عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
جسور جديدة بين مصر ودولتى السودان
1 يناير 2021
د. أمانى الطويل


شهد العام المنتهى درجات من التقارب الإيجابى بين دولتى السودان على المستوى الإستراتيجى الذى يهم الدول الثلاث، وعلى المستوى الثنائى بين مصر وكل من السودان وجنوب السودان.



على المستوى الإستراتيجي، بات الإدراك الثلاثى مشتركا، منطلقا من ذات المنصة، وإلى ذات الهدف بأهمية التنسيق والتعاون فى مواجهة التحديات الإقليمية والمتغيرات العالمية. من هنا، تم إجراء مناورات عسكرية عربية شاركت فيها السودان، وقام الرئيس عبد الفتاح السيسى بزيارة هى الأولى من نوعها من جانب القيادة السياسية المصرية إلى دولة جنوب السودان بعد استقلاله فى يناير 2011.



من هذه الزاوية، تم تشكيل ملفات التنسيق والتعاون بين الدول الثلاث، ولأننا فى العام المنقضية أوقاته، قد واجهنا جميعا تحدى الفيروس القاتل «كوفيدـ19»، فقد أعطت مصر أولوية كبرى لدعم دولتى السودان فى مواجهة هذا التحدي؛ فتم تسيير جسر جوى مصرى إلى كلتا الدولتين بمساعدات طبية لمواجهة الفيروس، كما تم افتتاح توسعة المستشفى المصرى بجنوب السودان، وزيارة وزيرة الصحة المصرية إلى دولتى السودان أكثر من مرة بمعية وفد طبى واسع لتقديم الدعم فى مواجهة الفيروس، ومحاولة تحجيم خسائر الفيضان النيلي. ويمكن القول إن بداية العام كانت مبشرة بين البلدين على المستوى الرسمي؛ فتم الربط الكهربى بين القاهرة والخرطوم.



أما على المستوى الشعبي؛ فقد أظهرت أزمة الفيضان الذى تسبب فى خسائر بالغة للسودان حجم وعمق العلاقات الشعبية للسودان، وذلك إلى حد قول وزير الإعلام والناطق الرسمى باسم الحكومة، فيصل محمد صالح وقتذاك «نحن محاطون بمحبة المصريين». ولعل هذه الأزمة أيضا، وكذلك أزمة الفيروس قد ساهمت فى تحسن فى الإدراك الشبابى السودانى إزاء مصر، وهو الإدراك الذى ساهم نظام الرئيس السابق عمر البشير، وقوى إقليمية أخري، فى تكوين ظلال رمادية بشأنه. فى هذا السياق، ساهمت زيارة رئيس الوزراء المصرى د. مصطفى مدبولى فى دعم التفاهمات المبرمة بين البلدين فى أطر اللجان العليا المشتركة، وذلك فى مختلف ملفات التعاون الاقتصادي، بينما كان إعلان وزير النقل المصرى وجود خطط لربط السكك الحديدية بين البلدين بمثابة نقلة كيفية على المستويين الإستراتيجى والثنائى بين القاهرة والخرطوم.



لقد ساهم وجود وفد من الدعاة السودانيين فى القاهرة مؤخرا برئاسة الوزير الشاب، وزير الشئون الدينية السودانية نصر الدين مفرح، فى ملاحظة حجم المدركات الجديدة، سواء فيما يخص العلاقات الثنائية أو المهددات الإستراتيجية التى تواجه البلدين، وذلك لدى جيل شاب يقود السودان حاليا، ويطرح آفاقا ملهمة، تعرفت عليها فى لقاء جمعنى وإياه فى منزل السفير السودانى بالقاهرة محمد إلياس. الوزير مفرح يطرح مدركات جديدة للتفاهم بين أجيال الشباب فى البلدين، وذلك فى محاولة لخلق مساحات وتفاهمات تلعب دورا لمعالجة الإدراكات الخاطئة على المستويين الدينى والشعبى بين البلدين، وهى الإدراكات التى شكل جزءا منها الفكر الدينى المتطرف خصوصا بالسودان.



