عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
معركة مأرب.. هل تقرر مصير اليمن ؟
9 مارس 2021
إبراهيم العشماوى
‎مشهد من الاستعدادات العسكرية لمعركة مأرب


على مدى فترة تقترب من شهر كامل، تدور معارك طاحنة وشرسة على أرض محافظة مأرب باليمن، بدأت بهجوم قوى من جماعة الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية وعدة محافظات شمالية، ضد التمركزات العسكرية للجيش الوطنى للحكومة الشرعية، والمقاومة المدعومة من التحالف العربي.



يرى المراقبون لتطورات الحرب اليمنية، أن معركة مأرب ستكون فاصلة وربما تغير مسار الأوضاع كلها فى اليمن، وترسم مستقبلها السياسي، وهو ما يفسر أسباب ضراوتها واستماتة الطرفين وحشدهما كل قوة ممكنة للسيطرة عليها .



تتضارب المعلومات الواردة من جبهات القتال المشتعلة على أطراف المدينة ومديرياتها التابعة لها، دون الحديث عن انتصار حاسم لأى طرف، وإن كان الحوثيون يتكبدون خسائر فادحة، ويبدو المشهد هناك سجالا من الكر والفر دون كسب مساحات جديدة، رغم الكم الهائل من التصريحات ضمن الحرب النفسية المتعارف عليها. كان الحوثيون عرضوا قبل شهور، تنفيذ تسع نقاط لوقف هجومهم على مأرب، منها موافقة الحكومة الشرعية على عدم استخدام مأرب كقاعدة للعمليات العسكرية، وتقاسم الإيرادات من مبيعات النفط، ورفضت الحكومة الشرعية بالطبع هذه الشروط .



تتوافر للحوثيين عشرات الأسباب للسيطرة على مأرب، بعد عام من اجتياح مركز محافظة الجوف المتاخمة لها، أولها السعى للسيطرة على منابع النفط والغاز، وحاجة الحوثيين الملحة إلى المال لتمويل عملياتهم الحربية، بعد تشديد قبضة الحصار الدولى عليهم، وتمويل تحالفاتهم القبلية وتجنيد الشباب والأطفال، فيما يعرف بدعوات النفير العام لجمع المتطوعين. جدير بالذكر، أن مأرب تعتبر المركز الرئيسى لعمليات تصدير النفط اليمنى محليا ودوليا، عبر ميناء رأس عيسى على البحر الأحمر، بالإضافة إلى وجود المحطة الغازية الرئيسية لإنتاج الكهرباء فيها، ومنابع الغاز الطبيعي، وبداية خطوطه الممتدة لنحو 300كم، وتمول مصنعا للتسييل والتصدير جنوبا على البحر العربى فى منطقة بلحاف بمحافظة شبوة، وأنفقت الشركات الغربية عليه 5 مليارات دولار، لتشييد بنيته التحتية، دون أن تتمكن من استرداد استثماراتها حتى الآن. ويقدر مخزون الغاز الطبيعى فى مأرب بنحو 18 تريليون قدم مكعب، وتمتلك شركة صافر الحكومية قطاع النفط رقم 18 بمأرب، ويعد أكبر الحقول النفطية فى اليمن، وتعمل الحكومة الشرعية على إعادة الإنتاج من هذا الحقل، الذى يشمل مأرب والجوف بكامل طاقته منذ العام الماضى، ولا تصدر منه حاليا سوى 15 ألف برميل فى اليوم، بالرغم من أن إمكاناته تتجاوز 125 ألف برميل يوميا .



وفى الوقت ذاته تشكل مأرب مقرا لقيادة الجيش الوطنى اليمنى، الذى يخوض المعارك ضد الميليشيات الحوثية، وتأسست فيها على مدى سنوات الحرب خدمات وبنية تحتية ومطار وشبكة طرق، وفى حال سقوطها ستكون جائزة كبرى وغنيمة دسمة للحوثيين، ستفتح لهم بقية المحافظات الجنوبية المجاورة، مثل شبوة، وربما يكتمل بذلك حلم الحوثيين للسيطرة على شمال اليمن ذى الأغلبية الزيدية، ويفتح المجال لإعادة تقسيم البلاد إلى شطرين، كما كان قبل مايو 1990 .



ويسعى الحوثيون بالسيطرة على مأرب إلى قطع الطريق على أى محاولة مستقبلية للوصول الى العاصمة صنعاء، وتهديدها عبر مأرب بعد تشبثهم بقواعدهم فى تعز والحديدة، كما يتعجلون استكمال السيطرة على مركز محافظة مأرب، تحسبا لأى تفاهمات قد تحدث بين واشنطن وطهران، بشأن الملف النووى والصواريخ الباليستية، ويكون فرض تسوية سياسية فى اليمن مشمولا بذلك الاتفاق.



أما حيثيات الحكومة الشرعية، فإن معركة مأرب ستحدد مصير الحرب كلها، بل العملية السياسية برمتها، وتضع مستقبل الحكومة وقدرتها الميدانية على المحك الحقيقي، إذ يسعى الجيش الوطنى إلى إفشال هجوم الحوثيين وإلحاق الهزيمة بهم وكسر شوكتهم وتضييق هامش المناورة لديهم، قبيل الدخول إلى طاولة المفاوضات المنتظرة، فضلا عن رمزية مأرب للشرعية عموما كمدينة تتوسط محافظات اليمن، وليست بعيدة عن العاصمة صنعاء .



