عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
نوكى ماساكى سفير اليابان بالقاهرة لـ«الأهرام»: نتطلع إلى مزيد من التعاون مع مصر لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط وإفريقيا
23 فبراير 2021
أجرى الحوار ــ هانى عسل


المتحف المصرى الكبير سيكون هدية مصر للعالم ورمزا للصداقة بين البلدين



 



أكد نوكى ماساكى سفير اليابان بالقاهرة أن حكومة بلاده تتطلع إلى مزيد من التعاون مع مصر، ليس فقط لتوطيد العلاقات الثنائية، ولكن أيضا لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط وقارة إفريقيا، مشيدا بما وصلت إليه العلاقات بين البلدين فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، ورئيس الوزراء اليابانى السابق شينزو آبى، والحالى سوجا يوشيهيدى.



وقال السفير اليابانى إن مشروع المتحف المصرى الكبير الذى سيتم تحديد موعد افتتاحه هذا العام سيكون هدية مصر للعالم، ورمزا للصداقة بين البلدين. وأضاف أنه يتابع أولا بأول سير العمل فى تجربة التعليم على الأسلوب اليابانى فى مصر، مشيرا إلى أنه بعد التجربة المصرية، فإنه سعيد بوجود اهتمام إفريقى متزايد بتطبيق التجربة نفسها فى عدة دول.



ووعد السفير بأن تكون مسألة «الأمان» ذات أولوية بالنسبة لليابان عند استضافة دورة الألعاب الأوليمبية والباراليمبية الصيف القادم، مؤكدا أن تجربة استضافة مصر لبطولة العالم لكرة اليد مؤخرا منحت الأمل للرياضة العالمية كلها فى إمكانية استضافة مثل هذه الأحداث العالمية بنجاح. وتحدث السفير عن التعاون الاقتصادى بين مصر واليابان، مشيرا إلى أنه توجد حاليا حوالى 50 شركة يابانية تستثمر أموالها فى مصر، ويشكل قطاع الطاقة 30% من إجمالى التعاون بين البلدين، معربا عن تفاؤله إزاء إمكانية زيادة استثمارات الشركات اليابانية فى مصر بعد زوال أزمة وباء كورونا.



 



فى بداية حواره مع «الأهرام»، كان السؤال:



ارتبطت مصر واليابان منذ قديم الأزل بعلاقات وطيدة، وتحديدا منذ القرن التاسع عشر، ولكن التقدم الذى تم إحرازه فى السنوات القليلة الماضية كان ملحوظا للغاية، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، ورئيس الوزراء اليابانى السابق شينزو آبى، كيف ترون مستقبل هذه العلاقات فى الفترة المقبلة فى ظل قيادة رئيس الوزراء الحالى السيد سوجا يوشيهيدي؟



فأجاب السفير نوكى ماساكى: عندما حضرت حفل افتتاح الحرم الجامعى الجديد لجامعة E-JUST فى سبتمبر الماضى، قال لى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى مباشرة إنه يدعو من أجل تعافى رئيس الوزراء المستقيل آبى، وسيطلق على الحرم الجديد اسم «مجمع شينزو آبى»، ويسعى إلى تطوير العلاقات الثنائية مع رئيس الوزراء الجديد سوجا يوشيهيدى، وشعرت من خلال ذلك بالصداقة الحميمة بين الرئيس السيسى ورئيس الوزراء السابق آبى، حيث أسسا لعلاقات تعاون، من خلال ثلاث زيارات للرئيس لليابان، وستة اجتماعات قمة ثنائية، وأيضًا بالروابط القوية بين شعبى البلدين، وتزداد العلاقات الثنائية عمقًا أيضًا تحت رئاسة رئيس الوزراء سوجا، ففور توليه رئاسة الوزراء، تقرر فى أكتوبر الماضى توفير معدات طبية كمنحة مساعدات بقيمة حوالى 9،5 مليون دولار، كما تم رفع حظر استيراد البرتقال المصرى فى نوفمبر، كما وقعت فى فبراير الجارى، على أول دعم مالى مقدم من اليابان، وهو دعم إصلاحات قطاع الكهرباء، بقيمة 240 مليون دولار، مع وزيرة التعاون الدولى، الدكتورة رانيا المشاط، وهذا العام، سيتم افتتاح المتحف المصرى الكبير، رمز الصداقة بين اليابان ومصر، والعام المقبل، ستعقد القمة الثامنة لمؤتمر التيكاد فى تونس (الرئيس السيسى كان رئيسا مشاركا فى المؤتمر عام 2019)، ونتطلع إلى مزيد من التعاون ليس فقط فى العلاقات الثنائية، بل أيضًا فى السلام والازدهار فى إفريقيا والشرق الأوسط.



