عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«بى بى سى» و «دويتشه فيله».. صوت الدولة بنكهة مستقلة!
6 مارس 2021
رحاب جودة خليفة


تباينت مناهج وسائل إعلام الدولة فى العالم، لكن جميعها كان لها نفس الهدف الأساسي: إنشاء كيان، خال من الضغوط التجارية والسياسية، من شأنه أن يوفر معلومات للمصلحة العامة وللترفيه. ومع الوقت، تزايدت طموحات مؤسسى هذه الخدمة واعتبروها فرصة لدعم الديمقراطية، وصمموها لتكون مؤسسات رئيسية تساعد المجتمعات على أن تكون على اطلاع جيد ومشاركا سياسيا ومتماسكا اجتماعيا. ولكن مع كل مرحلة كانت تمر بها الدولة من تغيرات سياسية واقتصادية تتعرض هذه المؤسسات تباعا لهزات وتحديات أحدثت بها مشاكل طويلة الأمد. ولعل من أبرز هذه الوسائل فى أوروبا كلا من هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سي» وإذاعة صوت ألمانيا«دويتشه فيله». وتأسست «بى بى سي» فى عام 1922 كشركة خاصة من قبل اتحاد شركات تصنيع أجهزة الراديو، وفى عام 1926 أوصت لجنة برلمانية بتحويلها إلى ملكية عامة خاضعة للمساءلة أمام البرلمان لأن «بها قوة دعائية كبيرة لا يمكن ائتمان أى شخص أو هيئة أخرى عليها غير المؤسسة العامة». أما الإذاعة الألمانية «دويتشه فيله»، فبدأت بث برامجها بشكل منتظم عام 1953 وهى واحدة من أهم إذاعات العالم الموجهة للخارج. وكما هو الحال مع «البى بى سي»، تعتبر مؤسسة أو هيئة عامة، تعتمد فى تمويلها على الرسوم، وتشكل الأساس الثانى لعالم الإعلام القائم على مبدأ الثنائية الجامعة بين القطاعين الخاص والعام. وسواء فى بريطانيا أوألمانيا فكان سبب إنشاء هذه المؤسسات ودعمها هو الإيمان بأن وجود مواطنين مطلعين أمر ضرورى لديمقراطية سليمة خاصة أنها فى فترة اهتز فيها إيمان الجمهور بالحكومة ووسائل الإعلام بسبب الحربين العالميتين.



وفى 7 دول أوروبية غربية شملها استطلاع لمؤسسة «بيو» البحثية الأمريكية عام 2018 ، كان إعلام الدولة هو المصدر الرئيسى للأخباروليس الخاص. ورغم ذلك فإن إعلام الدولة فى أوروبا يواجه منذ سنوات أزمات متراكمة منها المشاكل الاقتصادية والميزانية المحدودة والتحول الرقمى والتوزيع عبر الإنترنت، والكفاح بشكل مستمر لتقديم محتوى عالى الجودة. والمعركة الأخرى التى تخوضها هذه الوسائل مؤخرا وربما تكون الأهم فى تحديد مستقبلها، هى معركة التشكيك فى مصداقيتها وانحيازها السياسي. طالما واجهت البى بى سى اتهامات من المحافظين بالتحيز الليبرالى واليسارى منذ عهد سيدة بريطانيا الحديدية مارجريت تاتشر. وآخر هجمة جاءت من رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذى يهددها ماليا، نظرا لأن الهيئة تُعتمد بالأساس على دافع الضرائب عبر «رخصة مشاهدة التلفزيون» التى تفرض على أى عقار به تلفزيون. وجونسون يرى إلغاء هذه الرخصة باعتبارها «ضريبة» غير مبررة. قد يكون هذا الشكل من التمويل هو شريان الحياة للبى بى سي، وقد تكون لهجمة جونسون دوافعها السياسية، لكنها تجد صدى من آخرين خاصة بين الشباب الذين لا يرون مبرراً لدفع 154 جنيهاً و50 بنساً سنوياً للحصول على هذه الرخصة بينما يتابعون كل شيء بلمسات الأصابع عبرالهاتف من خلال المنصات ووسائل التواصل الاجتماعي.



وخلال السنوات الأخيرة للدويتشه فيله فإن بعض الأوضاع السياسية الصعبة أصبحت تتشابه مع زمن تأسيسها، إذ يتم الحديث مجددا عن حرب باردة، أو نظام عالمى متعدد الأقطاب. وكما يقول المدير العام للمؤسسة العريقة بيتر ليمبورج: « التحديات من خلال الدعاية والأخبار الزائفة والهجرة وتحول المناخ والإرهاب تكبر». وهذه المرة فإن الهجمات ذات حيز أوسع حيث تواجه دويتشه فيله مقاطعة لعروضها وفرض حظر عليها فى الصين أو إيران. ووجهت دول أخرى اتهامات لها بالتعاون مع إرهابيين وبث أخبار بإيعاز من أجهزة مخابرات دول أخرى. وبغض النظر عن التحديات، فوسائل إعلام الدولة فى أوروبا أصبحت مثل السفن التى تلاطمتها المشاكل الاقتصادية والسياسية لعقود، لكنها لا تزال تتمتع بالمصداقية وتلتزم بمبادئ أخلاقية لبناء مجتمعات متماسكة.