عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
سيدة برلين.. «خير وسيط» بين أوروبا وأمريكا
30 يناير 2021
شريف سمير


أنها مختلفة ومتفردة منذ بداية عهدها بالسلطة وعلى مدار مشوارها السياسى، أرادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ألا تغادر منصبها دون بصمة أخيرة ومؤثرة تحفر اسمها فى الذاكرة من خلال بناء جسر قوي من العلاقات مع الولايات المتحدة. فأيا كانت هوية خليفتها، تسعى ميركل إلى تمهيد الطريق أمامه لبناء تحالف قوي مع أمريكا فى عهد الرئيس جو بايدن إيمانا منها بقدرة الأخير ورغبته فى تصويب أخطاء ومغامرات سلفه دونالد ترامب، ورهانا أيضا على خبرته السياسية ولغته الهادئة.



فبمجرد صعوده، طرق بايدن أبواب القارة البيضاء بادئا بالقلعة الألمانية باعتبارها الحصن الاقتصادى الأقوى للاتحاد الأوروبى، ليعلن التعاون معها في مكافحة جائحة كورونا وحماية المناخ وإعادة إنعاش الاقتصاد العالمى. ومن ثم اقترح المعهد الألمانى للبحوث الاقتصادية «مبادرة أوروبية» سريعة لإبرام اتفاقية تجارة حرة جديدة مع الولايات المتحدة، كبديل لاتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلنطى، لتعزيز موقف أوروبا فيما يتعلق بالصين.



والتقطت القيادة الأوروبية طرف الخيط من اتصال بايدن وميركل، لتعزف نفس نغمة تجديد شهر العسل مع واشنطن. لتؤكد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أن أوروبا لديها الآن «صديق» فى البيت الأبيض، فيما شدد رئيس المجلس الأوروبى شارل ميشيل على اقتراح ببناء ميثاق تأسيسى جديد للعلاقات الأوروبية- الأمريكية «من أجل عالم أفضل»، على حد تعبيره. ولا يقتصر الود بين ألمانيا وأمريكا على تحسين العلاقات الثنائية بين  البلدين وإصلاح ما أفسدته إدارة ترامب، وإنما يُنظر إلى الشاطئ الألمانى وكأنه الميناء الذى يستقبل سفينة بايدن بكل ما تحمله من صفقات سياسية واقتصادية ينتظرها الجانب الأوروبى.



وأبرز صفقة حول «حلف الناتو» وحماية أمن أوروبا. وإذا كانت فترة ترامب فرصة ذهبية لتوحد الأوروبيين والتفافهم حول آلية للدفاع عن قارتهم المتصدعة خارج مظلة الناتو، فولاية بايدن تبعث الأمل فى التوصل إلى صيغة ملائمة لضمان التعاون بين واشنطن وأوروبا، استنادا إلى ما تعهد به بايدن فى مقال بمجلة «فورين أفريز»، بـ «الالتزام المقدس» تجاه «الناتو» الذى يقع فى قلب الأمن القومى الأمريكي. وهنا تتصدر صفقة أخرى المشهد الأوروبى الأمريكي، فى ظل تخطى العجز التجارى أقصى رقم ببلوغه ١٧٨ مليار دولار فى نهاية عام ٢٠١٩، وصولا إلى عجز فى السلع بـ ١٤٤ مليار دولار. ومصدر المشكلة هو سياسة ترامب القائمة على الحرب التجارية ضد الاتحاد الأوروبى وألمانيا على وجه الخصوص. وبمجئ بايدن، تتصاعد الطموحات الأوروبية لإزالة «غيوم» الرسوم الجمركية، وإنهاء الحرب التجارية المصطنعة التى بدأتها إدارة ترامب.



وسياسيا، تواجه الشعبوية الأوروبية مجهولا أمام قدوم بايدن بأجندته الديمقراطية المضادة لأفكار وتوجهات سلفه ترامب. وعلى ضوء علاقته الطيبة بدول شرق أوروبا، قد تتراجع مكانة أحزاب اليمين المتطرف تزامنا مع فشلها فى محاصرة تداعيات جائحة كورونا. وينسق بايدن الأدوار مع ميركل وخليفتها لصعود اليسار الأكثر اتزانا ومرونة وقدرة على التوافق والتناغم مع الإدارة الأمريكية فى العهد الجديد!. إن أذرع أوروبا مفتوحة للرئيس الأمريكى الذى يؤمن بـ «بناء القيم» قبل التحالف. ولم يكن هناك أفضل أو أذكى من المستشارة الألمانية لتكون خير وسيط وأقوى رابط بين  الطرفين. وستستفيد الماكينة الألمانية من مرحلة بايدن لينعكس الوضع على العجلة الأوروبية ومسار العلاقات مع القطب الأمريكى .وسيعلم أبناء وزعماء القارة البيضاء كيف خدمتهم سيدة برلين  قبل أن تهبط فى محطتها الأخيرة من قطار السلطة، وتعود إلى منزلها المتواضع!.