عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
تكريم وحيد حامد «2»
27 ديسمبر 2020
د. جابر عصفور


أعتقد أن المحطات الأساسية التى ترسخت فى وعى وحيد حامد هى التى جعلت منه كاتبًا يتركز انتباهه الأول على الأبعاد السياسية التى تتصل بقضية المحكومين الذين يفتقدون العدل والحرية، ويعانون التسلط السياسى والفساد الاجتماعى والنعرات الدينية المُصاحبة لكل أشكال التعصب الدينى الذى أصبح قناعًا للفساد السياسى، وذلك كله على نحوٍ يبرز الأبعاد الأربعة لرؤية عالمٍ مأزوم يُعانى مشاكل ثقيلة الوطء، عميقة التأثير، فهو عالم يعانى التسلط السياسى على مستوى العلاقة بين الحاكم والمحكوم بقدر ما يعانى الفساد الذى يترتب على هذا الاستبداد وينتشر كالوباء فى طبقات المجتمع المختلفة. ولذلك زادت الأبعاد السياسية الممتزجة بالأبعاد الاجتماعية من وطأة ما حملته السبعينيات من عمليات تديين نشرت التعصب الدينى الذى يتمسح باسم الدين.



كانت هذه الأبعاد الثلاثة للرؤية تتضافر مع بُعدٍ رابع يلازمها باستمرار فى كل أعمال وحيد حامد، وهو البُعد الإنسانى الذى يكشف عن العام فى الخاص، وعن الإنسانى فى المحلى، وعن العالمى فى التكوينات الاجتماعية على كل مستوى من مستويات الأحداث التى ناوشتها أعمال وحيد حامد فى كل مجال من المجالات الإبداعية التى اقتحمها سواء فى السينما أو التليفزيون أو الإذاعة أو غير ذلك من وسائل الإبداع والتعبير. وقد كان فى البنية الدرامية الرباعية لأعماله دائمًا ما يغوص فى عمق الواقع ليصل من خلال آنِــيَّــتِهِ إلى ديمومته، ومن خلال طابعه المحلى إلى طابعه الكونى، ومن خلال متغيراته إلى ثوابته. ومن هنا تكتمل رباعية الرؤية السياسية والاجتماعية والدينية والإنسانية لعالمه، وهى رؤية عالمٍ يتمزق بين نقائضه، ويتقلب فى جمر تخلفه، ولا يفارق مأساة تمزقه مع عناصره التى تشده إلى التخلف والانكسار شدًّا.



وبقدر ما أصبح وحيد حامد نصيرًا للفقراء مدافعًا عنهم فى أعماله، فإنه أصبح مُدافعًا عن إنسانية الإنسان وكرامته وحريته لكى يكون الإنسان إنسانًا بحق فى وطنٍ حُر ترفرف عليه أعلام الحداثة، ورايات الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. هكذا اكتملت رؤية وحيد حامد عبر مسلسلات تليفزيونية، وأفلام عديدة، وأعمال إذاعية درامية، وغير ذلك من الأعمال التى تُدخل وحيد حامد من أوسع أبواب النجاح، وتضعه فى مكانة لا تقل عن مكانة يوسف إدريس فى القصة القصيرة. فنحن إذا تحدثنا عن أهم كتّاب الدراما التليفزيونية فى عصرنا لن نجد إلى جانب أسامة أنور عكاشة سوى وحيد حامد، وإذا تحدثنا عن أهم الأفلام والمسلسلات التى واجهت الإرهاب الدينى بشجاعة، لن نجد أكثر حسمًا وجذرية من أعمال وحيد حامد فى مسلسل: الجماعة وأفلام مثل: طيور الظلام والإرهابى وغير ذلك كثير. إن وحيد حامد موهبة نادرة، منحه الله القدرة على إبداع الأعمال الفنية، وعلى الكتابة لتجسيد المواقف الشجاعة التى تميز الحق من الباطل لتقف دائمًا مع مستقبل مصر.



