عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
المرض النفسى يطارد المصابين بـ «كورونا»
7 يناير 2021
تحقيق ــ هالة أبوزيد ـ منى حرك



  • د. عبد الهادى مصباح :  دعم المحيطين للمريض مهم لتحسن حالته وسرعة شفائه


  • د. هبة عيسوى : 20% من المصابين يعانون الاكتئاب


  • د. نهلة ناجى :  الخوف الشديد والعزلة يزيدان الاضطراب والمتعافون يحتاجون جلسات نفسية



 



رصد أحدث تقارير منظمة الصحة العالمية، ارتفاعا كبيرا فى معدلات اللجوء إلى الاستشارات النفسية منذ ظهور جائحة كورونا، وأكدت الأبحاث العالمية وجود علاقة وثيقة بين تزايد المشاكل النفسية وانتشار وباء كورونا، وتتجسد الأسباب فى حالة القلق وقد تصل لحد الهلع التى تنتاب الكثيرين خوفا من العدوى والإصابة، وما يصاحب ذلك من ارتباك واضطراب نفسى فى التعاملات والعلاقات بالمحيطين والأقارب والأصدقاء، كما وجد الباحثون أن المرضى الذين يصابون بكورونا يتعرضون لأزمات نفسية تؤثر على حياتهم سواء أثناء العلاج أو حتى بعد التعافي، كما كشفت الأبحاث أن المصابين بثمة أمراض نفسية تتضاعف معدلات إصاباتهم بكورونا، كما أنهم يصبحون أكثر عرضة لمضاعفات المرض وخطر الوفاة .



 



فى البداية تشير الدكتورة هبة عيسوى أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، إلى أن أهم أسباب زيادة التعرض لاضطرابات نفسية منذ تفشى وباء كورونا العزلة الاجتماعية، والحزن على فقد الأشخاص والمقربين الذين يتوفون بسبب كورونا، ونقص الأموال بسبب تأثر ظروف العمل، والمخاوف المستمرة من الإصابة، واختلاف بروتوكولات العلاج وعدم التأكد من فاعلية بعضها للحالة، وكذلك عدم معرفة موعد محدد لانتهاء هذه الجائحة .



وتوضح، أنه من خلال دراسة أمريكية أجريت على 62 ألف شخص مصابين بفيروس كورونا، تم عمل اختبارات لقياس مدى القلق والاكتئاب ومشاكل الذاكرة، ووجد أن هناك شخصا بين كل خمسة أشخاص تظهر لديهم أعراض نفسية فى أول ثلاثة شهور بعد الإصابة بالفيروس، وهذا يعنى أن حوالى 20 % من المصابين بكورونا يتعرضون لاضطرابات نفسية، من أهمها القلق والاكتئاب وضعف الذاكرة، وكذلك اضطرابات النوم .



وقد أظهرت الأبحاث العالمية، أن المصابين بمشاكل نفسية أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا بل إنهم يندرجون تحت الفئات الأكثر تعرضا لخطورة ومضاعفات الإصابة بالفيروس، كما بينت الدراسات أن المصابين بكورونا أثناء المرض وبعد التعافى يتعرضون لإضطرابات نفسية مختلفة، ومن خلال بحث أمريكى ثبت أن نسبة إصابة المرضى النفسيين بفيروس كورونا تزيد 65 % على الأشخاص الأصحاء .



المرضى النفسيون أكثر عرضة للإصابة



وتشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من الذين يتعرضون لمضاعفات خطيرة ويدخلون العناية المركزة، كانوا من المصابين بمشاكل نفسية بمعدلات أكثر من باقى الأشخاص، وهذا يؤكد أهمية الاهتمام بفئة المرضى النفسيين المصابين بكورونا، حيث انهم أكثر عرضة لمضاعفات المرض وخطر الوفاة.



وتشير الدكتورة هبة عيسوى، إلى أن الإصابة بكوفيد 19 تسبب انخفاضا فى ضغط الدم، مما يقلل ضخ الدم للدماغ وهذا ما ينتج عنه ضعف التركيز والانتباه والذاكرة، كما أن المرضى النفسيين يزداد لديهم هرمون الكورتيزول بفعل الحالة النفسية المضطربة التى يعانون منها، وقد أثبتت الأبحاث أن ارتفاع نسبة هذا الهرمون لدى مريض كوفيد تعطى مؤشرا كبيرا على ضعف استجابته للعلاج وتعرضه بشكل أكبر للمضاعفات.  كما أظهرت الأبحاث أن المصابين بكورونا غالبا ما تأتى تحاليلهم سلبية بعد حوالى أسبوعين أو ثلاثة من العلاج، ولكن المرضى النفسيين المصابين بكورونا تظل تحاليلهم إيجابية لشهور طويلة، وهذا ما يرتبط بتعرضهم بنسبة كبيرة للمضاعفات وعلى رأسها الجلطات .



