عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
ديمقراطية الحب
17 فبراير 2021
خالد منتصر


احتفلنا بعيد الحب منذ عدة أيام، لكن هل مظاهر هذا الاحتفال تعبر عن مدي الاحتفاء؟، هل نحن بالفعل مجتمع يحتفي بالحب حقيقة وعمقا وجذوراً أم يحتفل به ظاهريا وسطحياً فقط؟، هل إحساس الحب لدينا يتجاوز الدبدوب والورد واللون الأحمر؟، للأسف الناس في بلادي يقمعون الحب، يعانون فوبيا العشق، يتملكهم الرعب من الحميمية، ويبتلعهم الفزع من الهيام والغرام، نعانى رهاب الحب ونحن أكثر شعوب الأرض كتابة عن الحب، شعرا ونثرا، لدينا مئات الأوصاف لدرجات الحب المختلفة من الوجد والهوى والنجوى والصبوة والهيام والعشق والغرام...الخ، لكنها حبيسة كتب التراث، لاتتنفس أكسجين الحاضر والواقع، لاتتجول في الشارع أو تسكن البيت، ديمقراطية الأحباب أهم ألف مرة من ديمقراطية الانتخاب، قلوب الأحباب قبل صناديق الانتخاب، فالشعوب التي لاتعرف أبجديات الحب لن تعرف بديهيات الديمقراطية السياسية، الشعوب التي لاتحترم الحب وتكبته وتطارده وترهبه، هي شعوب في أزمة حقيقية، من لايستطيع إدارة مشاعره لن يستطيع إدارة مصنعه أو شركته أو حزبه، لابد من توافر ديمقراطية الحب بكل آلياتها وبصماتها ووسائلها ورسائلها، حتى يستعيد المجتمع عافيته، فما جدوى نجاح البورصة وتوافر احتياطي البنوك في مجتمع يتعامل مع الحب كسلعة، خزينة عواطفه خاوية ورصيده من الاحتواء صفر، لدينا أكبر نسبة علاقات حب فاشلة مابين شبابنا، نعاني نسب طلاق مرعبة فى مجتمعنا، ولم نسأل عن الأسباب؟، لم ندرس المشكلة لأنها من وجهة نظرنا هايفة، وكلام عيب ومايصحش...الخ، مقياس أهمية الشئ عندنا تحدده تعقيدات المصطلحات أو مدى مايدره من مكاسب مادية أو قابليته لاشتعال النميمة، لذلك الحب كمصطلح بسيط لايوفر مكاسب مادية، ليس من أولويات اهتماماتنا، لكن لم نسأل أنفسنا أبدا هل نحن كأسرة، أو بيت، أو مدرسة، أو جامعة، أو مجتمع، علمنا الولد من هي البنت والعكس أيضاً هل عرفنا البنت من هو الولد؟، هذا الدرس هو ألف باء البناء النفسي وتحقيق علاقات حب ناجحة في المستقبل ، كل ولد محمل بقناعات سابقة مشوهة عن البنت زرعها المجتمع في خياله منذ الطفولة ونفس المفاهيم عند البنت، نتركه ونتركها لعشوائيات تلك القناعات تترعرع وتنمو في أذهانهما كالحشائش السامة، التركيبة النفسية للولد أو الرجل، والتركيبة النفسية للبنت أو المرأة، هي صناديق سوداء مغلقة، كلاهما يجهل الآخر، كل منهما حجرة مغلقة ممنوع فتحها، سرداب سري محظور الاقتراب منه، كل منهما يرى الآخر ولايعرفه، أيضاً مفهوم الحب نفسه مبتسر ومشوه ومولود بعيوب خلقية، يعاني أنانية مفرطة، ليست فيه المشاركة، ليس فيه النمو معاً، ليست علاقة تكافلية ولكنها علاقة طفيلية، لايعرف المحب أو المحبوبة أن شرط الحب الأول هو التنازل عن النرجسية والتخلص من فيروس الأنانية، العلاقة لها فاتورة لابد أن تدفع، لايوجد الحب الدليفري، وليس في الحب ـ أوفر ـ عروض مجانية!، المجتمع لابد أن يكون مثل الكوتش، يقوم بتدريب مواطنيه على الحب، على أن البنت ليست فريسة، والرجل ليس صيادا، التدريب على كيفية تذويب الفرق الثقافي والاجتماعى وصهره فى سبيكة حب، الولد يأتي من ثقافة وبيت مختلف، وكذلك البنت، هل يلتقيان كتمثالين من الجبس لايستطيع أزميل الحب نحتهما من جديد بإزالة بعض الزوائد وإضافة بعض الرتوش؟! السماح بمساحة التواصل وتبادل المشاعر ونموها على مهل وعدم حرق المراحل قبل تكوين المؤسسة الزوجية، في بلادي يقول لها أحبك في أول 24 ساعة، ثم بعدها يغرق معها في تفاصيل خلافات الأسرتين حول سيراميك الحمام وملة السرير وعيدية الأضحى وعدد معازيم الفرح!!، كما أن هناك اغتصابا للجسد هناك أيضاً اغتصاب للمشاعر، والحب لايؤخذ عنوة أو اغتصابا، ولابد أن تهجر وتوضع في المتحف مفاهيم مثل مخطوبين من الطفولة، وربط التفاهم بدرجة القرابة الأسرية.... إلى آخر تلك الأوهام التي توارثناها وصارت في تلافيف الأدمغة والأرواح، الحب نبتة لابد أن توضع في حقلها الممهد ومناخها المناسب، الحب يحتاج إلى ري دائم، يقتله ري التنقيط، تخنقه نباتات الفضول والتطفل المتسلقة المتلصصة، حب الرجل والمرأة مكتسب وليس فطريا كما نتخيل، والغريزة لاتخلق الحب ولكنها تخلق الاحتياج، والحب اندماج واحتياج.