عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
المرآة الخادعة!
26 مارس 2021
000;


أنا سيدة قاربت على سن الخمسين من أسرة بسيطة، وبفضل الله أصبحنا فى مراكز مرموقة وسيرة طيبة من الأخلاق التى يشهد لنا الجميع بها، حتى إنها السبب الأول لموافقة كثير من الأسر على الارتباط بنا ذكورا وإناثا، وقد رفضت العديد من الشباب بعقل زائف تحكمه «الأحلام التافهة» للفتيات، وربطت أحلامى بالشكل والسن دون الالتفات للاعتبارات الأهم والأبقى مع أنى أتمتع بالعقل والرزانة، لكنى وافقت على الخطبة لرجل يكبرنى بخمسة عشر عاما وأنا طالبة بالفرقة الثانية بالجامعة، امتثالا لرغبة أبى، ثم فسختها بعد مشكلات كثيرة بيننا، وتمت خطبتى لشاب ظننت أنه مكافح، حيث كان يعمل بمشروع خاص بجانب عمله، ففوجئت بالعكس تماما، إذ طلب منى أن أستدين من زميلاتى لإتمام الخطبة، وتغافلت عن ذلك، وكانت أولى الخطوات لطريق لا ينتهى من الاستدانة من أقاربى وأخوتى وأصدقائى دون علمي، وظللت لمدة عشرين عاما أرسمه أمام الناس على أنه رجل لا يوصف، حتى تمادى فى صنيعه المؤلم، وخلال السنوات الأخيرة لاحظت استدانته مبالغ بالآلاف وتوقيع إيصالات أمانة، وبمواجهته قال إنه استدان «مصاريف البيت»، وهذا غير صحيح، ثم فوجئت به يشترى بعض الأجهزة، وهاتفا محمولا غالى الثمن، وأصبح يلقى لنا ما تبقى من راتبه بعد سداد أقساط القروض التى استدانها، وصرت المسئولة عن توفير متطلبات البيت ومصاريف الدراسة والدروس الخاصة والملابس وحتى العلاج، وهو يكمل يومه أمام التليفزيون والتليفون الذى لا يفارق يده، وقد فاض بى الكيل وفجرت المشكلة أمام أسرتي، وصدم الكثيرون بأفعاله، وقالوا لى إننى أخطأت بكتمانى وتحملى هذا العذاب، وقد طرده أخوتى من البيت بعد ردوده المستفزة بأنها «فلوسه» وهو حر فيها.!



لقد ترك البيت عدة شهور، وأصرّ الجميع على عودته للحفاظ على «الشكل الاجتماعى»، ووعد بعدم تكرار ذلك، ولكن حتى الآن لم أصل لأى نتيجة بالرغم من مواجهتى له، حيث أشعر بأن هناك مصيبة أو «كارثة» يخفيها عنا، وقد انفصلت عنه جسديا ونفسيا، ولكن حالتى الصحية فى تدهور مستمر، فالحقيقة أن وجوده داخل البيت فيه عبء نفسى كبير علىّ، ولك أن تتخيل أنه يحيا بمنتهى الأريحية، ولا يشعر بأى مسئولية، واحترت فى أمرى، فهل من حل يريحنى من هذا العذاب؟، وهل تستفيد الفتيات من تجربتى بحسن اختيار شريك الحياة بعيدا عن المظاهر الخادعة، مع مراعاة عدم التغافل عن المستوى الاجتماعى لأى سبب، فالأهل مرآة لأخلاق أبنائهم، وخاصة الأم بكل تصرفاتها وأخلاقها وكرمها وتربيتها حتى نظافتها، ولابد أن يتم الزواج بين أسر متشابهة فى كل شىء حتى الطعام والشراب وأسلوب الحياة.. إننى أنتظر منك حلا مناسبا لمشكلتى التى لم أجد أى أمل للخلاص منها.



