عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
حكايتى مع أم كلثوم... كانت حكاية حزينة!
12 ديسمبر 2020
عزت السعدنى


هذه البلبلة الصداحة التى اسمها أم كلثوم التى أسعدت الدنيا بحالها ومحتالها بفرحها، وسعدها، ونكدها، وهمها، وحلقت بصوتها بقلوب ووجدان كل العاشقين على الأرض الذين سعدوا وحلقوا مع أغانيها إلى السماء السابعة ..وهو تعبير كنا نردده ليل نهار عندما نحب مع شدو أم كلثوم الذى كانت تغير منه وتحسدها عليه البلابل على الشجر.



كنا نشعر أيامها أننا مع شدو وتغريد أم كلثوم نحب أكثر.. وأننا أول العاشقين على هذه الأرض .. ولن نكون آخرهم.. رغم كيد الحاسدين.



 






هذه البلبلة الصداحة التى سعدت بصوتها وشدوها وكيانها كله الملايين فى العواصم العربية والعالمية.. وأنا شخصيا شاهدت الجماهير العربية فى فرنسا ترتمى أمام أقدامها بعد أن أنهت وصلتها الغنائية فى باريس لصالح المجهود الحربى المصرى... حباً وامتناناً وعرفاناً بالبلبلة المصرية الصداحة التى سافرت تطوعا إلى عواصم الدنيا.. لكى تسهم بصوتها وشدوها الشجى لكى تنتصر مصر، وتصلب طولها وتقول للدنيا كلها: نحن هنا..



هذه القيثارة التى لم تتوقف ساعة زمان واحدة عن العزف ..وهذه البلبلة الصداحة التى حسدتها بلابل الدنيا بحالها ..فسكتت مختارة عن الشدو والعزف والرنين.. بعد ان سمعت صوت أم كلثوم .. وإذا لم تصدقونى اسألوا أنتم البلابل والعصافير نفسها: لماذا سكتت عن الشدو بعد أن سمعت شدو أم كلثوم؟



***



ولكن هذه البلبلة شادية الألحان التى أسعدت الدنيا بحالها . كانت حكايتها معى.. أنا ــ ربما دون البشر أجمعين ــ حكاية حزينة.



اسمعكم تسألون: لماذا أرفقت الحزن بالشدو الجميل.. وهما لايجتمعان أبدا فى الحقيقة؟



ولماذا كانت حكايتك أنت بالذات مع كوكب الشرق... حكاية حزينة.. كما تقول انت؟



قبل أن احكى الحكاية اسمحوا لى أن أكتب هذه الجملة للتصحيح فقط.. كانت نهايتها فقط.. هى الحزينة!



***



اسمعكم تسألون: احكى لنا: «ياصاح» وهى كلمة عربية تعنى الصاحب أو الصديق.. حكايتك مع أم كلثوم أولا..ثم لماذا أصبحت هذه الحكاية فى نهايتها قصة حزينة؟



وأقول وأرجو ممن يعرف أكثر ان يصحح لى هفواتى وأخطائى التاريخية منها والصحفية: كنت يادوب عائدا من رحلة صحفية مضنية وطويلة فى الأراضى الليبية.. بتكليف من «الجورنالجى الأول» فى العصر الحديث للصحافة المصرية.. الذى جلس فيه على كرسى رئيس تحرير الأهرام الذى اسمه محمد حسنين هيكل .. لكى نحقق رغبة الزعيم الليبى معمر القذافى وصديق الجورنالجى الأول محمد حسنين هيكل.. بانشاء صحف ليبية على غرار الصحف المصرية...وقد وقع الاختيار على الزملاء: يحيى التكلى + محمود أحمد + رجاء عزيز + الخطاط العربى العظيم حمام.. لإنشاء جريدة الرائد اليومية فى طرابلس + عزت السعدنى الذى هو أنا لإنشاء جريدة الطليعة فى طرابلس أيضا..



وذهبنا واشتغلنا وتعبنا حقا وصدقاً ويقيناً.