الخوف من الإصابة



وتؤكد الدكتورة نهلة ناجى أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، أن ما تمر به البلاد من انتشار فيروس كورونا يؤثر على الصحة النفسية للمواطن بسبب الخوف الشديد من الإصابة، مما يسبب التوتر، كما أنه فى حالة الإصابة فعليا يبدأ الشخص فى استحضار كل الصور السلبية، مما يزيد من معدل الخوف، خاصة أن المريض يتعرض للعزلة الاجتماعية ويكون فى حالة من القلق منذ لحظة الإصابة على نفسه والمحيطين به من الأسرة، ولتقليل حدة الآثار النفسية لابد من التواصل مع المحيطين من خلال الموبايل، وأن يتم نقل الصور الإيجابية له من خلال رصد النسب الكبيرة للحالات التى شفيت، مما يساعده فى تجاوز أزمته دون آثار نفسية وذلك تلافيا لدخوله فى حالة من القلق والخوف المرضى الذى يسبب تفاقم حالته المرضية، وبالنسبة للمصاب بكورونا وكان يعانى من أى مرض نفسى لابد أن يخضع لمتابعة الطبيب النفسى فى هذه الفترة لتحديد الأدوية وجرعاتها حتى لا ندخل فى دائرة أوسع من المرض .



وتضيف الدكتورة نهلة، أنه من خلال العيادات النفسية بطب عين شمس تم فتح عيادات لتشخيص ومتابعة الحالة النفسية ما بعد كورونا، وبدأ بالفعل يتردد علينا حالات كثيرة خاصة من الأمهات اللاتى أصيب أبناؤهن، وقمن برعايتهم حتى مرحلة الشفاء، وقد وجد أن هؤلاء يتعرضن بعد هذه التجربة لانهيار نفسى يحتاج إلى بعض الجلسات النفسية للتعافي، علاوة على أن كل شخص تم تعافيه من كورونا يحتاج إلى دعم نفسى سواء من المحيطين أو المتخصصين للرجوع إلى حياته بصورة طبيعية .



روشتة نفسية



وتقدم الدكتورة هبة عيسوى، روشتة لمواجهة الأزمات النفسية فى أثناء أو بعد التعافى من فيروس كورونا، تتضمن التعامل مع الأفكار السلبية التى تهاجمه من خلال تذكر الحالات التى مرت بهذه التجربة وتم شفاؤها والسيطرة على مضاعفاتها، الاهتمام بنظام غذائى صحى يعتمد على تناول أطعمة معينة، مثل الشيكولاتة الداكنة، الموز، الشاى الأخضر، الزبادى، الخوخ، والأهم شرب كميات وفيرة من المياه لأن جفاف الجسم يزيد من إفراز هرمون الكورتيزول الذى يتسبب فى مضاعفات كثيرة، وأثناء فترة العزل المرضى من المهم شغل الوقت بممارسة القراءة أو الرسم والتلوين أو الألعاب على الموبايل خاصة لعبتى سودوكو وسوليتير لأنهما يزيدان التركيز والانتباه، ويساعدان على إنعاش الذاكرة، كما يفضل مشاهدة الأفلام أو المسلسلات الكوميدية خاصة قبل النوم لطرد أى أفكار سلبية، وكذلك التواصل التليفونى مع الأهل والأصحاب مع أهمية الحفاظ على مواعيد نوم منتظمة، والاهتمام بالعلاج ومواعيده، وبمجرد تحسن حالة مريض كورونا من المهم أن يبدأ فى نقل تجربته للآخرين، وهذا بدوره يساعد المريض فى التعافى النفسى السريع لشعوره بدوره الإيجابى فى مساعدة الآخرين، مما يساهم بشكل كبير فى ترميم الحالة النفسية وزيادة هرمونات السعادة التى تحافظ على الصحة النفسية .



وتؤكد الدكتورة هبة عيسوى، ضرورة تخصيص عيادات لمتابعة ما بعد كوفيد -19، سواء من الناحية الصحية بشكل عام أو الحالة النفسية، ومتابعة استقرار التحاليل الخاصة بهم منعا لحدوث أى انتكاسات مرضية، وكذلك من المهم متابعة الحالة النفسية بعد العلاج لمرضى كورونا، وعمل استبيان لأى مشكلة نفسية قد يتعرضون لها بسبب الإصابة والعزل حتى يمكن السيطرة عليها وعلاجها مبكرا.



المناعة وكورونا



وعن تأثير التوتر النفسى والقلق على مناعة الجسم، يشير الدكتور عبد الهادى مصباح استشارى المناعة وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة، إلى أن هناك اتصالا مباشرا بين المخ والجهاز العصبى المركزى، وجهاز المناعة الذى يعمل بأمر القيادة العليا الموجودة فى المخ، وذلك من خلال خلايا مستقبلات، وهرمونات ومواد كيميائية، وموصلات عصبية ومناعية، لذلك فإن كل ما يؤثر بالسلب على الجهاز العصبى المركزى والحالة النفسية للإنسان، يؤثر أيضاً بالسلب على جهاز المناعة لديه .



