عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الصين وأمريكا من التقارب إلى الصراع
14 مارس 2021
مصطفى السعيد


عندما وصل هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى العاصمة الصينية بكين في 9 يوليو 1971 كان يعتبر الزيارة أهم إنجاز سياسي أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، فهي الزيارة الأولى لمسئول أمريكي كبير منذ الثورة الصينية بقيادة ماو تسي تونج عام 1949، وكان الهدف الأمريكي من الزيارة إبعاد الصين عن الإتحاد السوفيتي، حتى لا يؤدي تحالف البلدين الكبيرين المعاديين لأمريكا والغرب إلى خطر كبير على مصالح الرأسمالية العالمية. كانت الولايات المتحدة تخشى تنامي قوة الاتحاد السوفيتي إذا تحالف مع الصين فكلاهما يعتنق الاشتراكية، لكن الولايات المتحدة كانت تنظر إلى الصين باستعلاء، ولا ترى فيها خطرا عليها، فكان الاقتصاد الصيني هشا، ولا تنتج إلا القليل، واحتفلت الإدارة الأمريكية بالتقارب مع الصين، واعتبرته ضربة ناجحة للإتحاد السوفيتي، ورحبت بانضمام الصين إلى اتفاقية التجارة العالمية، ونظرت إلى الصين باستخفاف أرنب يسابق سلحفاة، لكن الصين التي طبقت الانفتاح على السوق الرأسمالية العالمية كان لها هدف آخر، فهي كانت تدرك أن ثورتها الفلاحية يجب أن تنتقل إلى تكثيف الإنتاج الصناعي، وليس لديها فائض كبير يمكن أن تستثمره في الصناعة، والتراكم الناتج عن الإنتاج الزراعي محدود، ولهذا رحبت بالاستثمارات الأجنبية، وكان على العامل الصيني أن يتحمل عبء تحقيق ربح للمستثمر الأجنبي، وجزءا آخر تحصل عليه الدولة الصينية لتقيم مشروعات إستراتيجية، بينما لا يحصل العامل الصيني إلا على القليل، لكن الصين كانت تهدف إلى إكساب عمالها الخبرة الضرورية لنهوض الصناعة، لتبدأ خطوة خطوة في تطوير قدراتها الخاصة، وبالفعل حققت الصين معدلات نمو غير مسبوقة عالميا، وتراوحت بين 9% و12% بشكل منتظم، حتى إن ناتجها القومي بلغ 10% من الناتج العالمي في مطلع الثمانينيات، وهي التي لم تكن تظهر على خريطة الاقتصاد العالمي عندما اندلعت الثورة الصينية، بينما كان الاقتصاد الأمريكي في الذروة ينتج 40% من الناتج القومي العالمي، وكانت الصين في نظر المستثمرين الأجانب منجم ذهب لا ينضب، فالعمالة ماهرة ورخيصة للغاية، ويحققون أرباحا ضخمة، ونقلوا الكثير من المصانع إلى الصين، ليغترفوا من هذا المنجم، وزاد من اطمئنان الرأسمالية العالمية أن الصين منغلقة على نفسها سياسيا، فلا تخوض في صراعات، ولم تصوت في مجلس الأمن إلا بضع مرات تتعلق بكوريا الشمالية، لكن مع الصعود السريع للصين بدأت المخاوف ومعها بدأت النظرة تتغير إلى الصين، خصوصا مع انهيار الاتحاد السوفيتي، فقد وجدوا أن السلحفاة الصينية أكثر دأبا وسرعة من الأرنب الأمريكي الذي بدأت تتراجع مساهمته في الناتج القومي العالمي، وذهبت بعض الآراء إلى أن الصين ستسقط حتما من داخلها، وأن مصيرا مشابها للاتحاد السوفيتي ينتظرها، فلا داعي للقلق، لكن ما حدث فاجأ أمريكا وأوروبا، فالتقرير الأخير لصندوق النقد الدولي يؤكد أن الناتج الصيني تجاوز الأمريكي عند مراعاة الفرق بين القوة الشرائية لكل من الدولار الأمريكي واليوان الصيني، وقدر الناتج الصيني بأكثر من 24 تريليون دولار، والناتج الأمريكي بأقل من 21 تريليون دولار، وعندما وجدت الولايات المتحدة أن السباق مع الصين في غير صالحها، بدأت في استخدام أدوات غير اقتصادية في محاولة كبح التقدم الصيني السريع، باستخدام العقوبات والتحرش العسكري ووضع العراقيل أمام الشركات والبنوك الصينية، وتحريض هونج كونج وتايوان على التمرد، وإثارة الخلافات مع الصين وجيرانها مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند، وشن حرب إعلامية لشيطنة الصين، والسعي إلى حصارها بقطع خطوط الطاقة، والوجود المكثف للقوات البحرية في بحر الصين الجنوبي، هنا خرج الصراع إلى العلن، فزادت الصين من صناعاتها العسكرية، ووضعت خطة خمسية لتجاوز الولايات المتحدة في المجالات التي تتفوق فيها واشنطن، لتصبح القوة التكنولوجية الأولى في العالم، وجاء إعلان وزارة الدفاع الأمريكية بأن الصين تفوقت على الولايات المتحدة في القوات البحرية لتزيد من المخاوف، وتنقل الصراع إلى مستوى جديد وأكثر خطورة، وبدأت الصين في الاستعداد للمواجهة على الصعيد الإعلامي والسياسي، والسعي لإنهاء السيطرة الأمريكية على قطاع المصارف، وقررت أن تصدر تقريرا سنويا عن الانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان، وأن تتحول من الدفاع إلى الهجوم، وألا تترك الولايات المتحدة تحتكر الاتصالات والإعلام ومنصات السياسة الدولية، ليصبح العالم أمام مشهد جديد ومفترق طرق خطير.