين أشكال التطرف الأخرى. ورغم تفاخر الدولة بالتعددية الثقافية، كشفت دراسة من جامعة تشارلز ستارت الأسترالية أن 58% من المساجد فى البلاد مرت بتجربة عنف مستهدف بين عامى 2014 و2019. وفى فبراير الماضي، وجدت مؤسسة سكانلون أن 37% من الأستراليين لديهم وجهة نظر سلبية تجاه المسلمين، حتى عندما تم تقديم مشروع قانون يدين التطرف إلى مجلس الشيوخ فى الشهر ذاته، تم تعديله لإزالة الإشارات إلى اليمين المتطرف، والإشارة أولاً إلى أن أستراليا هى واحدة من أنجح الدول المتعددة الثقافات على وجه الأرض.



ولكن قبل الإعلان عن التغييرات الجديدة، أكد بورجيس، فى مارس الماضي، قرارات حاسمة، سواء وافق عالم السياسة عليها أم لا، وأوضح أن المخابرات ستغير اللغة التى تستخدمها لوصف التهديدات المتطرفة العنيفة، وبدلا من استخدام «التطرف الإسلامى أو اليميني» سيتم استخدام مصطلح «دوافع دينية». وأكد «أننا لا نحقق مع الناس بسبب آرائهم الدينية، ولكن هذا الأمر لا يبدو واضحا عندما نستخدم مصطلح التطرف الإسلامي»، مضيفا: «من المفهوم أن بعض الجماعات الإسلامية وغيرها، ترى فى هذا المصطلح ضررا وتحريفا للإسلام ويعزز الانقسام.. لذلك يجب أن تتطور لغتنا لتلائم بيئة التهديد المتطورة». وقال إن وصف التطرف «اليساري» أو «اليميني» لم يعد مناسبا أو قابلا للتطبيق فى كثير من الظروف، مشيرا إلى أن «لغتنا تحتاج إلى استيعاب المجموعات التى تقع خارج الفئات التقليدية».



على الرغم من هذه المبادرات المختلفة، انتقل مستوى التهديد الإرهابى فى نيوزيلندا من «منخفض» إلى «متوسط» منذ 2019، لكن من الواضح تماما أن المشهد يتغير يوما بعد يوم فى البلدين والوقت كفيل بمزيد من التحسن.