سد الأزمة.. والبكاء الكاذب!
هذا البكاء الكاذب فى الإعلام الإثيوبى على ما يسمونه محاولات مصر والسودان تقزيم الدور الإفريقى فى حل المنازعات بين دول القارة من خلال إصرار القاهرة والخرطوم على طلب وساطة موسعة تتشكل من رباعية دولية لحل أزمة سد النهضة ليس أكثر من ضجة صاخبة لمغازلة الاتحاد الإفريقى من ناحية وتهدئة الخواطر الملتهبة فى الداخل الإثيوبى من ناحية أخرى ولكنها فى واقع الأمر ضجة ساذجة ولا تنطلى على أحد سواء داخل إثيوبيا أو خارجها!
إن الكل يعلم أن هدف مصر والسودان من توسيع دور الوساطة بمقترح الرباعية الدولية لا يمس من قريب أو بعيد الإيمان العميق لدى القاهرة والخرطوم بأن يكون الاتحاد الإفريقى لاعبا أساسيا فى حل أزمة سد النهضة التى تنذر - بسبب المماطلة الإثيوبية بتصعيد حدة التوتر فى القرن الإفريقى بأكمله.. وأيضا فإن الكل يعلم بأن هذا التوتر يمكن تخفيفه والحفاظ على علاقات حسن الجوار بين الدول الثلاثة لو أن إثيوبيا امتلكت صوت العقل وجنبت القارة الإفريقية خيبة أمل ليس لها أول وليس لها آخر لو أفلت الزمام وخرجت الأمور عن السيطرة عندما يتأكد استحالة الحل السياسى لأزمة ليس كمثلها أزمة فهى ليست صراعا على الحدود وإنما هى أزمة حياة وأزمة وجود بالنسبة لمصر والسودان الذى يشكل نهر النيل شريان الحياة الرئيسى بالنسبة لهما منذ آلاف السنين!
إن الخطر كل الخطر فى أن تتمادى إثيوبيا فى عنادها ولا تتحسب للمخاطر التى يمكن أن تترتب على هذا العناد ليس فقط على صعيد المواجهة التى لا نتمناها وإنما الأخطر من ذلك هو تعميق المرارات فى النفوس بين الشعوب وتوليد عقد نفسية قد تحتاج إلى زمن طويل للشفاء منها!
وليس أدل على تزامن الضجيج الصاخب والبكاء الكاذب مع الأوهام الضائعة مما ورد على لسان وزير الخارجية الإثيوبى فى حديث له على هامش ندوة احتفالية بمناسبة مرور 10 سنوات على بدء إثيوبيا أعمالها فى بناء سد الأزمة حيث زعم «ديميكى ميكونين» أنه لا يمكن لأحد أن يحرم إثيوبيا من نصيبها البالغ 86% فى نهر النيل دون أن يوضح لنا من أين أتى بهذه المرجعية لحصة إثيوبيا وفى أى اتفاق وردت!
وأظن أن بيان وزارة الخارجية المصرية الأخير الذى أكد مجددا رفض مصر لمحاولات إثيوبيا فرض الأمر الواقع والتأكيد على أن الإجراءات الأحادية بشأن سد الأزمة تهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة يحمل معان كثيرة أهمها أن مصر ستدافع عن حقوقها إلى غير حد وإنه مهما تكن تطورات الأزمة فإنه لا ينبغى أن يغيب عن ذهن أحد أن جميع إمكانيات مصر السياسية والاقتصادية والعسكرية لن تكون غائبة إذا استمر غياب صوت العقل والحكمة.
إن أخطر ما فى السياسة هو الاستسلام لنداءات العناد التى لا يترتب عليها سوى التمادى فى ارتكاب الأخطاء التى ليس لها أى مرتكز قانونى وإنما هى أخطاء الأوهام.. وما أكثر الشعوب التى بددت الكثير من أرصدتها بسبب السباحة المتهورة فى بحور الأوهام!
خير الكلام:
<< قيد الأغلال أهون من تقييد العقول بالأوهام!