عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
اللذة الساحرة
10 مارس 2021
بريد


للأديب العالمى الكبير «دستوفيسكى» قصة تقول خلاصتها إن رجلا كان يقول لكل من يقابله: «أنا موسيقى.. أنا عبقرى، ولكنى لا أستطيع أن أكتب لحنا واحدا، وزوجتى على ظهر الحياة، إنها تفسد نبوغى، وتقتل أحلامى كفنان»، وعندما يذهب إلى البيت الحزين الكئيب ينظر إلى زوجته فى نفور، ثم يضربها وهى صامتة لا تتحرك ولا تعترض وفى صمت تجرى من عيونها دموع، ثم تقدم ما يحتاج إليه فى طاعة الخادم الذليل، وقد ظل على هذه الحال سنوات طويلة، وفى يوم عاد إلى البيت فوجد زوجته مكومة فى ركن مظلم، فصرخ فى وجهها، فلم ترد عليه، ثم ركلها بقدمه، ولكنها لم تتحرك، فتردد ودبّ القلق فى قلبه لأول مرة، واقترب منها، وبيد لم تعرف الحنان يوما منذ عشرين سنة من الزواج هزها برفق وهو ينادى عليها، ولكنها لم ترد.. لقد ماتت! فزع العبقرى وخرج من بيته وظل يجرى فى الظلام حتى وقع على وجهه فى الطريق ومات.



تبين لنا القصة نماذج من البشر نقابلهم فى حياتنا حيث الفشل يلازمه كظله، وكثيرا ما يكون هو نفسه سبب الفشل ولكنه يبحث دائما عن ذريعة تبرر له فشله، أو حائط يسقط عليه عجزه عن الإبداع، وتغيير نمط حياته إلى الأحسن مثل صاحبنا فى قصة «دستوفيسكى» حيث ألقى عبء فشله على زوجته المسكينة، فهى التى تعطله عن فنه وإبداعه ليبدو فى نظر نفسه بريئا خاليا من المسئولية، وتمر الأيام والسنون ويتقدم من هم قد يكونون أقل منه فى الموهبة والكفاءة، ولكن يتحلون بالمثابرة والإصرار والتحدى، بينما يخفى هو عن نفسه حقيقة فشله حتى إذا ماتت زوجته تفاجئه الحقيقة المؤلمة التى تقول إن المشكلة تكمن فى نفسه هو، والعجز صنيعته، فهو رجل بلا إرادة، لا يواجه مشاكله بجسارة، ولا يقتحم عرين الصعاب برباطة جأش حتى يكتشف بنفسه سبب فشله فهو مثلا لم يسأل نفسه أسئلة من نوعية: لماذا لم يدرس الموسيقى بعمق؟ ولماذا لا يعرف ما يفعله الآخرون فى عالم الموسيقى ليقف على آخر إبداعاتهم ليجعلها زادا له يصوغ منها إبداعه الشخصى؟ ولماذا لا يقضى وقتا طويلا فى التدريب على فنه ويحاول أن يؤلف؟ لم يسأل نفسه: ما ذنب زوجتى؟ إنها تتحملنى، وأنا قاس عليها وعنيف، وهى لا تعترض أبدا ولا تشكو.. لم يفعل شيئا من هذا، وظل يخدع نفسه حتى انتهى السبب الوهمى الزائف للفشل، فعجز عن احتمال الحقيقة ومات.



لقد عاش فى لذة واستمرأها وارتكن إلى ما يسمى «لذة الفشل» نعم إن للفشل لذة حيث يلقى الإنسان الفاشل سبب فشله على الآخرين ويبعد عن نفسه تماما مسئولية الوضع الذى وصل إليه، بل ويعتقد أنه شخصية مهمة، ولو لم يكن كذلك لما فكر أحد فى إيذائه والوقوف فى وجهه، فعلى الإنسان أن يراقب تصرفاته، ويضع أمامه هدفا يريد أن يحققه ثم يتعب ويعرق فى سبيل الوصول إليه ولا يركن إلى «لذة الفشل»، تلك «اللذة الساحرة» التى تجعل الإنسان يعيش فى عالم من الأساطير والأحلام.



محاسب ــ صلاح تَرْجَم