عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الريف المصرى فى مشروع قومى
14 فبراير 2021
أمينة شفيق


استمرت الحكومات المصرية منذ زمن طويل تقدم لنا برنامج إدخال مياه الشرب النظيفة الى الريف المصرى كأحد مشاريعها الكبرى. اتذكر عام 1950 العام الذى شهد آخر انتخابات برلمانية فى العهد الملكى عندما وقف مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء انذاك يردد فى خطبة العرش: وسوف تعمل حكومتى على ادخال المياه النظيفة الى القرى المصرية, تصفيق حاد من جمهور الحاضرين الذين كانوا من علية القوم. ثم رحلت وزارة الوفد وجاء بعدها عدد من الوزارات وذكرت كلها حكاية مياه الشرب هذه,وبالفعل دخلت مياه الشرب فى بعض القرى ولكنها لم تكن فى يوم من الأيام ضمن مشروع قومي. لذا كانت المياه توجد بشكل متقطع وغير نظيفة أحيانا تاركة وراءها مشكلة كبيرة هى صرف تلك المياه حتى طبلت الأرض فى الريف وارتفعت فيها المياه الجوفية وباتت القرى تحتاج مشاريع صرف صحى وصرف زراعى بجانب المياه النقية. فتعقدت المشكلة وباتت قرى الريف تحتاج الى عدة مليارات ليصبح ريفا متطورا. وقد قام البعض من الريفيين بحل مشاكلهم ذاتيا بعمل ترانشات فى منازلهم وتفريغها على يد القطاع الخاص الذى تخصص فى هذا العمل ثم ولعدم وجود رقابة حكومية كان هذا القطاع الخاص يشفط جزءا من الترانش ليفرغه بعد ذلك فى اى مجرى «مصرف او ترعة صغيرة. وبذلك يتم استغلال الفلاح ثم يزداد تلوث البيئة. والأكثر خطورة هو ارتفاع منسوب المياه الجوفية وتأثيرها السلبى على الزراعة.



لذا، رحب عدد كبير منا بالمشروع القومى للقرية المصرية أو بالبداية فى تنفيذه فى 11 محافظة. وشخصيا بدأت اتابع ما تقدمه الفضائيات والصحف من تفاصيل بدءا من إصلاح المساكن لبناء المدارس ومراكز الصحة ومياه الشرب النظيفة وإصلاح الطرق ومشاريع الصرف الصحى وربط المساكن به وتبطين الترع ونظام الرى الحديث وإصلاح مداخل القري. مشروع قومى عام يتكلف المليارات ولكنه وللمرة الأولى إذا تم كما يعلن عنه, سينقل الريف المصرى إلى مرحلة حضارية نحن فى اشد الحاجة لها.



بالقطع لن يعاد بناء كل المساكن ولكن المؤكد ان العشش التى كان يقطنها الفلاحون واسرهم ستصبح فى خبر كان.أو كما قال أحد القرويين: ح نعيش زى البنى آدميين. وبالقطع من حق الريف المصرى أن يعاد النظر فى كل احواله المعيشية. . كل احواله المعيشية يعنى يعاد النظر فى البنية التحتية له من مياه وكهرباء وصرف صحى ومراكز طبية وأخرى للشباب حتى يستطيع اهله العيش الانسانى والانتاج ومدنا بسلة الغذاء التى نحتاجها. فلا يعقل ان يعيش نصف الشعب فى حالة تراجع بينما ينعم النصف الآخر بأدوات العصر الحديث مما يعنى فى آخر الامر اننا شعبان، شعب يتمتع بكل ما هو متاح من طيبات وآخر يناضل من اجل لقمة العيش الحلال. أو بأقرب تعبير: شعب يفشل فى إزالة الفرق بين القرية والمدينة, تعليما وصحة ونظافة إلى آخر عناصر الحياة الكريمة.



فالذى يحدث الآن هو التقدم بالريف المصرى إلى إحدى درجات التطور، وهو شيء نقبله لأننا نعرف جيدا الظروف الاقتصادية التى تعيشها بلادنا. فطريق جديد ونظيف فى القرية يعنى التقدم بها نحو الحضارة وإدخال منظومة الصرف الصحى يعنى تحقيق أمل عشنا عليه طويلا وهكذا. فالريف المصرى متعطش لأى حركة تقدم خاصة. وسيعانى اكثر فأكثر إذا ما تركناه على حاله دون إدخال التحسينات والتطور فى هياكله الاساسية. أتذكر جيدا انه فى عام 2005 كان عدد القرى 4640 قرية وكان عدد التوابع العزب والنجوع والكفور وما دونها من تجمعات 23000 . هذه الارقام باتت تاريخا وزاد عددها وبالتالى زادت تكاليف إصلاحها. فكلما تأخرنا تعاظمت تكاليفها.



والجدير بالذكر ان العقد السبعينى من القرن الماضى شهد سيولة مالية جيدة نتيجة لهجرة الفلاحين الى بلدان منابع النفط. وكان من الممكن ان تغير هذه الهجرة من الواقع الاقتصادى للريف المصرى إلا انها بددت فى الابنية الاسمنتية التى امتصتها. وتحولت السيولة الى شقق تؤجر للموظفين العاملين فى المراكز والعواصم المحلية أو الى حوانيت تجارة صغيرة. وكان من الممكن ان تتجه الى تنمية القطاع الزراعى ليعود بالنفع على الحصيلة الزراعية كلها. ولكن كانت الحكومات غائبة عن هذا الامر ولم تستطع التدخل فى التخطيط العام الزراعى الذى يتناول قضية الريف كقضية متكاملة.



والآن تعمل الحكومة على تناول هذه القضية من البداية الى نهايتها فماذا نتوقع منها؟ فى البداية نتوقع من الحكومة ان تدرس التجارب السابقة بحيث تعظم نتائجها الإيجابية وتركن جوانبها الأخرى السلبية. فمثلا، لماذا زاد عدد الاطفال فى حالة توافر السيولة. ثم لماذا ضاقت المساحة الزراعية وعدد الافدنة لكل قرية كلما توافرت السيولة ثم لماذا استمرت حركة تنقل الريفيين من الريف الى المدن ولم تتوقف وتأثير ذلك على الزراعة المصرية. اسئلة لها إجاباتها عند الفلاحين وتمثل مفاتيح التقدم بالتنمية الريفية التى لا تعنى البشر منفصلين عن أدواتهم الانتاجية من ارض كأصول إنتاج ومعها مستلزماتها الاساسية وتفوق الإنسان أى الفلاح واسرته على هذا كله.



أهم الأهداف التى نراها لازمة لتطور الريف أن نجعله ريفا منتجا ليس كما يتصوره البعض منتج للبيض وللجبن» حين نتحدث عن الريف وإنما نريد ريفا يسهم بقوة فى الناتج الاجمالى القومي. وبالتحديد فى سد الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج الزراعي، به فرص عمل ويستطيع الحفاظ على شبابه ولا يتركهم يهاجرون إلى الخارج أو الى عواصم المحافظات بعد ان يعلمهم ويتخرجون فى الجامعات. وفى زحمة البناء يجب ألا ننسى المرأة الريفية التى هى منتجة دائما ونسعى الى زيادة انتاجها من خلال تعليمها وتدريبها على فنون الزراعة الجديدة.