وخرجت الرائد اليومية + الطليعة الأسبوعية كأحسن مايكون العمل الصحفى ..ولكن بعد نحو سنة ونصف السنة بعد أن أدينا واجبنا كاملا.. قلنا للأخ معمر القذافى صراحة لقد وحشتنا مصر .. ووحشنا الأهرام وعلينا ان نعود إلى ديارنا..



وسألنا القذافى فى حضور الأخ والصديق عبدالسلام جلود: هل تركتم خلفكم من يتولى المهمة.. من بعدكم وهل ربيتم جيلا من الشباب الليبى يقود المركب الصحفى التنويرى من بعدكم؟



قال له العزيز محمود أحمد والعزيز يحيى التكلى: لقد تركنا جريدة الرائد على أحسن مايكون .. اطمئن يازعيم؟



أما أنا فقد قلت للأخ عبدالسلام جلود أحد قادة ثورة سبتمبر الليبية كل شىء فى جريدة الطليعة لصاحبها سالم شيته على مايرام؟



وتركنا ليبيا كلنا.. كل ذهب من حيث أتى..إلى داره الصحفية



أما أنا .. فقد ذهبت وحدى إلى مبنى الأهرام الحالى فى شارع الجلاء وطلبت من العزيزة الغالية نوال المحلاوى مديرة مكتب الأستاذ أن أقابل الأستاذ...



والاستاذ هنا هو بالطبع الجورنالجى الأول الذى اسمه محمد حسنين هيكل .



وتأملنى الأستاذ.. وأنا جالس امامه فى مكتبه.. ونظر فى عينى وقرأ كل ما يدور فى رأسى وعن أفكار عن لحظة زمان واحدة وسألنى انت عاوز ترجع الأهرام ياعزت؟



قلت له: أيوه يافندم الأهرام ده بيتي!



قال: ترجع بعد أد إيه ياعزت؟



قلت له: بعد أسبوع واحد ؟



قال لى: قدامك خمستاشر يوم لو اتأخرت يوم واحد عن الرجوع ..موش هاقبلك؟.



***



ورجعت إلى طرابلس بالطائرة.. وعدت أيضا بالطائرة بعد أسبوع واحد.. لأجد مكتبى القديم فى انتظارى فى حجرة التحقيقات الصحفية مع الزملاء عبدالوهاب مطاوع + محمد زايد + العزيزة نادية عبدالحميد + العزيزة بهيرة مختار.. فى انتظارى..



***



أما حكايتى فقد ظهرت مع أم كلثوم.. على مدارى الصحفى. عندما طلب المجتمعون فى اجتماع الساعة 12 أن يجرى الأهرام حديثاً مع أم كلثوم.. قال الاستاذ: عزت يروح يعمل الحديث؟



وذهبت إلى سيدة الغناء العربى وعقدت معها فى بيتها فى الزمالك عدة جلسات حضر جانبا منها العزيز رياض السنباطى + العزيز محمد القصبجى + العزيز زكريا أحمد الذى شاهدت صورته فى شبابى مع صورة محمد القصبجى معلقتان مع صورة أم كلثوم .. بوصفه أحسن عازف عود + صورة فنان الشعب سيد درويش معلقة على جدران مسرح البولشوى فى موسكو عندما ذهبت إلى هناك فى أسبوع شباب الجامعات لأننى كنت أيامها ياسبحان الله بطل الجامعة فى العدو.. ورقمى أيامها فى سباق الـ 100 متر مازلت اذكره وهو 11٫17 ثانية!



ياسلام على الدنيا.. والعبارة الأخيرة لى أنا!



***



وجلسنا معا: أم كلثوم وأنا عدة جلسات فى كل مرة استمر اللقاء نحو ساعة ونصف الساعة على الأقل واتفقنا على إلا أنشر الحديث إلا بعد أن نقرأه معا أم كلثوم وأنا..



