عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
مهندس متحف الحضارة د. الغزالى كسيبه انتظرت 35 عاما ليتحقق الحلم
9 أبريل 2021
سهير عبد الحميد;

التصميم فاز بالمركز الأول عام 1985..

وتغيير موقع المتحف من الأوبرا إلى الفسطاط أجل التنفيذ

قاعة المومياوات تحاكى مشهد المقابر فى البر الغربى





35 عاما وهو ينتظر تحقيق حلمه وأن يراه نابضا بالحياة، وأخيرا شاهد تصميمه الذى أبدعه عبر سنوات من العمل، منذ كان فكرة فى الثمانينيات لإنشاء متحف للحضارة بجوار دار الأوبرا الجديدة، تعثر المشروع قليلا وتأخر بعدما تم اختيار موقع جديد فى فسطاط عمرو بن العاص مما فرض تعديلات فى التصميم..وأخيرا أسفر الحلم عن صرح مهيب.

إنه المتحف القومى للحضارة الذى انضم إلى منظومة لا مثيل لها..فى الفسطاط أول حاضرة لمصر الإسلامية حيث جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة وكنيسة أبى سرجة ومعبدبن عزرا اليهودى، الكل فى واحد يحكى حكاية بلد كان مهدا للأديان ومازال بوتقة للرسالات السماوية. ويزين المشهد المتحف القبطى الذى يجسد تجليات الفن القبطى بأيقوناته ونسيجه ومنحوتاته الخشبية..وفى الخلفية تأتى قلعة الفواخير ومركز الحرف التقليدية ينبئان عن مهارة اليد المصرية.. الآن اكتمل المشهد بمتحف يروى قصة الحضارة المصرية التى منحت العالم مفردات الحضارة






الدكتور مهندس الغزالى مسعد كسيبة أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، حصل على بكالوريوس العمارة من كلية الفنون الجميلة يوليو 1964، ونال دكتوراة الفلسفة فى العمارة من كلية الفنون الجميلة بفرنسا البوزار 1972، وعمل كبير مهندسى التصميم بمكتبى استشارات فرنسيين حتى عام 1975، ثم عاد إلى القاهرة ليشارك عام 1984 فى المسابقة التى أعلنت عنها وزارة الثقافة لاختيار تصميم لمتحف الحضارة الذى وضع حجر الأساس له عام 1982، فى إطار اتفاق بين مصر واليونسكو لإنشاء المتحف القومى للحضارة بجوار دار الأوبرا الجديدة.

تقدم للمسابقة نحو ثلاثين متسابقا، وبعد عامين من التقييم، أعلنت لجنة التحكيم عام 1985 عن فوز المشروع المقدم من المهندس الغزالى كسيبة.

كانت لجنة التحكيم مكونة من الدكتور أحمد قدرى رئيس هيئة الآثار المصرية، د. جمال مختار رئيس الهيئة السابق، د. فرانكا هيلج أستاذ العمارة بجامعة ميلانو، د. مهندس بيدرو راميرز فاسكس مدير جامعة المكسيك، د. محمد الهاشمى رئيس جامعة عين شمس، د. مصطفى شوقى مدير عام التخطيط والمبانى ببلدية القاهرة.

وكان تقرير لجنة التحكيم ينص على أن:

مشروع المهندس كسيبة حقق التكامل بين المشروع والبيئة المحيطة به وأنه اهتم بتوضيح مسارات المشاة والمركبات وقدم حلولا مناسبة لدخول الجمهور والمجموعات السياحية، وحلا موفقا فى عرض المومياوات

كانت نتيجة لجنة التحكيم تحسم بلا جدال أن المهندس الشاب الغزالى كسيبة نجح فى تقديم تصميم لمشروع المتحف القومى للحضاة المصرية، يليق بأقدم حضارة إنسانية ويتيح عرض الآثار والموضوعات فى تسلسل تاريخى خاص بالعصور المختلفة ويبرز كيف كانت مصر دوما رائدة فى استنبات القيم الأخلاقية والأفكار الفلسفية والإنجازات الفنية.

