عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
كيف تدعم سياسة مصر الخارجية الاستقرار الإقليمى؟
8 مارس 2021
د. محمدعزالعرب


الدفع بركائز الاستقرار فى الشرق الأوسط هو أحد مُحرِّكات سياسة مصر الخارجية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو ما تشير إليه خطب الرئيس فى المناسبات المختلفة من خلال التأكيد على مفردات بعينها مثل «الاستقرار الداخلى»، و«استقرار الأوطان»، و«ترسيخ استقرار الدولة»، و«استقرار المنطقة»، و»بيئة آمنة ومستقرة»، و«قيمة الأمن والأمان والاستقرار»، فضلاً عن تفاعلات القاهرة مع محيطها الإقليمى، الأمر الذى تعكسه شواهد مختلفة للتوافق بين التوجه والسلوك، ومنها محاولة تسوية الصراع الليبي، ودعم تشكيل الحكومة اللبنانية، وتعزيز أمن منطقة الخليج العربي، ورفع مستوى العلاقات مع العراق والأردن، ومأسسة أوجه التعاون الأمنى والاستخبارى بين الدول العربية عبر منصة منتظمة، والتصدى لتدخلات دول الجوار الإقليمى فى الشئون الداخلية العربية.



تحركات متوازية



وقد عكست التحركات التى قامت بها مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية المصرية خلال فبراير الماضى، التوجهات الحاكمة لمسار السياسة المصرية تجاه الصراعات المسلحة العربية أو الأزمات الداخلية العربية أو التدخلات الإقليمية فى الشئون العربية، وهو ما توضحه النقاط التالية:



1- محاولة تسوية الصراع الليبي: تُعد مصر هى القوة الإقليمية الرئيسية التى لديها علاقات متوازنة مع أطراف الصراع فى ليبيا، سواء فى الشرق أو الغرب، وكذلك مختلف القبائل. ولذا، كانت القاهرة هى المحطة الأولى لرئيس الحكومة الليبية الجديدة عبدالحميد الدبيبة التى زارها فى 18 فبراير الماضي، وأعرب عن تقديره لجهودها فى تسوية الصراع الليبي، ومحاولة إنهاء الانقسام، ودعم مؤسسات البلاد فى مواجهة التنظيمات الإرهابية. كما حرص الرئيس السيسى خلال لقائه الدبيبة على تأكيد الدعم المصرى لتثبيت أركان الدولة الليبية الجديدة، فى ثلاث نواحٍ رئيسية، هى تثبيت أركان الدولة، واستعادة الأمن، والشروع فى تقديم المشروعات الخدمية والتنموية ذات المردود المباشر على الليبيين وخاصة فيما يتعلق بإعادة الإعمار ودعم الاستقرار فى مرحلة لاحقة، بعد خروج القوات الأجنبية.



2- دعم تشكيل الحكومة اللبنانية: وظهر ذلك جلياً خلال استقبال الرئيس السيسى، فى 3 فبراير الماضي، المُكلَّف برئاسة الحكومة اللبنانية سعد الحريري. وقد عكس هذا اللقاء حرص الرئيس السيسى على ضرورة إخراج لبنان من أزمته القديمة الجديدة، عبر تسوية الخلافات بين التيارات السياسية، وإعلاء المصلحة الوطنية فوق المصلحة الحزبية، وتسريع جهود تشكيل الحكومة القادرة على التعامل مع التحديات الراهنة، مع الأخذ فى الاعتبار المساعدات التى وجهتها مصر للبنان بهدف تجاوز التداعيات التى خلَّفتها الأزمات الضاغطة، مثل حادث انفجار مرفأ بيروت وجائحة كوفيد-19، بحيث اعتبر الحريرى الدور المصرى «ركيزة أساسية فى حفظ الاستقرار بها والمنطقة العربية ككل».



3- تعزيز أمن منطقة الخليج: فقد أكد الرئيس السيسى خلال لقائه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجى نايف الحجرف، فى 7 فبراير الماضي، على خصوصية العلاقات المصرية ـ الخليجية، وارتباط أمن الخليج بالأمن القومى كأحد ثوابت السياسة المصرية، وهو ما يأتى فى سياق الدور الإقليمى لمصر الداعم لإرساء الأمن والاستقرار والتنمية. ولعل ذلك بدا من إشارة الحجرف إلى الحرص المصرى الدائم على تكاتف الصف وتعزيز العمل العربى المشترك فى مواجهة التحديات الجسام التى تواجهها دول المنطقة. كما بدا المسعى المصرى لتعزيز الاستقرار الإقليمى واضحا خلال لقاء السيسى بوزير الدولة السعودى د. عصام بن سعيد فى 11 فبراير الماضي، استنادا إلى محورية دور القاهرة والرياض، ومعهما أبوظبي، كمثلث إستراتيجى داعم للاستقرار فى الشرق الأوسط.