ولا أريد أن أستعرض أعمال وحيد حامد السينمائية التى تجاوزت أربعين عملًا، أو أعماله فى الدراما التليفزيونية التى قد تقترب من عشرين عملا أهمها مسلسل «الجماعة» الذى حكى فيه تاريخ تشكل حركة الإخوان فى علاقاتها السياسية والاجتماعية والدينية التى انطوت على التعصب الذى يصوغ قناعًا برّاقًا يخفى وراءه المطامع السياسية والنزعات الإرهابية لهذه الجماعة. وفى موازاة ذلك الدراما الإذاعية ابتداء من: شياطين الليل وليس انتهاء بـــ: عبده كاراتيه، أضف إلى ذلك السباعيات والخماسيات التليفزيونية التى تبدأ من: العوم على رمل ساخن وتنتهى بـــ: الناس سنة 2000. ولن أنسى أعماله المسرحية التى تبدأ من: آه يا بلد (1971) وتختتم بـــ: جحا يحكم المدينة. وطوال تلك الأعوام التى تابع الناس فيها هذه الأعمال لوحيد حامد ظهر إبداعه الذى ينتقل من القلم إلى التشكيل بالبشر النموذجيين، أو الناس الذين يجاوزون قريته إلى الوطن كله، بل إلى الإنسانية جمعاء. وكان وحيد فى كل هذه الأعمال صريحًا إلى أبعد حد، حريصًا على إبراز القيم الإنسانية التى تتشكل حولها رؤيته للعالم، خصوصًا فى بحثه عن الحرية والعدل والتسامح والمساواة بين البشر. ولذلك هاجم ظلم الأثرياء للفقراء، كما هاجم ظلم الحكومات المُستبدة لأبناء الشعب، ووقف بالمرصاد لكل ما يؤذى المواطنين المصريين، وكشف بشجاعةٍ فائقةٍ عن الأخطار التى تهدد المجتمع المصرى الذى آمن به، وانتمى إلى فقرائه ومظلوميه على وجه التحديد. ولذلك كان لا بد أن يقف فى وجه الظَّلمة، وأن يكشف عن مخاطر اللعب مع الكبار وعن حق المرأة فى أن تكون مساوية للرجل، وعن التسامح الدينى الذى يجعل من الإسلام دينًا إنسانيًّا، وعن القيم التى لا بد أن يشيعها الرجال المحترمون، ويكشف أقنعة الوزراء الزائفين وبنات إبليس باحثًا عن رجال لهذا الزمان، فاتحًا كل الملفات المغلقة، كاشفًا عن المستور، موقظًا النائمين فى العسل. وفى ثنايا ذلك كله كان ملتزمًا بما يرتقى بوطنه لكى يحقق كل أحلام الحرية والعدل والكرامة الإنسانية والحياة المحترمة لكل الناس، وكانت تلك أهداف أساسية لديه لا يتميز فيها الرجل عن المرأة ولا المرأة عن الرجل، وهذا هو معنى فعل الأمر فى صيغة الفعل «احكى يا شهر زاد». وكان فى أفلامه ودراماته أشبه بضمير الأمة، يعوم بين أمواج متلاطمة، ومع ذلك استطاع أن يواصل العوم ويوصل صوته للناس.



ولا أظن أن رؤية عالم وحيد حامد قد اكتملت بكل هذه الزوايا والأركان، فعالمه الرحب لا يزال مُمتدًا أمامه، والزوايا الأربع التى يتشكل بها بناء عالمه لا تزال محتاجة إلى سد ثغراتها الناقصة التى تبدو هنا أو هناك، لكن المؤكد أن ما أنجزه وحيد حامد إنما هو إنجاز استثنائى بكل معنى الكلمة. وأتيقن أنه قد أدى دوره الاجتماعى والوطنى والدينى على نحوٍ يشبه الكمال، ولذلك أدعو الله مُخلصًا أن يمد فى عمره وفى عمرى كى أراه يتم المهمة، ويستكمل صياغة ما بقى من أحلامه على أرض الواقع فى عهدٍ نتطلع فيه إلى أن تكتمل أحلامنا عن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والمساواة بين الجميع فى دولةٍ مدنيةٍ ديمقراطيةٍ حديثة.