عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
لا عاصم اليوم.. أيها السادة من «الكورونا»!
13 فبراير 2021
عزت السعدنى


ولانه لا عاصم اليوم من الكورونا الخبيثة.. لسكان الكرة الأرضية أجمعين .. كما قالها سيدنا نوح عليه السلام .. قبل الزمان بزمان.. ولكن على الماء عندما قال: «لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم..» ولأننى مازلت ملازما لعتبة بيتى فى الهرم بأوامر مشددة من هذا العفريت الخفى الذى يقتل فى صمت والذى لا يكاد يرى بالعين المجردة، ويعيش كل عشرة آلاف منه .. تصوروا فوق رأس دبوس إبرة.. والذى اجتاح العالم كله، وأرقام ضحاياه كل طلعة شمس تجاوزت يا سبحان الله ملايين لاتعد ولا تحصى من البشر ..وهو قابع فى الظلام لا يرحم أحدا غنيا كان أو فقيرا معدما أو ذا منصب وجاه .. مثل رئيس وزراء بريطانيا نفسه، ورئيس الجزائر أو «على الحديدة» وما أكثرهم فى عالمنا.. وجوعا وجهلا... وعددهم تجاوز نصف سكان الكرة الارضية.. الآن والذى اسمه فيروس الكورونا اللعين.





ولأننى لا أكاد أخرج من عتبة البيت بأوامر مشددة من الزملاء بحكم السن وبحكم اننى كما تقول رفيقة دربى فى الحياة التى تلازمنى «الضراء قبل السراء» ـ أننى قد بلغت من العمر عتيا، وكما قال سيدنا نوح عليه السلام وهو يدعو ابنه للركوب معه فى مركبه خوفا عليه من الغرق فى مياه الفيضان الذى اجتاح قبل الزمان بزمان بأوامر ربانية الأرض ومن عليها، وقال له كما جاء فى قرآنه الكريم: «وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ. قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ» (من سورة هود) وها نحن نردد الآن بعد قرون عددا: لا عاصم اليوم من الكورونا!



حتى أقوى دولة واعتى دولة فى الكرة الأرضية والتى اسمها أمريكا بجلالة قدرها وهى تملك تحت سمائها العلم والعلماء والمال الذى أوصل سفينتها الفضائية إلى الخروج من حزام الأرض والنزول فوق سطح القمر ليصبح أول إنسان خطا قدميه فوق سطح القمر يلبس البرنيطة ويحمل الجنسية الأمريكية.



ورغم هذا كله .. ورغم كل هذا الجبروت العلمى والمالى .. فإن أمريكا ــ يا سبحان الله ــ بجلالة قدرها يكتبون اسمها الآن على رأس قائمة الدول المصابة بهذا الميكروب اللعين.. وفوق هذا كله فقد سجلت حتى كتابة هذه السطور أعلى الأرقام فى أعداد المصابين والموتى كمان!



لتصبح أمريكا بجلالة قدرها ــ يا سبحان الله ــ فى أعداد الضحايا وتزايد أعداد المصابين بهذا الوباء اللعين الذى اسمه الكورونا هى الأولى ــ دون منازع ــ على العالم كله.



يعنى أمريكا - شاءت أو لم تشأ ــ أصبحت تقود قاطرة أعداد ضحايا هذا الوباء اللعين الذى لا يرحم!



..........



..........



ولا يمكن ـ ونحن نتحدث عن هذا الوباء الذى لا يرحم والذى اسمه الكورونا ـ ألا نذكر سلسلة الأوبئة التى غطت باللون الأحمر خريطة مصر فى سنوات عددا مثل انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير كمان وحمى الضنك وهذا الوباء الذى اسمه: الكوليرا الذى اجتاح مصر بحالها طولا وعرضا.. وأودى بحياة الآلاف من سكان مصر.. والذى خرج ــ كما قالوا ــ من معسكرات المحتلين الانجليز فى قناة السويس .. وبالذات فى منطقة التل الكبير قبل أن يرحلوا عن بلادنا فى عام 1956م إلى غير رجعة بمعاهدة الجلاء الشهيرة.



وقد أودى هذا الوباء اللعين بحياة الآلاف من أهل مصر الطيبين الذين لا حول لهم ولا قوة .. وعندما سألت عن أرقاما ضحايا الكوليرا.. لم أجد لدى وزارة الصحة إلا أرقام وحقائق تحكى وتقول إن وباء الكوليرا حمله الانجليز معهم بعد رحيلهم عن قناة السويس ولم نعد نسمع عنه أو عدد ضحاياه بعد ظهور انفلونزا الطيور الذى فقدت مصر خلالها بالاغلاق والمصادرة مزارع بلا عدد لتربية وتفريغ الطيور من دجاج وحمام وبط.. وأنا شخصيا زرت هذه المزارع وكتبت عنها فى «تحقيق السبت» أيام أن كانت تدخل فى نطاق مسئولية القطاع العام الذى مازال حتى كتابة هذه السطور يؤدى دوره فى توفير الغذاء من دجاج + بيض.. حتى ظهرت فى الأفق مشروعات تصفية شركات القطاع العام.. وفى مقدمتها شركة كانت يوما عملاقة نفتخر بها وبإنتاجها من الحديد بين دول الجوار ودول العالم أجمع اسمها شركة الحديد والصلب التى يجرى تصفيتها الآن وتقطيعها وبيعها بالمزاد العلنى.. يا سبحان الله ..



