عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
تحديات المناخ فى 2021
21 يناير 2021
◀ وفاء صندى


لم يكن عام 2020 عام كورونا فقط، ولكن أيضا عام استمرار ارتفاع درجات الحرارة، بحيث توقعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن تكون سنة 2020 واحدة من أكثر ثلاث سنوات دفئا في التاريخ، بعد سنتي 2016 و2019. وقد شهدت منطقة القطب الشمالي أكبر ارتفاع للحرارة، إذ وصلت إلى 5 درجات مئوية فوق المعدل. وعانت سيبيريا، في الصيف الماضي، أسوأ حرائق الغابات التي تشهدها البلاد، وهو أمر غير طبيعي، وفق علماء البيئة.



وقد أدى تواصل ارتفاع درجة حرارة الأرض الى ذوبان الجليد في العديد من أنحاء العالم، مثل جرينلاند، حيث فقد نحو 152 مليار طن من الجليد في أغسطس الماضي. وتم رصد 30 عاصفة خلال موسم الأعاصير في شمال الأطلسي، وهو رقم غير مسبوق لمثل هذه الظواهر الطبيعية. كما تم رصد اندلاع حرائق غابات في أستراليا وعلى الساحل الغربي للولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، بالإضافة الى سيبيريا.



إن مخاطر ارتفاع درجات الحرارة لا ترتبط فقط بالتغيرات المناخية والثورات الطبيعية (اذا صح التعبير)، ولكن أيضا بدرجة استقرار الشعوب. فارتفاع الحرارة، وهطول أمطار شديدة وغير منتظمة في العديد من المناطق، وارتفاع مستويات البحر قد يتسبب في نقص الموارد المائية والغذائية وبالتالي انعدام الأمن الغذائي، ومن ثم الصراع على الموارد او النزوح الى مناطق أخرى، بكل ما يشكله ذلك من زعزعة الاستقرار وتهديد للأمن القومي وأمن المنطقة. وتؤكد بعض الدراسات ان ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 0.5 درجة مئوية يزيد من احتمالات نشوب صراعات مميتة بنسبة تتراوح ما بين 10 و20%. وستكون القارة الأفريقية الأكثر تهديدا بحيث إنها قد تمر بأسوأ المخاطر المتعلقة بتغير المناخ.



امام هذه المخاطر الجمة، تتجه انظار العالم الى عام 2021، باعتباره عام إعادة الشعور بأهمية الحفاظ على البيئة، بعدما هزت جائحة كوفيد-19 الإحساس العام بالحصانة البيئية، وذكّرت الانسان بأن الطبيعة يمكن ان تنقلب عليه بطريقة لا يتوقعها ولا يمكنه السيطرة عليها. بالإضافة الى ذلك، بعد عام من الركود الاقتصادي بسبب الجائحة، ستتجه الحكومات في 2021 الى إعادة بناء وتشغيل اقتصاداتها، وهذا يخلق فرصة ذهبية لإعادة البناء بشكل أفضل مما كان عليه الوضع قبل 2020. وقد اصبح من المرجح الاعتماد اكثر على الطاقات المتجددة، خاصة بعد الانخفاض الكبير في تكلفتها. وقد خلصت وكالة الطاقة الدولية، في أكتوبر الماضي، الى أن برامج الطاقة الشمسية تقدم الآن أرخص مصدر للكهرباء في التاريخ.



إذا ما عززت دول العالم استثماراتها في طاقة الرياح والطاقة الشمسية في السنوات القليلة المقبلة فمن المرجح أن تنخفض الأسعار بدرجة اكبر.هنا يصبح من المنطقي، من الناحية، التجارية إغلاق واستبدال محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم والغاز، وهذا سيحقق مكسبا للمناخ. أيضا، تعهد الاتحاد الأوروبي وإدارة جو بايدن، التي وعدت بالعودة لاتفاق باريس، بتريليونات الدولارات من الاستثمارات الخضراء لتحريك اقتصاد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبدء عملية إزالة الكربون. والحقيقة ان دولا عديدة أعربت عن طموحاتها لخفض الكربون، وان كان القليل منها فقط لديه استراتيجيات جاهزة لتحقيق ذلك.



لا شك ان الحياة على الكرة الأرضية تمر بمرحلة مفصلية، وكل الآمال معقودة على العام الجديد لإنجاح عملية مواجهة تغير المناخ، اذ من المتوقع ان يجتمع زعماء العالم، في نوفمبر المقبل، في جلاسكو، في مؤتمر المناخ، الذي يمثل امتدادا لمؤتمر باريس عام 2015. واذا كان اتفاق باريس، الذي صدقت عليه 189 دولة، أول اتفاق عالمي من نوعه وعلامة فارقة في مجال التعاون الدولي؛ حيث اتفقت جميع دول العالم على أنها بحاجة للمساعدة في معالجة مشكلة الانبعاثات. واتفاقهم على تجنب أسوأ آثار تغير المناخ من خلال محاولة الحد من ارتفاع درجات الحرارة, وتعهدهم بمراجعة طموحاتهم في خفض الكربون كل خمس سنوات, فالرهان هذا العام على مؤتمر جلاسكو.يحذر العلماء من أن العالم لم يعد أمامه سوى نحو 10 سنوات لتبني التحول الأخضر الذي من شأنه أن يعمل على تمكينه من تحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050، وبالتالي منع سيناريو التغير المناخي الكارثي. والتحدي الابرز في مؤتمر جلاسكو المقبل يتمثل في دفع دول العالم للاشتراك في السياسات التي ستبدأ في الحد من الانبعاثات. واذا كانت الدول النامية، ولها الحق في ذلك، تزعم أنها تستحق معاملة خاصة فى أثناء التحول إلى الطاقة النظيفة لأنها لم تسهم بقدر كبير في المخزون العالمي من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي على مدى القرنين الأخيرين، فإن النهج الطوعي، المصحوب بتدفقات مالية ضخمة لمساعدة الاقتصادات النامية على التحول إلى استراتيجية النمو الأخضر، يبقى التحدي الآخر للتوصل إلى اتفاق طموح وشامل.