عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الوفاق العربي
13 يناير 2021
د. عبد المنعم سعيد


الكلمات وظيفتها أن تصف ما هو واقع، وساعة أن تقول إن التفاحة ما هى إلا تفاحة فإنها تعنى ما وصفته، ليس ضروريا أن تحدد عما إذا كانت لذيذة المذاق أم لا، أو أنها من النوع الأحمر أم الأصفر، فذلك يحتاج إلى كلمات أخري، ولكنها بالتأكيد لن تعنى أن يكون الموصوف برتقالة. الكلمات تصبح أكثر تعقيدا عندما تعبر عن مفاهيم أو ما يعبر عن علاقات سواء كانت بين البشر أو بين الدول؛ ويأتى الخلط عادة عندما تتلامس المفاهيم مع بعضها البعض. وعلى سبيل المثال فى العالم العربى فإننا كثيرا ما نخلط ما بين ما هو تحد أو خصومة أو نزاع أو صراع أو حرب أو معركة، وكلها تعنى أنواعا من الاشتباك تتفاوت فيها الحدة وتترك مساحات تقل تدريجيا للدبلوماسية والسياسة. فى الغرب يخلطون كثيرا فى وصف دول العالم الأخرى بين الديكتاتورية، والسلطوية، والأوتوقراطية، والشمولية، لوصف حكومات على درجة عالية من المركزية فى اتخاذ القرار، ولكنها تتجاهل وجود مساحة كبيرة للمشاركة السياسية والتكنوقراطية، والموازنات الاجتماعية والاقتصادية كلما سارت الدولة فى طريق الحداثة. هذه المقدمة كانت ضرورية للتعامل مع وصف ظهر بعد قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأخيرة فى العلا السعودية. الوصف هو الوفاق العربى والذى يغلب على كلمات أخرى مثل المصالحة أو التسوية أو حل النزاع القطرى مع دول التحالف الرباعي. ما جاء ذكره أولا هو عودة الأوضاع بين قطر ودول التحالف إلى سابق عهدها قبل قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود. وثانيا أن الدبلوماسية الأمريكية والكويتية لعبتا دورا أساسيا فى تحقيق هذا لانتقال من الخصومة إلى الوفاق. وثالثا أن مصر والإمارات والبحرين فوضت المملكة العربية السعودية للتفاوض من أجل تحقيق هذا الانتقال من حالة إلى أخري. ورابعا أن التغيير الذى جرى تم الترحيب به من قبل الجميع لأنه يعبر عن التضامن العربي، وهو تغيير له سوابق عربية كثيرة. فما هو هذا الوفاق العربى ياتري؟ كان أول من قدم تعريفا لتعبير الوفاق فى العلاقات الدولية هو وزير الخارجية وعالم العلاقات الدولية الأشهر هنرى كيسنجر بأنه: إدارة العلاقات التخاصمية( Adversarial) بين الدول وكان المقصود بها العلاقات السوفيتية الأمريكية فى مطلع السبعينيات من القرن الماضي. كان فى الأمر استدعاء لمفهوم الوفاق من مطلع القرن العشرين عندما جرى بين فرنسا وبريطانيا وفاق فى عام 1905 عند التعامل مع منطقة الشرق الأوسط. وفى الحالتين فإن الوفاق يحدث عندما يكتشف أطرافه أن الخسارة من استمرار العلاقات السلبية بين طرفين يفوق استئنافها بطريقة أخرى أكثر إيجابية وتعاونية. فى هذه الحالة لا تنتهى المنافسة، ولا تصبح العلاقات بالضرورة سمنا على عسل، وإنما يترك لكل دولة أن تأخذ من الخطوات إلى الأمام أو الخلف حسبما تحدده مصالحها، طالما أن هناك إدراكا بوجود مصالح مشتركة ويمكن تنميتها. البيان الختامى الصادر عن المجلس الأعلى فى دورته الحادية والأربعين، قمة السلطان قابوس والشيخ صباح، المنعقدة