تابعت عددا من حلقات مسلسل «بت القبايل»، الذي يتناول قصة العلاقات بين عائلات كوم امبو بمحافظة اسوان، وتوقفت امام العمل الذي كفل له النجاح من مخرج متميز حسني صالح وممثلين مبدعين نجحوا في تشخيص ادوارهم ببراعة، وفي مقدمتهم حنان مطاوع ومحمد رياض وعمرو عبد الجليل ومحمود عبدالمغني ومفيد عاشور ونخبة من النجوم والوجوه الجديدة، ولكوني صعيديا واعرف تفاصيل محافظات صعيدنا الغالي، فقد هالني ان ما تابعته من دراما لايمت للواقع بصلة، ولا أدري من أين استقي المؤلف شاذلي فرح هذه الاحداث ان لم تكن من خياله فقط، وعجبت عندما علمت أن المؤلف من أبناء كوم امبو، التي سبق لي زيارتها بدعوات من ابنتها سيدة المجتمع عبير عصام الدين أكثر من مرة، وأعرف من أهلها المئات وطفت شوارعها فلم ار قصرا من القصور التي قدمت في المسلسل ناهيك عن المفروشات الفخمة والديكور الرفيع والتابلوهات والتماثيل والكراسي المذهبة وغيرها من علامات الفخامة، لم ار في كوم امبو ولا في غيرها من محافظات الصعيد الا ماندر من قصور كانت لباشوات زمان وفي المدن الرئيسية وليست القري، واتصلت بالسيدة عبير متسائلا عن القصور التي لم نرها في كوم امبو، فضحكت وهي تقول عمر كوم امبو ماعرفت قصور، كوم امبو هي التي رأيتها بعينيك ومشيت في طرقاتها وتعاملت مع أهلها، لاعلاقة للمسلسل بهم من قريب او من بعيد، وسألتها عن العمم المسقوفة للرجال وملابس النساء في المسلسل فقالت ينضم الي جملة المبالغات التي انتشرت في الدراما عموما خلال الفترة الأخيرة، والتي اختلفت جملة وتفصيلا عما كانت عليه قبل ربع قرن من الزمان مثل ذئاب الجبل والضوء الشارد، حتي ترسانة الأسلحة التي ظهرت في المسلسل لا اجد لها واقعا تستند عليه، فكل قبيلة تملك مايكفي لخوض حرب مع جيوش نظامية وليس للدفاع عن نفسها، وتوقعت ان احداث المسلسل تعود لزمن بعيد، فاذا به من عصرنا هذا حيث الهاتف المحمول، كما وجدت تجارة الاثار مصدر الغني الفاحش للعائلات، فضلا عن اكل الحقوق بين الاشقاء، وكأن تيمة النجاح لاي عمل صعيدي ان يتناول ثلاثية السلاح والمخدرات والأثار، وكأن اهل الصعيد لايعرفون الا هذه الثلاثية المقيتة، او انهم لم يقدموا من العلماء والادباء والمثقفين والاطباء والمهندسين والمعلمين والبنائين والصناع المهرة من اسهموا في بناء الوطن، وقبل البناء كانوا اسودا في الذود عن ترابه في كل حروبه، ولكي لا اكون متجنيا في تقييمي علي العمل الدرامي، توجهت الي كبير الصعايدة وشيخ القبائل العربية الاعلامي الكبير فهمي عمر، ومن حسن حظي أنه شاهد العمل وسألته: هل هذا هو الصعيد الذي عشنا فيه ام انهم يتحدثون عن صعيد آخر لانعرفه؟ وكانت الإجابة واضحة لالبس فيها: هذا صعيد لم نعشه ولانعرفه، تلعب الحبكة الدرامية فيه دورها علي حساب الواقع، وانا أتقزز عندما أشاهد مثل هذه الدراما التي تزعم أنها تمجد في الموروث الصعيدي، بينما هي تسيء اليه، وتصوره في أبشع صوره، من خطف أطفال وقتل وحرق وكأن قلوب الصعايدة خلت من الرحمة، كل مافي العمل كان مبالغا فيه بدءا من طريقة الكلام التي فيها مط كبير للكلمات، الي الديكور المبالغ فيه من نوعية وجود اباجورة في غرفة فلاحة والملابس الفخمة ولفة العمة، وأضاف الخال فهمي عمر، أن الصعيد ثري بواقعه الذي يبقي حيا بالأحداث، وفيه من القصص ما تستحق ان تكتب لتعرف الناس به وبأصالته، وليكن في معلوم الجميع ان قضية الثأر التي يدورون في فلكها باتت منبوذة الأن، بفضل الله ثم بفضل انتشار التعليم ولو رجعنا الي نسبة جريمة الثأر الأن فسنجدها لاتمثل أكثر من خمسة بالمئة مما كانت عليه في الماضي، فالناس تجاوبت مع التطور الذي عرفه الصعيد وحول مدنه الي منارات بفعل الجامعات ومراكز الإشعاع الثقافي والاندية ومراكز الشباب التي غطت كل محافظاته، وكانت خلاصة ماخرجت به من كلمات الخال أن الدراما فيها تزيد واضح ولاعلاقة له بالواقع، وعليها ان تعيد بوصلتها لتقديم الأعمال التي تمجد القضايا الاجتماعية والتعاملات الانسانية، خصوصا أن الصعيد قدم العديد من الأسماء التي أنارت العالم العربي ويجب ان يتعرف الناس علي مرجعيتهم وبيئتهم التي شبوا فيها، اما دراما القتل والسلاح والمخدرات والأثار فهي تذكي التعصب والقبلية، وعلي المؤلفين ان يخرجوا من هذه الدائرة ويبحثوا عن قضايا اخري تستحق التوقف عندها، وهناك قصص للعصاميين الذين بنوا أنفسهم بجهدهم وعلمهم، وهناك أصحاب الايادي البيضاء الذين انتقلوا الي العاصمة لكن عطاءهم لم يتوقف لمجتمعهم، وهنا أتوقف عند اسم الدكتور مجدي يعقوب جراح القلب العالمي، الا تستحق قصته ان تقدم من خلال عمل درامي، أليست قصته افضل من قصص الدم والثأر؟!.