ولمواجهة الأزمات النفسية التى نتعرض لها بسبب وباء كورونا، استعرض الدكتور عبد الهادى بعض الوسائل العلمية التى يمكن التدريب عليها، من أجل الوصول إلى هدف «التكيف الناضج مع الانفعال» مثل التأمل «Meditation» ويتضمن التعريف العلمى للتأمل عدة مراحل منها الاسترخاء، التركيز، تحويل الانتباه إلى شيء محدد، إيقاف التفكير والانشغال بما عدا هذا الشىء، والكف عن التفكير المنطقى فى أى شيء فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل فى هذه اللحظات، الاستغراق فى هذه اللحظة زمانا ومكانا، وملاحظة النفس والسيطرة عليها من أجل عدم الخروج عن هذا التركيز، كل هذا يمكن أن يصل إليه الإنسان حين يركز تفكيره ووجدانه فى ذات الله نور السماوات والأرض، وهذا يؤدى إلى ضبط موجات الطاقة بداخلنا بمجرد ذكره والتفكير فيه، ولعل من ضمن حالات التأمل أيضا الصلاة لأنها تتوافر من خلالها كل ما يرتقى بالنفس على الجسد، فيتحكم المخ من خلال إرادة الإنسان فى الجهاز العصبى اللاإرادى الذى يملك التحكم فى نبض القلب، وعدد مرات التنفس، واسترخاء العضلات، وسلامة الأوعية الدموية، وضبط حرارة الجسم، والموجات الكهربية فى المخ، مما يعيد ضبط الوظائف الفسيولوجية فى الجسم من خلال ما يسمى بالارتباط أو Coherence بين خلايا القلب والمخ والكون من حولنا، ومن ثم تتحسن قدرة الجهاز المناعى، والصلاة تعد فرصة للتدريب على ذلك بنفس صافية بدلا من أن نمارسها لمجرد العادة، أو كطقس من الطقوس الدينية شكلا فقط .



ومن فوائد التأمل كما يقول الدكتور عبد الهادى، أنه يصفى النفس، ويزيد من صفاء الذهن، ويحسن من القدرة المعرفية والذهنية للإنسان المتأمل، ويساعد الإنسان على التحرر من قيد الجسد، كما يساعده على التخلص من الكثير من العادات السيئة التى يمكن أن يكون عبدا لها من خلال سيطرة الإنسان على أدواته وجهازه العصبى اللاإرادى، وهذا التأمل الإيمانى الذى يعيد الجسد والنفس إلى سكينة الفطرة وسلامتها مرة أخرى .



ومما لاشك فيه أن وباء كورونا أثر بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية أيضا، وأوجد حالة من الخوف والقلق بين الأسر، هذا ما أكدته الدكتورة منى كمال مدحت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن هذا الفيروس للأسف فرض العزلة على الفرد المصاب حتى من أقرب الناس إليه حتى لايعرضهم للعدوى، وتستمر العزلة لأكثر من أسبوعين، وهذه العزلة تترك آثارا سلبية على المريض مما يؤخر من شفائه، حيث تظهر نتيجة المسحات إيجابية لأكثر من مرة بسبب الحالة النفسية المتدهورة، ويصبح المريض فى موقف صعب، ففى الوقت الذى يجب عليه الابتعاد تماما عن مخالطة الآخرين إلا أنه يحتاج إلى دعم نفسى كبير من المحيطين، كما يتملك الشخص شعور سلبى أيضا من إحساس المحيطين بالخوف من نقل العدوى من خلاله، مما يزيد من سوء حالته النفسية، لذا من المهم التواصل الدائم مع المريض، مع أخذ كل الاحتياطات الوقائية، والاهتمام به وبث الطمأنينة فى نفسه .



وتضيف الدكتورة منى كمال، أن الدراسات الاجتماعية تشير إلى أن استمرار الوباء لفترة طويلة، من المؤكد أنه سيؤثر بشكل كبير على طبيعة العلاقات الاجتماعية والأسرية، وأن إجراءات التباعد الاجتماعى للوقاية من الفيروس ساعدت على العلاقات الاجتماعية واعتياد الأشخاص على التباعد بشكل كبير، وكذلك خلق رغبة فى عدم التواصل المباشر، والاعتماد بشكل كبير على وسائل الاتصال فى العلاقات الإنسانية، ورغم أن المصريين من صفاتهم الحميمة السلام بالقبلات والأحضان، إلا أن هذه العادات سوف تختفى نهائيا فى الفترة القادمة، وسيظل هذا الوضع قائما مع انتشار الوباء، وحتى يتم أخذ اللقاحات وتقل حدة انتشار الفيروس، ويجب أن يتكاتف الجميع بمجرد أن ينحسر الوباء من أجل رجوع العلاقات الحميمة بين أفراد الأسرة والعلاقات الإنسانية الوطيدة بين أفراد المجتمع.