تنظر اليابان إلى مصر كشريك رئيسى فى منطقة الشرق الأوسط، كيف تنسق الدولتان سويا فى مواجهة عدد من قضايا فى المنطقة؟



«نوكى ماساكى»: بالإضافة إلى القضية التاريخية، وهى قضية عملية السلام فى الشرق الأوسط، فإن عدم الاستقرار والظروف الإنسانية القاسية فى ليبيا وسوريا واليمن، وتصاعد التوترات بشأن إيران، كلها تؤثر على استقرار وازدهار المنطقة ككل، والسلام والاستقرار فى الشرق الأوسط لا غنى عنهما للمجتمع الدولى، وخاصة اليابان، التى تعتمد على هذه المنطقة فى حوالى 90٪ من وارداتها من النفط الخام، لذلك، فإن سلامة الملاحة فى مياه الشرق الأوسط مهمة للغاية أيضًا، أما الأعمال الإرهابية فلا يمكن تبريرها تحت أى مسمى، ويجب إدانتها بشكلٍ قاطع، والإرهاب أيضا مصدر قلق خطير لليابان، فبالفعل لقى 10 يابانيين مصرعهم فى حادث إرهابى فى الجزائر فى يناير 2013، وفى يناير 2015، عندما زار رئيس الوزراء آنذاك آبى دول الشرق الأوسط ومصر، وقع حادث إرهابى لذبح مواطنين يابانيين فى سوريا، وأرى أن مصر تلعب دورًا بناء فى السلام والاستقرار والازدهار فى الشرق الأوسط، وتؤدى دورًا قياديًا وفعالًا.



لا صوت يعلو هذه الأيام على صوت جائحة كورونا حول العالم، كيف تواجه بلادكم هذا الوباء، وهل ستنظم اليابان دورة الألعاب الأوليمبية والباراليمبية «طوكيو 2020» فى موعدها الصيف المقبل كما هو مقرر، بعد تأجيلها من العام الماضى بسبب «كوفيد 19»؟



«نوكى ماساكى»: لقد اتخذت حكومة اليابان تدابير مختلفة كاستجابة لعدوى فيروس كورونا، بهدف «حماية أرواح المواطنين وصحتهم»، و»الحفاظ على المعايش والوظائف»، مع «عدم ترك صحة أى شخص خلف الركب»، نحاول حاليًا منع انتشار العدوى بإعلان حالة الطواريء فى عدة مناطق مثل طوكيو وأوساكا، ومطالبة المطاعم والمقاهى تقصير ساعات العمل، والمطالبة بالامتناع عن الخروج، والعمل عن بُعد، وحاليا تميل العدوى إلى الانخفاض، وفى اليابان، بدأ التطعيم فى 17 فبراير الحالى، ونهدف إلى تأمين اللقاحات لجميع المواطنين، ولكن بشكل عام نخطط للشروع فى التطعيم من العاملين فى المجال الطبى أولًا، ثم كبار السن، أى من تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر، ومَن يعانون من أمراض أساسية، والعاملين بمرافق رعاية المسنين، ثم الآخرين، وبالنسبة لدورة الألعاب الأوليمبية والباراليمبية «طوكيو 2020»، فإن جميع الأطراف المعنية تعمل معًا بإصرار لاتخاذ تدابير شاملة لمكافحة العدوى وإقامة بطولة تبعث بالأمل والثقة للعالم، فمثلًا سيتم تقسيم المشاركين إلى 3 فئات هى: اللاعبون، مسئولو البطولة، والمتفرجون، ونستعد لاتخاذ إجراءات الوقاية من العدوى وفقًا لحالة كل منهم، مثلًا فى أثناء دخول البلاد، وعند التنقلات، وفى أماكن إقامة المباريات، وبشكل عام، تعتبر اليابان مسألة الأمان فى المقام الأول، وقد شاهدت نهائى بطولة العالم لكرة اليد للرجال فى مصر، وشعرت بأن نجاح هذه البطولة يرجع إلى حد كبير إلى جهود الأشخاص المعنيين باتخاذ إجراءات شاملة للوقاية من العدوى والإدارة السلسة تحت ريادة وزير الشباب والرياضة، الدكتور أشرف صبحى، ورئيس الاتحاد الدولى لكرة اليد، الدكتور حسن مصطفى، وأعتقد أن هذه البطولة مَنحت الأمل لعالم الرياضة عالميًا.