فى العلا بالمملكة العربية السعودية فى 5 يناير يعكس أولا المشاركة فى مصاب مشترك وفقدان قيادتين نبيلتين فى مجلس التعاون. وثانيا أن البيان المكون من 18 صفحة يرسى بتفصيل غير قليل قائمة طويلة من المصالح المشتركة المتفق عليها فى الاستمرار للمسيرة التكاملية للمجلس للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، والموقف من قضايا مختلفة فى التكامل الاقتصادى والعمل العسكرى والأمنى المشترك ومكافحة الإرهاب والقضية الفلسطينية والاحتلال الإيرانى للجزر الثلاث التابعة للإمارات العربية المتحدة، ثم إيران نفسها من خلال الإعراب عن الرفض التام لاستمرار التدخلات الإيرانية فى الشئون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، والإدانة لجميع الأعمال الإرهابية التى تقوم بها إيران، وتغذيتها للنزاعات الطائفية والمذهبية، فى انتهاك واضح للأعراف والقيم الدولية. إيران تأخذ حيزا تفصيليا فى البيان من خلال إدانة سلوك إيران الحالي، وأيضا مع احتمالات استئناف المفاوضات بينها وبين الولايات المتحدة التى جرى تهنئة رئيسها الجديد وفوزه فى الانتخابات. وثالثا أن البيان أعاد تأكيد المبدأ الدولى الخاص بعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول المعنية. ورابعا أعطى البيان إشارة إلى ما حققته كل دولة من إنجازات أو ستحققه فى المدى القريب، مثل تحية مؤتمر قمة العشرين الذى عقدته السعودية، وإنجاز مسبار الأمل والاستعداد لمعرض إكسبو بالنسبة للإمارات، وكأس العالم لكرة القدم الذى سوف تستضيفه قطر فى العام المقبل. هذا البيان التفصيلى يعطى مساحة كبيرة للدول الموقعة عليه للانطلاق من العودة إلى العلاقات الطبيعية التى كانت قبل القطيعة إلى إحراز التقدم فى المجالات التى وإن لم تقل فيها القمة قولا حاسما، فإنها وضعت المبادئ العامة للتعامل معها من قبل كل دولة. الوفاق بحكم التعريف لا يدفع طرفا إلى شبكة من التنازلات، ولكن هذه تأتى عن طريق إعادة تعريف المصالح الخاصة بالدولة ذاتها بحيث يصير تلافى ما يخالف مصالح الأطراف الأخرى أو التقليل من آثارها. وعلى سبيل المثال فإن واحدا من أهم الانتقادات للسلوك القطرى هى أولا استضافتها وتأييدها الإعلامى والمالى لجماعة الإخوان المسلمين؛ وثانيا الهجوم الإعلامى المنتظم على الشئون الداخلية المصرية والعربية بوجه عام؛ وثالثا الاصطفاف إلى جانب دول هما تركيا وإيران قامتا بتهديد دول عربية أخرى أو بالعدوان المباشر عليها. النقاط الثلاث يمكن التعامل معها من زوايا جديدة تحجم حجم الإخوان فيها كما هو حادث فى دولة الكويت حيث لا يسمح لهم بالتهجم على الدول العربية الأخري، ومن انحرف منهم إلى الإرهاب تصدق عليه قرارات القمة. الإعلام القائم على التدخل فى الشئون الداخلية يمكنه أن يكون أكثر مهنية واحترافا فى نقل الحقائق القائمة على المعرفة بالإصلاحات الجارية والتقدم فى الدول العربية الأخري. الانحياز لمصلحة إيران أو تركيا لم يعد مبررا بعد الوفاق ومن ثم فإن التعلم من التجربة الكويتية أو العمانية فى التعامل مع الدولتين هو فى مصلحة الدول العربية كما أنه فى مصلحة قطر والاستقرار الإقليمى معهما.