وبخلاف مأرب التى تدور على رحاها وأرضها غير الجبلية اشتباكات متقطعة يوميا، وقصف بالصواريخ والطائرات المسيرة والحربية، هناك مواجهات أخرى تزايدت وتيرتها مع تطورات مأرب، مثل جبهة تعز وصرواح، فضلا عن هجمات الحوثيين بصواريخ باليستية وطائرات مفخخة، على أهداف وتجمعات مدنية بجنوب السعودية ووسطها، وهى أعمال لقيت استهجانا دوليا وعربيا واسعا، مما جعل واشنطن ترفع لهجتها الغاضبة ضد الحوثيين، بعد أن ألغت تصنيفهم كجماعة إرهابية، وتقرر معاقبة بعض قادتهم العسكريين.



وفى هذا السياق، جاء هجوم الحوثيين على منشآت نفطية شرق السعودية، استهدف ساحات الخزانات البترولية فى ميناء رأس تنورة، ومرافق شركة أرامكو بالظهران، بنحو 14 طائرة مسيرة مفخخة و8 صواريخ باليستية، حسب تصريحات الناطق العسكرى للحوثيين، وهى هجمات تعكس وجود خبراء إيران وحزب الله اللبنانى بقوة فى المشهد، كما تجسد حالة اليأس والتخبط لدى الحوثيين، فى تصعيد المواجهات خارجيا، بعد عجزهم عن حسم معركة مأرب وخسارتهم مناطق جديدة فى جبهات تعز، بعد استرداد مديرية جبل حبشى غرب المدينة، والوصول إلى مديرية مقبنة. لم يتأخر رد التحالف العربى كثيرا، بل أطلق عملية عسكرية نوعية تستهدف القدرات الحوثية بالعاصمة صنعاء وعدد من المحافظات .



وترى مؤسسة جيمس تاون للأبحاث الأمريكية، فى تقرير لها، أن الحوثيين يواجهون عقبتين رئيسيتين تجعل مستقبل قتالهم فى محافظة مأرب أكثر سوءا، العقبة الأولى، تتمثل فى عدم قدرتهم على استبدال مقاتلين بالسرعة الكافية ونقص الخبرات الميدانية، والثانية، النقص حاد فى الإيرادات المالية التى يعانون منها.



وبعيدا عن المواجهات العسكرية فى مأرب، يخشى المراقبون من تفاقم مشكلة إنسانية كبيرة بدأت تلوح فى الأفق، حيث تحتضن مأرب أعدادا هائلة من النازحين إليها خلال السنوات الماضية. وتشير الحكومة اليمنية إلى أنّ 139 مخيما بمحافظة مأرب، استقبلت نحو 2٫2 مليون شخص من بين 3٫3 مليون نزحوا من مساكنهم فى كل أنحاء اليمن .



يأتى ذلك فى ظل خيبة أمل من الأمم المتحدة لنتائج مؤتمر دعم المانحين لليمن، الذى نظمته بالشراكة مع سويسرا والسويد، المؤتمر تستهدف جمع 3٫85 مليار دولار، ولم ينجح سوى فى جمع أقل من نصف المبلغ وهو 1.67 مليار دولار فقط، وفى العام الماضى جمع مؤتمر مماثل 1,9 مليار دولار من أصل 3,4 مليارات دولار يحتاجها اليمن .



وبحسب الأمم المتحدة، سيواجه أكثر من 16مليون شخص من بين 29 مليونا الجوع فى اليمن هذا العام، وهناك ما يقارب من 50 ألف يمنى يموتون جوعا بالفعل فى ظروف تشبه المجاعة ، كما حذرت وكالات تابعة للأمم المتحدة، من أن 400 ألف طفل تحت سن الخامسة، يواجهون خطر الموت جرّاء سوء التغذية الحاد فى 2021، فى زيادة بنسبة 22 % على عام 2020.



وأدّى نقص التمويل فى 2020، إلى وقف 15 من إجمالى 41 برنامجا إنسانيا رئيسيا فى اليمن، بينما تراجعت نسبة توزيع المواد الغذائية وتوقفت الخدمات الصحية، فى أكثر من 300 مرفق صحي.



وعلى الصعيد السياسي، يسابق المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن جريفيث، الزمن لإعلان هدنة تمهد لجولات مفاوضات سلام، وإيجاد حل سلمى للصراع، ومن المنتظر أن يلتقى الخميس القادم فى مسقط، رئيس الوفد المفاوض لجماعة الحوثيين محمد عبد السلام ، وسط أنباء عن لقاء غير معلن تم بين المبعوث الأمريكى إلى اليمن تيموثى ليندر كينج، ورئيس وفد جماعة الحوثيين محمد عبدالسلام، فى العاصمة العمانية. وما بين أصوات الموت والقتال فى مأرب، والأصوات الداعية إلى وقف الحرب ونزيف الدم ودعم توجه استئناف المفاوضات، ينتظر اليمنيون أياما ثقيلة على أمل أن ينتصر السلام فى النهاية .