كيف تقيمون مشروع المدارس اليابانية فى مصر، وبخاصة بعد أن أصبحت هذه المدارس نموذجا تطلب دول إفريقية عديدة أخرى تنفيذه، مثل مصر؟



«نوكى ماساكى»: زرت العديد من المدارس المصرية – اليابانية الـ43 المفتوحة حاليًا، ولاحظت أن الأطفال والمعلمين فى غاية النشاط والحيوية مقارنة بالمدارس اليابانية، وأنهم يحافظون على اتباع النقاط الهامة فى التعليم على الأسلوب اليابانى، فمثلًا من خلال «التوكاتسو»، ومعناها النشاطات الخاصة، يتم اختيار طلاب بالتناوب للقيام بنشاط «الريادة اليومية» للفصل، وأيضًا رئاسة «اجتماعات الفصل»، ويقوم «رائد الفصل» فى ذلك اليوم بإدارة الحوار فى أثناء «اجتماعات الفصل» والاستماع إلى آراء زملائه حول موضوعات، مثل وجهة الرحلة المدرسية أو شعار الفصل، وتلخيصها والخروج بنتيجة، كما أن تنظيف الفصل هو أحد الأنشطة الجماعية المهمة، وبذلك يتعلم الطلاب القيادة والتعاون والتراحم، وتهدف هذه المدارس إلى تنمية الأطفال بشكل متوازن من الناحية الفكرية والنفسية والجسمانية، وقد رافقت 11 يابانيا مِمَن لديهم خبرة العمل كمديرين مدارس ويعملون كمشرفين فى مدراس EJS حاليًا، خلال لقائهم بالرئيس السيسى، وحينها طلب منا الرئيس إدخال مميزات التعليم اليابانى، لأن الأطفال هم ثروة مصر وسيحملون على عاتقهم مستقبل هذا البلد، ورغم أن المهمة صعبة للغاية، فإن اليابان ستواصل التعاون قدر الإمكان، ونحن سعداء لوجود اهتمام متزايد بالتعليم على الأسلوب اليابانى من الدول الإفريقية، ونقبل بالفعل المبعوثين من إفريقيا بالجامعة المصرية – اليابانية للعلوم والتكنولوجيا (E-JUST).



ماذا عن التعاون بين التكنولوجيا اليابانية والمصانع المصرية فى قطاع الطاقة، وبخاصة مع وجود توقعات عالمية عديدة تشير إلى أن مصر ستكون مركزا إقليميا للغاز، ومعقلا للطاقة الجديدة والمتجددة؟