4- رفع مستوى العلاقات مع العراق والأردن: تتجه سياسة مصر إلى الارتقاء بالعلاقات مع العراق والأردن، فيما تطلق عليه بعض الأدبيات «المشرق الجديد» أو «الشام الجديد». وهنا، يمكن الإشارة إلى تأكيد الرئيس السيسى، خلال لقائه وزير الخارجية العراقى فؤاد حسين، فى 10 فبراير الحالى، على تعزيز العلاقات المصرية ـ العراقية فى مختلف المجالات، بما يؤدى إلى صون الأمن القومى العربى فى ظل إدراك القاهرة لمحورية دور مؤسسات الدولة العراقية فى محاربة الإرهاب العابر للحدود الرخوة. فهناك توافق مصرى عراقى أردنى لدعم أمن المنطقة، وهو ما عكسته آلية التنسيق الثلاثى فى 8 فبراير الماضى. بخلاف زيادة مجالات التعاون الاقتصادى والاستثماري، وبصفة خاصة فى قطاع الطاقة، إلى جانب نقل التجربة المصرية للعراق فى مشروع إنشاء المدن الجديدة التى يحتاجها الأخير بعد القضاء على التنظيمات الإرهابية.



5- توسيع نطاق التعاون الأمنى والاستخبارى بين الدول العربية: التهديدات التى تواجه تلك الدول متعددة، ومنها المساس بهياكلها وتعاظم خطر التنظيمات الإرهابية وتمدد جماعات الإجرام المنظم، الأمر الذى يستوجب التعاون والتنسيق الأمنى المشترك. ولذا، شدد الرئيس السيسي، خلال كلمته إلى المشاركين فى افتتاح مقر «المنتدى العربى الاستخبارى بالقاهرة»، فى أول فبراير الماضي، على «أهمية العمل الجماعى فى إطار الأخوة العربية على استعادة الاستقرار فى كافة دول المنطقة، لاسيما التى تشهد حالة من السيولة وتعصف بها الأزمات، وتسعى التنظيمات الإرهابية للاستقرار والتمدد فيها، مدعومة بقوى خارجية إقليمية ودولية تستهدف صناعة الفوضى من أجل السيطرة على مقدرات وطننا العزيز».



6- التصدى لتدخلات دول الجوار فى الشئون الداخلية العربية: تعمل مصر على التصدى للتدخلات الإقليمية التى تعبر عنها تركيا وإيران عن طريق دعم وكلاء مسلحين ونقل الإرهابيين إلى بعض بؤر التوتر، وهو ما يفسر تزايد مؤشرات استدامة الصراعات فى ليبيا واليمن وسوريا والعراق، وعرقلة الاستقرار فى منطقة شرق المتوسط، الأمر الذى يتطلب آليات من جانب دول الإقليم لمواجهة تلك الممارسات، وهو ما انعكس فى انعقاد منتدى الصداقة الذى حمل عنوان «بناء الصداقة والسلام والازدهار من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج» بأثينا فى 11 فبراير الماضي، وتضمن رسالة أساسية بأن هناك توحيداً للجهود، خاصة من دول عربية وأوروبية وتحديداً مصر والسعودية والإمارات والبحرين وقبرص واليونان لمحاربة الإرهاب والتطرف، ودعم جهود الأمن والاستقرار ومواجهة جائحة كوفيد-19، وإدانة التدخلات فى شئون الدول الأخري.



خلاصة القول، إن استقرار مصر يمثل محدداً مركزياً لاستقرار الإقليم، كما أن استقرار الشرق الأوسط يؤثر فى استقرار مصر، بحيث تقوم المقاربة المصرية لتحقيق هذا الاستقرار على الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية وحمايتها من التفكك والانهيار وتدعيم الجيوش النظامية والتصدى لانتشار الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية والوصول إلى تسويات سلمية للصراعات المسلحة وفرملة التدخلات الخارجية فى الشئون الداخلية التى تقوم بها أطراف إقليمية.