قمة العشرين.. والفرصة الضائعة
عقدت مجموعة العشرين، يومى السبت والأحد، اجتماعا افتراضيا برئاسة المملكة العربية السعودية.وهذه هى المرة الأولى التى يستضيف فيها بلد عربى هذه القمة. وقد قدمت المملكة نموذجا اقتصاديا وتعاونيا مشرفا جدا. وقامت بإعداد برنامج شامل، يعبر عن القضايا الملحة التى تتطلب التكاتف العالمى للتغيير الإيجابى، وخدمة الشعوب من خلال تقديم نتائج ملموسة. وركز عمل قمة مجموعة العشرين على ثلاثة محاور، هي: تمكين الإنسان، والحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة.
بالإضافة الى رغبتها فى التوصل الى نتائج كبيرة، كانت السعودية تسعى من خلال هذه القمة الى جذب أنظار العالم إلى الإصلاحات المهمة التى أطلقها ولى العهد الأمير محمد بن سلمان لتحقيق الانفتاح فى المملكة وتنويع الاقتصاد. لكن ما فرضته جائحة كوفيد-19 من قيود، جعلت الاجتماع افتراضيا، وضيعت الفرصة امام المملكة من أجل إبراز ما كانت تعد له منذ فترة، لكن فى المقابل جعلها تستعرض جداول الأعمال الرقمية الطموحة للسعودية ومبادراتها التى ترتكز على التكنولوجيا. فيما يتعلق بظروف انعقاد هذه القمة، فهى تأتى فى خضم الأزمة الصحية والاقتصادية التى يمر بها العالم جراء جائحة كوفيد-19.
هذا يجعل النسخة الحالية تشبه إلى حد كبير النسخة الأولى التى تم عقدها فى أواخر نوفمبر 2008، حيث كانت أمريكاغارقة فى أزمة الرهن العقاري، ومنها انتقلت الأزمة المالية الى أوروبا وبقية العالم. وبما أن الجائحة فرضت آثارها الكبرى على كل العالم، فقد كان التحدى الأهم فى هذا الاجتماع يتمثل فى الكيفية التى سوف تعمل بها مجموعة اكبر 20 اقتصادا فى العالم من أجل حماية الاقتصادات، والاهم كيف يمكنها حماية الإنسان، خاصة بعدما قاربت وفيات كورونا على 1.4 مليون شخص فى جميع انحاء العالم.
بهذا الخصوص، أكد الرؤساء ورؤساء حكومات المجموعة أنهم يدعمون بالكامل الآليات التى وضعتها منظمة الصحة العالمية لضمان ألا تستفيد من اللقاحات فقط الدول الأغنى. وتعهد أعضاء المجموعة بسد احتياجات التمويل التى لاتزال قائمة، وتعهدوا بعدم ادخار أى جهد لضمان التوزيع العادل للقاحات فى جميع أنحاء العالم ودعم البلدان الفقيرة التى دمرت اقتصاداتها بسبب الأزمة. وقد قدرت التزامات دول المجموعة بأكثر من 21 مليار دولار أمريكى بهدف دعم إنتاج الأدوات التشخيصية والعلاجية واللقاحات وتوزيعها وإتاحتها، كما قامت بضخ أكثر من 11 تريليون دولار لدعم الاقتصاد العالمي.
مع كل هذه الأرقام، وبالنظر الى النتائج الفعلية للاجتماع، فقد أصيب العديد بالإحباط وخيبة الأمل من مخرجات الاجتماع التى لم تكن عند المستوى المطلوب فى هذه المحطة التاريخية غير المسبوقة. من ناحية، فيما يتعلق بالتوزيع العادل للقاح، هناك مخاوف من أن الاتفاقات المباشرة بين بعض البلدان وشركات الأدوية قد سمحت بالفعل باحتكار معظم إمدادات اللقاحات العالمية.
من ناحية أخرى، لم تأت مجموعة الـ20 بأى جديد يذكر ولا بأى استثمارات جديدة او تمويل خاص، علما بأن الأمم المتحدة تقول إنها فى حاجة وبشكل طارئ الى 4.5 مليار دولار، يتم وضعها تحت تصرف منظمة الصحة العالمية، من اجل ضمان وصول عادل للقاح. ومع ذلك لم يعبر المشاركون فى القمة عن أى التزام صريح بخصوص هذا المبلغ. فيما يتعلق بأزمة الاقتصادات المتضررة من جراء الوباء والتى تشكل مشكلة كبيرة، تعهدت مجموعة العشرين بتعليق تنفيذ سداد ديون أفقر البلدان حتى يونيو 2021 للسماح لها بتركيز إنفاقها على الرعاية الصحية.
كانت تمثل هذه القمة، فى ظل الظرفية العالمية الاقتصادية والصحية التى تعقد فيها، فرصة حقيقية من أجل تعاون دولى حقيقي، إلا أنه يمكن القول إن هذه الفرصة كانت ضائعة للتصدى لأكبر التحديات التى يواجهها العالم الآن.ربما حالت عدة عوامل دون ان تحقق هذه القمة النتائج المتوقعة منها. أولا، كان سقف التطلعات مرتفعا جدا بالنظر للظروف التى يمر بها العالم أجمع والتى تستلزم تعاونا اكبر ووضوحا اكثر. ثانيا، كون القمة انعقدت افتراضيا، أبعدها عن الحيوية والعفوية التى تميزها عادة، مع استمرار العديد من المناقشات خلف الكواليس. ثالثا، تمثيل أمريكا من طرف رئيس خسر مؤخرا معركة الانتخابات، جعل حضورها باهتا. بالنهاية، رغم أن الدول المشاركة تعتبر من اقوى الاقتصادات، وتمتلك أكبر الثروات والاحتياطات، وتتوافر على أفضل الخبرات والمختبرات، ولديها جميع الإمكانيات، فإن ازمة كوفيد-19 جعلتنا نقتنع أخيرا أن هذه الدول ليست فقط فى معزل عما يمكن ان يصيب العالم من هزات غير متوقعة وخارج كل الحسابات، بل وأيضا هى لا تمتلك مفاتيح كل المشكلات، وليس لها حلول آنية لكل الازمات. والأهم انها فوتت فرصة تاريخية كان يمكن خلالها اتخاذ قرارات تحسب لها وليس عليها.