 



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



 



أخطأ أهلك بموافقتهم على من اخترته دون تدقيق، وكان الواجب عليهم أن يدرسوا كل ما يتعلق به، وأخطأت فى حق نفسك حينما طلب منك الاستدانة من أجل إتمام الخطبة، وتجاهلت أن من يفكر بهذه الطريقة سيكون ذلك «أسلوب حياة» بالنسبة له، وتبين ذلك بوضوح على مر السنين، ولأنه اختيارك منذ البداية فلقد حاولت «التغطية» عليه، ولكن هذا الأسلوب لا يدوم وحتما سوف تصلين إلى نقطة يصعب معها استمرار الحياة، وتحين لحظة المكاشفة والمصارحة، ولكن بعد فوات الأوان!



إذن لابد للرجل والمرأة أن يحسن كل منهما اختيار الآخر، فلا استقرار للأسرة إذا لم يتحقق التوافق بين الطرفين، وسكن كل واحد إلى الآخر وارتبط قلباهما برباط المودّة والمحبّة، وشاعت بينهما الثقة، وعرف كلاهما ما للآخر عليه من حقوق.



ولابد للمرأة أن تتريث قبل أن تعطى موافقتها النهائية على الارتباط بمن تقدم لخطبتها، وتنظر هل أنه شخص صالح، وقادر على تحمّل أعباء ومسئوليات تكوين الأسرة والمحافظة عليها وتوفير مستلزماتها، والقيام بأمورها وشئونها أم لا؟.



إن سوء الاختيار من أيِّ منهما بالاعتماد على المظاهر الخادعة والمؤقتة، والتسرّع فى الزواج لإشباع الأهواء والرغبات يؤدى إلى تصدّع بناء الزوجية.



والواقع يثبت أن الاختيار الخاطئ الذى يحجب فيه العقل أمام المظاهر أو حب المال أو المنصب ينتج أسرة هشة سرعان ما تتفكك، والضحية هم الأبناء.



ومن الخطأ أن ترتبط الفتاة بشاب لا تعرف التفاصيل الضرورية عن حياته لمجرد أنه يبرز لها شيئا من عواطفه ويعلمها أنه يحبها، فكم من فتاة انخدعت بكلام الحب والغرام الذى أبداه لها الشاب، وظنت أنه يحبها ويعشقها ويعيش الغرام والهيام فيها، فوافقت على الاقتران به ولم تتردد فى ذلك، وبمجرد أن تم الارتباط بينهما إذا به يسلك فى التعامل معها أسلوبا غير الذى كان يسلكه معها قبل ذلك، فحوّل حياتها إلى جحيم معتديا عليها لفظا وفعلا، فلا تجد منه إلا السب والتعنيف والاعتداء الجسدي، وغيره، فمنهن من صبرت على تعامل الزوج السيىء معها، فعاشت حياة تعيسة غير هانئة، ومنهن من لم تتحمّل وطالبت بالانفصال والطلاق لتنقذ نفسها من المصير المؤلم الذى هى فيه، ثم إن مما ينبغى أخذه بعين الاعتبار فى عملية اختيار كل من الرجل والمرأة للآخر أن يكون هناك توافق بينهما فى المستوى العلمى والثقافي، لأن أحد أسباب فشل العلاقة الزوجية هو الاختلاف بينهما فى هذه النقطة المهمة.



ويجب أن يكون المعيار الأول فى اختيار المرأة للرجل والرجل للمرأة هو الاستقامة فى الدين والخلق الحسن، وصلاح كليهما لتكوين الأسرة.



هذه هى القواعد الحاكمة للاختيار السليم، وأرجو أن تتعلم الفتيات هذا الدرس المهم، أما بالنسبة لك، فيجب على زوجك أن يعيد حساباته، ويصدق فى التعامل معك، ويبتعد عن التصرفات الطائشة، والأسلوب العشوائى فى الحياة، فإن اعترف بخطئه، وأبدى ندما على ما فعل، واستقام، فأرجو أن تعطيه فرصة أخيرة، وإن عاد إلى ما كان عليه، فلا مفر من الانفصال، وترتيب مسألة تربية الأبناء ورعايتهم، ولا تقدمى فى هذه الحالة على الارتباط بآخر إلا بعد التدقيق فى الاختيار ووضع النقاط على الحروف.