عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
المعلم فى عالم ما بعد كورونا
13 مارس 2021
د .محمد محمد سالم


لا يوجد قطاع نجا، أو نأى بنفسه، من تداعيات تفشى وباء كورونا الذى خلق تحديات مجتمعية غير مسبوقة، وكأننا استيقظنا على عالم جديد.. وبالطبع، لن ننسى رد فعل الحكومة المصرية، الذى جاء مثاليًا إلى حد كبير، بعدما أخذت بمبدأ الاستجابة الاستباقية لاحتواء تفشى هذا الفيروس اللعين، واتخذت إجراءات احترازية قوية، هادئة ومدروسة، كالتباعد الاجتماعي، وزيادة حملات التوعية لاستعمال المطهرات، وارتداء الكمامات وقُفازات اليد، وتعليق التجمعات الكبيرة والأنشطة الرياضية على الصعيدين المحلى والدولي... وفى قطاع التعليم، كما فى باقى القطاعات، جرى إغلاق المدارس والجامعات كاستراتيجية رئيسة لاحتواء انتشار الفيروس، بعدما زادت أعداد الحالات بشكل مطرد. وحسنا ما فعلته الحكومة المصرية بتوجيه المؤسسات التعليمية المصرية بتعليق الدراسة جنبا إلى جنب مع توجيهها العام بتفعيل استراتيجية الفصول الافتراضية، والاعتماد على التعليم عن بعد، كبديل جديد لضمان استمرارية العملية التعليمية بطريقة فعالة وذات جودة.



وليس لمدقق، أو منصف، أن ينكر أن هذا الوضع الوبائى الحالي، المستمر منذ شهور، قد أحدث تغييرًا جذريًا فى النظام التعليمي، ليس فقط فى مصر، ولكن فى العالم بأسره. وربما كانت القضايا المتعلقة بتغير أدوار المعلمين، وخدمات الدعم الفنى للتعليم عن بعد، والأنشطة الطلابية، وتسجيل الطلاب، وخطط التطوير المهنى للمعلمين وأعضاء هيئة التدريس، والطلاب الوافدين الذين يمثلون موردًا رئيسًا لانتعاش الدخل الجامعي، بالإضافة إلى انتداب العلماء من جامعة لأخرى، هى أبرز الآثار التى يلمسها المجتمع التعليمى على نحو يومى مباشر.



وقد تعددت الأفكار والأطروحات بشأن طريقة التعليم المثلى، والأدوار الجديدة التى يجب أن يلعبها المعلم بعد انتشار فصول التعلم الافتراضية عبر الإنترنت.. وهى منهجية، البعض يدعمها ويرى فيها أملاً وتفاؤلاً، ويزعم أنها تجعل صورة المعلم والتعليم أكثر إبهارًا، والبعض يشكك فيها وتثير مخاوفه، إلا أنها تبقى فى النهاية مجرد تجربة.



ولا خلاف أن طريقة المحاضرة المباشرة وجهاً لوجه كانت هى الطريقة السائدة فى المدارس والجامعات حتى وقت قريب. وهذه الطريقة التقليدية كانت تزود المعلم بمعلومات فورية حول جودة الدرس، وطريقة العرض، وملاءمة الخبرات التعليمية. كما تمكنه من ملاحظة لغة جسد الطالب، وتساعد فى فهم الإشارات غير اللفظية الصادرة منه، بصورة قد تدفعه إلى إجراء تعديل فورى فى نهجه فى التدريس، ليلائم احتياجات الطلاب على أفضل وجه. كما تتيح للمعلم طرح مزيد من الأسئلة، والاهتمام بكل طالب. أى أنها تتيح للمعلم فكرة أكثر تفصيلاً حول مدى استيعاب الطالب للمفاهيم التى يتم تدريسها.



ولكن التحول إلى الفصول الافتراضية والتعلم عبر الانترنت، وإن حمل فى ظاهره الرحمة، إلا أن فى باطنه العذاب للمعلم من وجهة نظر كثيرين.. فلا ينكر منصف أن إغلاق المدارس خلق ضغوطًا عالية على المعلم، فقد تضاءل الشغف الأكاديمى للطلاب وكذلك تضاءل أداؤهم الدراسي، إذ إن المعلم لم يعد متاحًا طوال اليوم، كما اعتادوا، ليقدم لهم المساعدة والدعم اللازم... الأمر الذى أثر سلبًيا على جودة التدريس والتعلم والإنجاز الأكاديمى للطلاب بطوائفهم المختلفة، وبخاصة طائفة الطلاب ذوى الاحتياجات الخاصة أو الطلاب ذوى صعوبات التعلم.. وهما فئتان، معروف أن التعامل معهما مرهق لأى معلم، ويحتاجان فى كثير من الأحيان إلى اهتمام مستمر، وتوجيهات وارشادات بدنية..



كما لا يخفى أن كثيرًا من المعلمين من ذوى المهارات الرقمية المحدودة، وكثيرا منهم يسكن فى مناطق لا توجد بها بنى تحتية، ومرافق تيسر لهم التعليم عبر الإنترنت، وأحيانًا ما يشعر هؤلاء إنهم على حافة الفشل الذى لا يُحتمل عندما يغرقون فى مشكلات جديدة لم يعتادوها كتلك التى تتعلق بالدعم الفني، وبالحضور والمشاركة فى الجلسات عبر الإنترنت، وبالاهتمام الفردى بكل طالب، الأمر الذى قلل من تكيف المعلم مع قنوات التعليم عبر الإنترنت.



وبالطبع، هذه الإشكاليات الناجمة ستتفاقم إذا طال أمد فيروس كورونا، مما يهدد «الحق فى التعليم» وهو أحد الحقوق الرئيسة التى نص عليها دستورنا المصون.. وعلى أى حال، المعلمون رجال، سواء مع المنهجية القديمة أو الجديدة، بكل ما تحمله كلمة «رجال» هذه من معنى، وأكثرهم يصر على الاستمرار فى العمل رغم كل الصعاب، ولكن الجامعات والمدارس مطالبة الآن بوضع أطر واقعية وقابلة للتطبيق من أجل حل هذه المشكلات.