عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الخطأ الفادح
5 مارس 2021
000;


أنا سيدة عمرى خمسون عاما، عشت طفولة عادية مع أمى وأخى وأختى، وكان الأب دائم السفر، وكنت أجدنى وحيدة دائما لأن أمى كانت مشغولة بأختى الكبرى وخطيبها وأخى، فعشت مع نفسى وركزت فى مذاكرتى وتفوقت، وتسبب ذلك فى غيرة أختى الكبرى، فقد حصلت على دبلوم متوسط، أما أنا فدخلت الجامعة، وفى تلك الفترة استقر أبى، واقتربنا من بعضنا وصرنا صديقين، ولا أستطيع أن أصف مدى سعادتى بوجوده معى، لكنه رحل عن الحياة مبكرا، فعدت إلى وحدتى، وبعد فترة سافر أخى إلى الخارج، وزادت معاناتى من تحكم أختى فى أمى، وكثيرا ما أثارتها ضدى، لكنى كنت ألتزم الصمت لكى لا أخسرها، وتحمّلت مصاعب كثيرة، ومنها مثلا اتهامى بسرقة نقود، وهذا لم يحدث، فأنا أعمل ولى دخلى الخاص الذى كنت أساهم به فى مصروفات البيت.



وما أحزننى وقتها أن والدتى أرادت تزويجى بأى رجل، وكأنى «مصيبة» تسعى للخلاص منها، وكنت كلما رفضت عريسا غير مناسب، تعايرنى أمى بأننى لست جميلة، ووصلت إلى سن سبعة وعشرين عاما، وتقدم لى رجل مطلق، ولديه بنت تعيش مع أمها، فوافقت عليه لكى أهرب من جحيم البيت، وبرغم أننى كنت أعرف أنه غير مناسب مما سمعته عنه، فإننى أوهمت نفسى بأنه سوف يتغيّر بعد الزواج.



لقد عشت معه سبع سنين ذقت فيها كل ألوان العذاب، ووصلت إلى خيارين لا ثالث لهما، فإما أن أنتحر، وإما أن أقتله، وشمتت أختى فىّ، لكن أمى عرفتنى على حقيقتى بعد أن ابتعدت عنها أختى عندما قلّ دخلها، واعتذرت لى، وللأسف جاء ذلك بعد فوات الأوان، وإنجابى ولدين من هذا الشخص الذى دمرنى.



وأغوانى الشيطان بالدخول على شبكة الإنترنت، وتعرفت على رجل طلب منى أن أنفصل عن زوجى لكى يرتبط بى، ففعلت ذلك، وانحصرت علاقتنا فى الكلام، وبعد طلاقى ابتعد عنى، ولم أعد أعرف عنه شيئا، وأغلقت بابى على نفسى، وركزت فى عملى ونجحت فيه لكنى نفسيا عانيت الدمار، ودفعتنى وحدتى إلى الوقوع فريسة للخطيئة عدة مرات، ثم أفقت واستغفرت الله، وخشيت من نفاد رصيد ستره، ورجعت إليه، والحمد له عز وجل، لكن أعصابى تعبانة، وليست لى صديقات، ولا أحد أتكلم معه.. لقد كرهت الدنيا، وانعدمت ثقتى فى الناس، ويلازمنى الاكتئاب، بل إن الانتحار دائما فى بالى.



إننى أكتب إليك رسالتى، والدموع تملأ عينىّ، لدرجة أننى لا أرى ما أكتبه، ويحدونى الأمل فى أن أعيش مثل الأخريات فى كنف زوج وأسرة مستقرة.. صحيح أنا ناجحة مع ابنىّ، وأعتبر أن السبب فى ذلك هو أننى أكرمت ابنة «أبو ابنىّ»، فأكرمنى الله فيهما.. لكن حياتى تحتاج إلى إصلاح، ولا أعرف سبيلا إلى ذلك.. إننى أعيش فى مفترق طرق، وأريد الاستقرار، وأن أعود إلى الصلاة التى توقفت عنها، وألا أستخدم ما يسمى «وسائل التواصل الاجتماعى» التى جلبت علىّ هموما فوق همومى، فهل لديك حل لما أنا فيه؟.



 



> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



 



إن أفضل خطوة اتخذتيها هى التوبة من الذنب الذى ارتكبته، فلقد أدركت أن الله هو الذى يقبل توبة عباده، مهما تكررت معاصيهم لقوله تعالى: «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (التوبة 104) وأنه هو الغفور الذى جمع إلى عفوه ستره لعباده التائبين فى الدنيا والآخرة، وأنه هو سبحانه الرحيم الذى وسعت رحمته كل شىء، وهو أرحم بعباده من المرأة بولدها، حيث يقول: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (الزمر 53).



ويحب الله التوابين ويفرح بتوبة عباده فرحا شديدا، حيث يقول: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» (البقرة 222)، ويقول أيضا: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (آل عمران 135).



إن الله قد يسلط على المذنبين أنواعا من العقوبات فى هذه الحياة الدنيا، منها الضيق فى الصدر، والوحشة فى القلب، ومحق بركة الرزق، وذهاب نور العلم، وعلينا أن نذكر أن الموت قد يأخذ العبد فى منامه وقد يأخذه على حين غفلة من أمره، وحينها لا ينفعه الندم ولا دعاء ولا تمنى، حيث يقول تعالى: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّى أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» (المؤمنون99 ـ 100)، وعلينا أن نتذكر زوال الدنيا بمتاعها وزخرفها، وأنها مهما طالت فهى قصيرة، وإن أكثر ما يصد الناس عن الله، وعن الاستقامة على شرعه، حب الدنيا واتباع شهواتها والتكثر من ملذاتها، والعاقل من الناس لا يترك الباقية من أجل الفانية.



إن خطوة رجوعك إلى الله ما أعظمها خطوة، وعليك أن تنظرى إلى الحياة الزوجية بمفهوم «الدوام والاستمرار» لا من خلال أنها وسيلة للخلاص من جحيم بيت الأب أو المعاملة القاسية من الأسرة، فهذه النظرة القاصرة تؤدى إلى تفاقم الخلافات، كما أن محاولة الحفاظ على العلاقة الزوجية الفاشلة مهما يكن الثمن ليست لها فائدة، والأفضل للزوجين فى هذه الحالة الانفصال مع الإبقاء على علاقة متوازنة من أجل الأبناء.



وبما أن الارتباط الزوجى هو أقوى أنواع العلاقات البشرية، فإن جرح أحد الشريكين إحساس الآخر يكون هائلا، ولذلك فالاحترام المتبادل من أهم أسرار استمرار الحياة الزوجية الطويلة، بما فى ذلك تقدير كل منهما لمواطن الضعف والقوة لدى الآخر، وإذا كانت الصراعات والشجارات تحدث فى كل زيجة، ولا أحد ينكر ذلك، فإنها تعد أمرا صحيا مادامت فى الحدود المقبولة، ولكن أحيانا قد يتلفظ أحد الزوجين بكلمات قاسية غير قابلة للسحب وربما يندم عليها فيما بعد، ومن الضرورى فى حالة القسوة اللفظية: طلب المعذرة ورجاء المسامحة والعفو، وبقدر معقول من التنازلات والحكمة تنضبط الأمور، وأرجو أن تكونى قد استوعبت الدرس، وسوف يأتيك من هو أهل لك، فتبنيان معا حياة مستقرة لا تعرف الغدر، ويسودها الأمان والطمأنينة بإذن الله.