وماذا بعد؟ هكذا سألت مهندس الغزالى كسيبة فأجاب:

ظللت حتى عام 1989 أعمل على تجهيز المستندات التى ستطرح على المقاولين للتنفيذ. وفى عام 1999 قررت وزارة الثقافة تغيير مكان المتحف المقترح فى أرض المعارض، بوصفه غير لائق ويوجد فى منطقة شديدة الازدحام ووقع الاختيار على منطقة الفسطاط،فبدأنا منذ عام 1999 ولمدة عشر سنوات عمل تغييرات فى التصميم.

ما أبرز التغييرات التى فرضها الموقع الجديد والمساحة الجديدة على التصميم؟

تم تغيير المساحة المخصصة لإنشاء المتحف من 30 ألف متر مسطح إلى 100 ألف متر مسطح. لكن أقوى متغير تم واستغرق وقتا من المراجعة كان تغيير المكان..ففى البداية كان محددا له مكان ضيق مغلق الأفق بين مبنى الأوبرا والمبانى المحيطة، وهو ما اختلف تماما عن الأفق المفتوح فى الفسطاط ووجود البحيرة، والمقطم وما فيه من أثر فوق الجبل وفى سفحه والقلعة من ناحية أخرى ومنطقة مجمع الأديان والكنائس، فهو موقع غنى وصعب جدا وفرض الموقع الجديد تصميم «اللاند سكيب» للمبنى والتخطيط العمرانى وما يحيط بالبحيرة.

ما فلسفة تصميمك لمبنى المتحف القومى للحضارة؟

الفكرة المعمارية كانت تقديم مشروع يلمس الحضارة التى هى الموضوع وليس القطعة المعروضة، فكان التركيز على القصة وراء القطعة المعروضة، ولهذا فإن متحف الحضارة يختلف عن أى متحف آخر كالمتحف الإسلامى أو القبطى، فهى متاحف أثرية لكن متحف الحضارة متحف الإنجاز العقلى المصرى عبر آلاف السنين وقتما كان العالم فى غيبوبة يعيش داخل كهوف الظلام، وقصة مصر وإبداعاتها نتيجة فترات مختلفة شكلا وإمكانات وأحداثا. ولأن العصر الفرعونى فى هيئته ومبانيه يختلف عن العصر الإسلامى وما بينهما من إغريقى ورومانى وقبطى، قررت ألا ينتمى تصميم المبنى إلى فكرة معينة أو حقبة محددة وهذا مكمن الصعوبة..كان لابد أن يكون المبنى محايدا فى تكوينه وتفاصيله وفراغاته. وفى الوقت نفسه كانّ لابد من مراعاة البيئة المحيطة بالمبنى من بحيرة عين الصيرة وجبل المقطم والامتداد البصرى المحيط بالمبنى.

هناك مراحل مازالت فى طور التنفيذ أو تنتظر الافتتاح..ما هى؟

بدأنا تنفيذ المشروع منذ 2004، تم الانتهاء من المرحلة الأولى منه افتتحت ثلاثة عناصر منه ومازالت هناك ستة عناصر لم تفتتح بعد، حيث افتتح الرئيس القاعة المركزية الثالث من أبريل وسيتم افتتاح قاعة المومياوات الثامن عشر من أبريل الحالى. والقمة الهرمية أعلى المبنى جاهزة أيضا وهناك استكمال الــ 3 قاعات تمثل النيل وتاريخه وتكوينه وما جرى له وتطوره وعلاقته بالدين والمجتمع وكان من المفترض الانتهاء منها فى المرحلة الأولى وأجلت لأسباب مالية.

وهناك موضوعات ستستكمل تخص تاريخ الكتابة فى الحضارة المصرية.