كما حرصت القاهرة على بناء علاقات تعاونية مع جنوب السودان، حتى قبل استقلاله عام 2011. وقد دُشن هذا الملف بزيارة من جانب الرئيس الأسبق حسنى مبارك إلى جنوب السودان عام 2008، حيث تراكمت هذه العلاقات التعاونية لتصل قيمتها إلى حوالى 2 مليار دولار، وذلك فى مجالات دعم البنى التحتية، خاصة المجال الصحي، بزيادة عدد وحدات غسيل الكلى من وحدتين إلى ثمانى وحدات، وإرسال وفد طبى لتشغيل مركز الغسيل الكلوى لمدة شهرين اعتباراً من أبريل 2018، وتدريب طاقم طبى جنوب سودانى على تشغيله، فضلا عن إرسال قافلة طبية إلى مدينة واو.



أما على مستوى التعاون المائي، فقام د. محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري، بزيارة لجنوب السودان فى سبتمبر الماضي، وذلك لتفقد سير العمل فى مشروعات محطات الآبار الجوفية، التى تقيمها الوزارة حاليا فى مدينة جوبا لخدمة الأهالى والمواطنين بجنوب السودان، حيث دُعّمت مذكرة تفاهم 2006 ببروتوكول التعاون الفنى بين البلدين في28 مارس 2011، وهو البرتوكول الذى أسفر عن تنفيذ ثلاثة مشروعات بجنوب السودان مع شركة المقاولون العرب بمنحة مصرية قيمتها7.2 مليون دولار، وتشمل المشروعات الثلاثة إنشاء مرسى نهرى فى مدينة بانتيو عاصمة ولاية الوحدة لربط الولاية بولاية غرب بحر الغزال ملاحياً، وتأهيل 3 محطات لقياس المناسيب والتصرفات بحوض بحر الغزال، بالإضافة إلى إنشاء محطة طلمبات على نهر الجور بمدينة واو عاصمة ولاية بحر الغزال لتوفير مياه الشرب.



وقد تعززت العلاقات الثنائية بين مصر وجنوب السودان بتوقيع اتفاقية التعاون الفنى والتنموى فى نوفمبر 2014 بالقاهرة، بحضور رئيسى الدولتين.



فى هذا السياق، تم افتتاح محطة قياس المناسيب والتصرفات بمدينة منجلا الواقعة على بحر الجبل والتى يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1905، حيث تم تأهيلها وتزويدها بأحدث الأجهزة والمعدات لتوفير البيانات والمعلومات للمشروعات التنموية.



فى المجال الزراعى بدأت مصر فى إنشاء مزرعة نموذجية مشتركة على مساحة 200 هكتار، فى موقع ملائم وقريب من مصدر دائم لمياه الرى بجنوب السودان، تقوم على الارتقاء بأساليب البحث والعمل على تحسين الانتاج الزراعى والحيوانى والبيطري، وتدريب الكوادر البشرية على الأنماط الزراعية الحديثة.



وفيما يخص مجالات الطاقة، تسعى مصر لإنشاء سدود توفر مياه الشرب لمواطنى جنوب السودان. وقد طرحت دراسات للجهات الدولية لتمويل إقامة سد متعدد الأغراض فى جنوب السودان بتكلفة 2 مليار دولار، وذلك من أجل توليد الكهرباء وتوفير مياه الشرب لأكثر من 500 ألف نسمة. ويجرى العمل حاليا على تصميم وتخطيط مشروعات توليد الكهرباء من الطاقة المائية، وكذا شبكات كهرباء الريف، بالإضافة إلى تقييم مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، سواء كانت مائية أو رياحا أو شمسية، كما تتضمن مذكرة التفاهم دراسات الربط الكهربى وتخطيط شبكات الجهد العالى والمنخفض، بالإضافة إلى برامج كفاءة الطاقة.



ويبقى أخيرا أن آفاق العلاقات الثلاثية بين كل من مصر ودولتى السودان تحتاج -إلى جانب المجهودات الرسمية- مجهودات شعبية وغير رسمية، سواء من جانب منظمات المجتمع المدنى أو الجامعات، أو الأحزاب والبرلمان الجديد فى مصر الذى من المفترض أن يقود مجهودا رئيسيا فى دعم التقارب الإستراتيجى الثلاثى بين دول وادى النيل شرط أن تتوافر الجدية اللازمة والاستمرارية المطلوبة، وأيضا قراءة جيدة لتاريخ العلاقات حتى يكون الانطلاق المصرى نحو دولتى السودان من منصة إدراك صحيحة تكون إضافة لهذه العلاقات الإستراتيجية وليس خصما منها.