وأقول يا سبحان الله لأن جمال عبدالناصر زعيم ثورة مصر كان يفتخر بأنه فى عهده قامت شركة الحديد والصلب ومازلت أذكر كلمات جمال عبدالناصر لى ولزملائى فى مجلة: مدرسة القناطر الخيرية فى عام 1954م عندما وقفنا فى انتظار موكبه الذى كان فى طريقه إلى شبين الكوم لافتتاح عدد من المشروعات الصناعية بها.. وجاء هو مع رفاق ثورة 1952 زكريا محيى الدين وكمال الدين حسين وحسين الشافعى يركبون على ما أذكر عربة شيفروليه مكشوفة موديل 1951 وكنا نحن فريق تحرير مجلة «القناطر» ننتظره مع رفاقه عند منزل كوبرى محمد على أمام قسم الشرطة فى حدائق القناطر.. ونزل هو يومها مع زكريا محيى الدين وسلم علينا بحرارة نحن تلاميذ ثالثة ثانوى من فريق تحرير المجلة.



ومازلت أذكر أن جمال عبدالناصر أخذ يتصفح صفحات مجلتنا ويتفحص وجوهنا قبل أن يسألنا: فين الطالب اللى اسمه عزت السعدنى اللى كاتب مقال فى المجلة عن سيدنا يوسف عليه السلام الذى حبسه إخوته فى كهف تحت الأرض؟.



قلت له: أنا يا قائد الثورة..



فسلم عليّ بحرارة وقال لى يومها على ما أذكر: وأنا راجع حعدى على مدرستكم بعد نهاية زيارتى لشبين الكوم.



وقلت له يومها على ما أذكر: يا افندم أنا عاوز أعمل مع سيادتك حديثا لمجلتنا اللى قدمنا لسيادتك نسخا منها .. ونحن نكتبها ونخرجها من الألف للياء!



ضحك جمال عبدالناصر ـ على ما أذكر ـ يومها وقال لى ضاحكا: باين عليك إنك ولد شقى.. ياالله بقى عاوزين نلحق الناس اللى مستنينا فى شبين الكوم.. وأنا راجع هقعد معاكم بس جهز نفسك وأسئلتك يا أخ عزت؟



قلت له: حاضر يا افندم؟



ضحك وركب ورفاقه السيارة المكشوفة وانطلقوا.



اسمعكم تسألون: وهل قابلتم حقا جمال عبدالناصر ورفاقه عندما عادوا من شبين الكوم؟



وجوابي: لقد انتظرناه لكى نجرى معه أول حديث للمجلة بوصفه زعيم ثورة 1952 حتى أذان المغرب ولكنه لم يحضر وربما عاد موكبه من شبين الكوم عن طريق آخر!



..........



..........



اسمعكم تسألون: وهل كانت هذه أول مرة وآخر مرة قابلتم فيها جمال عبدالناصر ورفاقه؟



وجوابى لكم: بل قابلته مرة أخرى وأنا مازلت تلميذا فى المرحلة الثانوية فى مدرسة القناطر الخيرية الأميرية... ليس فى مقابلة رسمية .. ولكن فى مقابلة أقل ما توصف بأنها كانت مقابلة مرحة وظريفة وعفوية بلا ترتيب.



الحكاية أننا أعضاء فريق صيد السمك بالسنانير المكون من ابن عم لى اسمه: محمود السعدنى.. وهو ليس الكاتب الساخر محمود السعدنى.. وكان بارعا فى صيد السمك بالسنارة ومعنا الزميل الصحفى محمود كامل رفيق الدرب والطريق وكنا نذهب إلى شاطئ الترعة التى تمر من أمام استراحة الملك فى حدائق القناطر.. التى تحولت بفعل حركة التاريخ إلى استراحة لجمال عبدالناصر.. أمام هذه الاستراحة كانت تجرى مياه ترعة تظللها الأشجار.. وكنا نذهب نحن الرفاق فى القناطر الخيرية لصيد السمك فيها.. وكانت لا تبخل علينا باللذيذ من السمك النيلى الطيب.. وفى إحدى المرات ذهبنا بشلة المعلم: محمود وأنا وكان الصيد يومها وفيرا.. وفى إحدى المرات رفع ابن عمى محمود سنارته من الماء وكانت تحمل صيدا طيبا من سمك البورى.. فإذا بها تسقط خلفنا غير بعيد ونظرنا كلنا خلفنا فإذا بجمال عبدالناصر بشحمه ولحمه يمسك بالسمكة ويقول لنا ضاحكا: أنا قاعد هنا باتفرج عليكم من بدرى.. ممكن اصطاد معاكم؟



وافسحنا للزعيم مكانا بيننا أنا ومحمود وتركت له أنا سنارتى ليصطاد بها.. وأذكر أن الزعيم جمال عبدالناصر اصطاد سمكة بورى شرسة وسط ضحكاتنا وقفشاتنا نحن الشباب... وأذكر أن الزعيم جمال عبدالناصر قال لنا ونحن نترك المكان: أنا باجى هنا كل يوم جمعة ومستنيكم الجمعة اللى جاية عشان نصطاد سوا..؟



اسمعكم تسألون: وهل ذهبتم للقاء عبدالناصر والصيد معه فى الجمعة التالية؟



والجواب: لا.. لقد خاف الجميع ودخلنا فى «حيص بيص» وقالوا: نروح الاستراحة ونقول للحراس: احنا جايين نصطاد سمك مع الزعيم؟ . وافرض الزعيم ما جاش؟



ولم نذهب؟



الآن خلص الكلام {