وذهبت فى صباح يوم الثالث من فبراير من عام 1975 إلى بيتها فى الزمالك فى السابعة صباحا.. لكى نقرأ معا حديثى معها حيث رغبتها هى.. ولكن خرج إلى خادمها باكيا منتحبا ليقول لى ثلاث كلمات: البقية فى حياتك.



قلت له مذهولا: بتقول إيه؟



قال لى باكيا: أمر الله نفذ يا أستاذ.. البقية فى حياتك؟



قلت: ليس حياتى أنا وحدى.. ولكن معى مصر والأمة العربية كلها!



***



وأصبح السؤال: هل أنشر حديثها وهى لم تقرأه معى وتعرف كل ما فيه حسب وصيتها لى حتى نقرأه معا .. كلمة كلمة وحرفا حرف..



ولم أجد أمامى إلا صديقنا العزيز وعمنا وتاج رأسنا الشيخ محمد متولى الشعراوى.



ذهبت إليه فى خلوته التى أعرفها فى الحسين وقلت له كل ما دار بينى وبين سيدة الغناء العربى..



سكت هنيهة ثم قال: وصية الميت دين فى رقبة العبد.. وهى صاحبة الشأن وهى لم تقرأ ماكتبته عنها قبل النشر؟



قلت له: نعم.



قال بعد هنيهة تفكير: وصية الميت دين فى رقبتك ياعم عزت إلى يوم الدين؟



قلت له: يعنى إيه؟



قال بحزم: مايهمنا هنا معنى واحد فقط ..هو عدم نشر الحديث حسب وصيتها ووصية الميت دين فى عنقك.. ياعم عزت إلى يوم الدين!



وقد كان.. ومازال حديثى مع أم كلثوم حبيس درج مكتبى إلى يوم يبعثون!



ألم أقول لكم يارفاقى من البداية ..إن حكايتى مع أم كلثوم كانت حكاية حزينة؟



 



 انتهى حديث عمنا ومولانا الشيخ محمد متولى الشعراوى قطب الإسلام الأوحد ورفيق درب كل مسلم وكل مؤمن وكل موحد بالله الواحد الأحد.. ووضعنا حديث كوكب الشرق فى درج مكتبى إلى يوم الدين.



ولكن لم ينته حوارى معه الذى كنت حريصا عليه.. كلما شعرت أن الدنيا من حولى قد ضاقت واستحكمت حلقاتها حول رقبتى وراحت تحسب عليّ حتى عدد دقات قلبى وتردد أنفاسى فى صدرى مع كل هم ومع كل مُلِمَّةْ ـ برفع الميم وكسر اللام وتشديد الميم وسكون التاء ـ لم أكن أحسب حسابها.. وهل هناك هم أو «ملمة».. يوجع الصدر ويدمى الفؤاد.. فؤاد أمة بحالها لا حدود لها، لسانها عربى وكتابها القرآن ودينها الاسلام.



صلينا ركعتين شكرا لله وحمدا له.. فصلى الامام وأنا خلفه..



بعد أن سلمنا.. جلسنا فى نفس الركن الذى يجلس فيه دائما يدعو ويبتهل إلى الله..



بعد الابتهال والدعاء.. سألت مولانا وسيدنا وإمامنا سؤالا يحيرنى دائما: ما الذى يأخذه الانسان من الدنيا؟



قال: هناك ثلاثة أشياء: المال والصحة وراحة البال.. ونصيب الانسان منا فى هذه الدنيا اثنين من الثلاثة.. يعنى لايمكن الجمع بين الثلاثة أبدا.. لابد أن تكون هناك حلقة مفقودة إذا حصل على المال والصحة.. ضاعت راحة البال.. وإذا حصل على الصحة وراحة البال.. ضاع المال..



سأحدثك عما جرى لى يوما قالوا لى: لقد اختارك الرئيس وزيرا للأوقاف فى الوزارة الجديدة.. وإذا بتليفون مكتبى يدق.. الحق الست بتاعتك مريضة!



سألته: وماذا قلت ساعتها؟



قال الشيخ الشعراوى: قلت جت فيكى يا أم الأولاد!