عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
حافظ محمود.. العضوية رقم (1)
5 مارس 2021
> يسرا الشرقاوى
حافظ محمود


أصحاب الجهد الأكبر فى تشكيل البدايات لهم دوما فضل لا يعادله فضل. وهكذا هو الحال مع شيخ الصحفيين حافظ محمود، صاحب بطاقة العضوية الأولى بنقابة الصحفيين وأحد خمسة تقدموا للنقابة كمؤسسين. وكان من أبرز الأسماء فى مجموعة المحررين التى تألف منها مجلس النقابة الأول، ليكون له دور رئيسى فى مجالس النقابة المتتالية، فى رحلة بالغة الثراء والتى تعادل ذات ثراء مسيرته الصحفية.



وفقا إلى ما أورده الكاتب إبراهيم عبدالعزيز فى كتابه الصادر 2007 بعنوان: «حافظ محمود: أول عضو فى نقابة الصحفيين يتذكر»، فإن الصحفى المخضرم ولد فى 12 يوليو عام 1917 بحى الخليفة، وذلك رغم ما ترجحه مصادر أخرى بأن ميلاده كان عام 1907. شهدت طفولته وصباه التنقل بين عدة أحياء، وصفها الراحل فى حواراته مع إبراهيم عبدالعزيز بالأحياء «الوطنية»، مثل الحلمية والسيدة زينب، قبل أن ينتقل فى مرحلة لاحقة من حياته إلى «حى جاردن سيتي».



يحكى محمود أنه عندما بلغ سن الـ 15 عاما، وأثناء فترة إقامته بمنزل أبيه الفسيح بحى السيدة زينب: «قمت بتكوين جمعية ( القلم) التى اشترك فيها معى فتحى رضوان، أحمد حسين، كامل الشناوى.. ونشرنا إعلانا فى الصحف عنها، وكنت ألقى محاضرات على زملائى.. وكنت أقلد فيها خطباء العصر: طه حسين، حافظ إبراهيم».



وكانت هذه الجمعية ذات الرسالة الثقافية تمهيدا لمسيرته المؤثرة، إذا بدأ فى سن الـ 16 الكتابة للصحافة ، وتحديدا صحيفة « كوكب الشرق» التى كان يرأس تحريرها حافظ بك عوض. وكذلك ما كان من إسهاماته المميزة بصحيفة «السياسة الأسبوعية»، وهو لا يزال طالبا بكلية الآداب. وإثر تخرجه، انتظم فى عمله معينا فى «السياسة الأسبوعية»، التى كانت تصدر عن حزب « الأحرار الدستوريين». وبات محمود رئيس تحريرها قبل بلوغه منتصف العشرينيات من عمره. وقلده الدكتور محمد حسين هيكل، صاحب الصحيفتين، منصب رئيس تحرير «السياسة اليومية»، حتى بات يطلق عليه لقب «صاحب الرئاستين»، وفقا لتصريحاته.



وجاء عمله فى «السياسة» بالتزامن مع مشاركته السياسى المصرى صاحب حزب «مصر الفتاة» أحمد حسين، والسياسى والصحفي، الذى شغل منصب وزير الإرشاد القومى لاحقا، فتحى رضوان، فى إصدار صحيفة «الصرخة» ذات اللهجة الثورية وترأس محمود رئاسة تحريرها فى سن مبكرة أيضا.



ولعب محمود دورا إضافيا ورئيسيا فى إنشاء نقابة الصحفيين المصرية التى تم إعلانها رسميا فى مارس 1941. فحسب ما أورده الكتاب التذكارى الصادر عن نقابة الصحفيين نهايات مارس 1981 والمعنون «نقابة الصحفيين فى 40 عاما «، فإن محمود تقدم مع أربعة آخرين هم: محمد مصطفى غيث، ومحمد أحمد الحناوي، ومصطفى أمين، وصالح البهنساوي، ليكونوا أول أعضاء مؤسسين بالنقابة.



ويروى محمود عن كونه صاحب بطاقة العضوية رقم «1»، « كان أهل الرأى فى ذلك الوقت فى منتهى الحكمة والعقل حين رأوا أن مجلس النقابة يجب أن يضم بين صفوفه كل ألوان الصحافة من حكومة ومعارضة، وشباب وشيوخ، ورأوا أن يختاروا من الصحفيين الشباب اثنين هما: مصطفى أمين وأنا.. وقد كان كامل الشناوى مندوبا للأهرام فى مجلس النواب وكان حاضرا للجلسة التى تم فيها إقرار مشروع قانون النقابة وتشكيل مجلس أعضائه، وجاءنى كامل الشناوى بعد جلسة البرلمان فى 30 مارس 1941، ليقول لي: مبروك لنا كلنا النقابة، ومبروك لك خاصة».



كانت أول مواجهة لمحمود داخل مجلس النقابة الذى يتألف فى أغلبه من «بشوات» صحافة الأربعينيات، بخصوص «لائحة الاستخدام» أو ما يعرف حاليا بـ»عقد العمل»، وما تضمنه من منح مكافأة نهاية الخدمة بعد عشرة أعوام من صدور هذا القانون. وهو ما تم رفضه وإحباطه.



وخلال 21 عاما متتالية تقلد خلالها محمود منصب وكيل النقابة، تعددت المواجهات التى خاضها ، ومن أبرزها ما كان حول مشروع قانون معاشات الصحفيين والذى استقبله بعض أصحاب الصحف بالمقاومة. وكذلك اضطلاعه بإرسال إنذار إلى القوات البريطانية للجلاء عن أرض عبدالخالق ثروت التى كانت مستهدفة لإنشاء مقرا لنقابة الصحفيين، والمجاورة لمقر نقابة المحامين. وكان ذلك خلال غياب النقيب خارج البلاد. ويقول محمود حول ذلك الإنذار: «وضعت فى اعتبارى احتمالين.. إما أنهم سيقولون أننى مجنون ويضطهدونني، وفى هذه الحالة سأتحول إلى بطل، وإما أن يتجاهلوا إنذارى كأنه لم يحدث، وكنت أرجح الاحتمال الأخير. ولكن المفاجأة أن القيادة البريطانية أرسلت ردا ايجابيا تقول فيه إنها ستخلى الأرض. وكان هذا أول جلاء للإنجليز فى تاريخ مصر منذ احتلالهم لها.



كانت هذه بعض معارك وأدوار شيخ الصحفيين الذى تولى منصب وكيل النقابة لمدة ٢٣ عاما متصلة من 1941، وحتى 1964. وتولى منصب النقيب لأربع دورات متتالية .



نال عددا لا حصر له من الجوائز والتكريمات، أبرزها وسام «الجمهورية» من الطبقة الأولى عام 1981، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1988. توفى فى 26 ديسمبر عام 1996، وخرجت جنازته من مقر نقابة الصحفيين فى اليوم التالى.