«نوكى ماساكى»: يمثل قطاع الطاقة أكثر من 30٪ من التعاون الاقتصادى بين البلدين، ومن خلال المساعدات الإنمائية الرسمية، نفذنا العديد من المشروعات مثل تجديد محطة كهرباء شمال القاهرة، ومشروع توليد الكهرباء بطاقة الرياح فى الزعفرانة وخليج الزيت، ومشروع توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية بالغردقة، والشركات الخاصة اليابانية أيضًا تشارك بنشاط فى هذا المجال، ومؤخرًا، وتحديدا فى 15 فبراير الحالى، قررنا تقديم مساعدات مالية بقيمة 240 مليون دولار لتعزيز إصلاحات قطاع الكهرباء فى مصر، وقد شاركت بشكلٍ مباشر فى هذا التعاون، وقمت بزيارة محطة توليد الكهرباء بالرياح بمحاذاة ساحل البحر الأحمر ومحطة «بنبان» للطاقة الشمسية، وشعرت بأن مصر تتمتع بميزة نسبية فى إنتاج الطاقة المتجددة ولديها القدرة على التطور كمركز للطاقة إقليميًا، وقد ذكر الرئيس السيسى خلال خطاب توليه الرئاسة عام 2014 أن «مصر هى حجر الزاوية فى التوازن والاستقرار فى الشرق الأوسط ومعبر التجارة الدولية»، مما يوضح أن مصر مهمة للغاية لتعزيز رؤية سياسة اليابان المعروفة بـ»منطقة المحيطين الهندى والهاديء الحرة والمفتوحة»، لتعزيز السلام والازدهار فى العالم.



هل تخطط الشركات اليابانية لاستثمار مزيد من أموالها فى الفترة المقبلة فى مصر، وبخاصة فى مشروعات مثل محور قناة السويس، أو العاصمة الإدارية الجديدة؟



«نوكى ماساكى»: بالرغم من أزمة كورونا، بلغ الاستثمار اليابانى المباشر خلال عام 2019-2020 نحو 33 مليون دولار، بزيادة 30 بالمائة عن العام السابق، ويتجاوز الاستثمار التراكمى 938 مليون دولار، وهناك أيضًا العديد من الاستثمارات من قبل الشركات اليابانية عبر الدول الآسيوية والأوروبية، مثل شركة «سوميتومو» للضفائر وغيرها، التى توظف 8000 شخص، وتصدر قطع غيار السيارات إلى أوروبا، وهناك حاليًا حوالى 50 شركة يابانية تنشط فى مصر، وتُعد صناعة السيارات والرعاية الصحية من مجالات الاستثمار الرئيسية، وتوظف حوالى عشرة آلاف مصرى، وتوفر عددًا كبيرًا من الوظائف غير المباشرة، وأعتقد أنه بعد انتهاء أزمة كورونا وتعافى الاقتصاد العالمى، سيأتى المزيد من الاستثمار من اليابان إلى مصر، كما نتمنى أيضًا أن تتحسن بيئة الاستثمار الخاصة بالشركات اليابانية فى مصر.



ماذا عن الافتتاح المرتقب لمشروع المتحف المصرى الكبير؟ هل توجد أى احتفالات أو أنشطة خاصة يتم التحضير لها بين البلدين بهذه المناسبة التاريخية؟



«نوكى ماساكى»: قدمت اليابان مساعدات بحوالى 800 مليون دولار لإنشاء المتحف، بالإضافة للتعاون الفنى لحفظ وترميم الآثار وترميم مركب الشمس، ومؤخرًا زرت موقع الإنشاءات مجددًا، حيث كان الخبراء المصريون بمركز الحفظ والترميم يرممون قطعا أثرية رائعة من الدولة القديمة وحتى العصر المتأخر، بالاستفادة من نتائج التعاون الفنى اليابانى، كما كانت الاستعدادات بالمتحف نفسه تجرى على قدمٍ وساق للافتتاح هذا العام، وهناك اهتمام متزايد بالمتحف فى اليابان أيضًا، ففى نوفمبر الماضى، جذب اهتمامًا كبيرًا عندما حصل مشروع حفظ وترميم الآثار بالمتحف على جائزة التعاون الدولى لجريدة «يوميورى» اليابانية التى تتمتع بأكبر توزيع فى العالم، وما زال موعد ومحتوى حفل الافتتاح قيد الدراسة من قبل الحكومة المصرية، وأتمنى أن يصبح الافتتاح فرصة للتعبير عن أن المتحف هو «هدية مصر إلى العالم»، ورمز للصداقة بين اليابان ومصر.