بطل الأحداث المومياوات الملكية..ما قصة القاعة الفريدة التى قمت بتصميمها لعرض مومياوات ملوك مصر العظام؟

كانت من أهم نقاط التميز فى المشروع الذى قدمته لمتحف الحضارة، وفق ما قالته لجنة التحكيم، تصميمى لطريقة عرض المومياوات وكأنها فى مقرها الأخير وقت دفنها فى البر الغربى بوادى الملوك وفى سفوح الجبال،مما تطلب صنع ممرات تجعل كل مومياء تبدو وكأنها منفصلة عن الثانية وبتوزيع إضاءة خافتة كى يحاكى المشهد المقبرة..وقد قدمت محاكاة كاملة للمقبرة وكأنها منحوتة داخل الجبل تحكمها آبار وسلالم وطرقات وأبواب تغلق.

هذه الروح كانت نقطة تميز فى المشروع الذى قدمته ما معيارك لاختيار الخامات المستخدمة فى تنفيذ المبنى؟

حرصت على اختيار مواد من البيئة المصرية كالأحجار المستغلة فى الواجهات الخارجية. وكساء الأرضيات من جرانيت أسوان بأنواعه، المواد فى السقف مضادة للاحتراق وخفيفة،فالمشروع الذى تم تصميمه عام 1985، نفذ على أحدث مقاييس العصر

كل مخزن فيه ضبط لدرجة الحرارة والرطوبة وحساسات لأى شيء ينبئ بخطر والمخازن محصنة ومدعمة لا تدخل إلا ببصمة على مرحلتين والخروج بالطريقة نفسها.

الإضاءة العبقرية أمام المتحف كانت من الأشياء التى جذبت الأنظار؟

فكرة استخدام الأهرام المقلوبة على نقاط موزعة كل 18 مترا، حققت لى وظيفتين ففى النهار وفرت مساحات ظل فى المساحة المفتوحة أمام المتحف خصوصا أننى لم أحبذ استخدام الأشجار حتى لا تطغى على المشهد الكلى للمبنى للقادم إليه. وفى الليل تصبح مصدرا جميلا للإضاءة، وهذه هى الوظيفة المادية. أما وظيفتها الحسية فهى أنها تعطينا مقياسا جسابيا حتى نستطيع بالنظر معرفة المسافة التى قطعناها.

النيل عنصر مهم من الحضارة المصرية القديمة..وتطويع بحيرة عين الصيرة لتعطينا رمزية النيل.من الأشياء الباهرة فى تصميم المتحف..؟

البحيرة بشكلها الحالى وحدودها مصممة من 2005 وجاهزة ستستكمل هناك وصلة لم تنفذ بعد من التراس داخل المتحف المطل على البحيرة وشلال مياه سيخرج من التراس إلى البحيرة..حتى أحقق تلك الرابطة الرمزية.

لا أكاد أتصور ما شعرت به حين رأيت تصميمك أخيرا حيا نابضا.. وقد أتخيل قدر الإحباط الذى أصبت به فى كثير من الأوقات لمرور هذا الوقت الطويل دون خروج المبنى للنور.

لقد ظللت 35 عاما أعمل كى يخرج هذا المشروع للنور فى أحسن صورة...طول المدة أصابنى ببعض الإحباط فقد تعاملت مع موظفين مختلفين ومنهم من خرج على المعاش بينما المشروع لم يكتمل وتغير ستة وزراء والمتحف لم ينته لكن النتيجة الباهرة للمبنى أسعدتنى وجعلتنى أشعر بالفخر.


من إنجازات المهندس الغزالى كسيبة





ــ المشاركة فى تصميم ميدان ونفق قصر النيل

ــ المشاركة فى مشروع نقل معابد فيلة

ــ المسجد المركزى بنى غازى ليبيا

المركز الثقافى لمدينة أورليانزفرنسا

ــ المنطقة التجارية بمدينة كاليه فرنسا

ــ مركز دراسات الشرق الأوسط

المتحف القومى للحضارة بمدينة بورسعيد

تنفيذ المتحف الفنى فى جامعة حلوان

المبنى التابع للبنك المركزى على كورنيش النيل