عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
أمريكا وتصحيح خطأ تاريخى مع الإخوان
16 نوفمبر 2020
هشام النجار


اختلف التعاطى مع التنظيمات الإرهابية والقوى التى تمولها، لأن الدول العربية بنت تقديراتها واختياراتها تأسيسًا على معرفة كاملة وشاملة بتاريخ تلك التيارات وطبيعة أهدافها، بينما وضح متأخرًا لصانع القرار بدول أوروبا أن جماعة الإخوان وتنظيمها الدولى بقيادة أردوغان وبتمويل قطرى يسعون ليس فقط للهيمنة على الشرق الأوسط بل لتأسيس خلافة عالمية تطال الفضاء الأمريكى والأوروبى قوامها العثمانيون الجدد والمتأسلمون العرب. ارتداد خطط توظيف جماعة الإخوان التى تبناها باراك أوباما لتمثل خطرًا على المجتمع الأمريكى نفسه، من خلال النفاذ داخل الهيئات الأمريكية لتعزيز نفوذ الجماعة وتبنى برامج غرضها إخضاع المجتمع الأمريكى لتصوراتها، نقل المعركة إلى العمق الأمريكى كما يجرى بأوروبا، وهو ما يحمل أى إدارة جديدة مسئولية إنقاذ المجتمع والمؤسسات الأمريكية من الاختراق الإخوانى الخادم لمشاريع طائفية.



نعم تضررت منطقتنا نتيجة ضغط أمريكا ليس فقط لقبول جماعة الإخوان بل تصعيدها للسلطة بالدول العربية خاصة خلال إدارة أوباما، متوهمة أن تمكين الإخوان ضمانة ضد انتشار التطرف وأن الجماعة تحت قيادة أردوغان من الممكن أن تلعب دورًا فى الملفات الإقليمية فحدث ما يعرفه الجميع، لكن لأننا نعرف جيدًا خدع وألاعيب تلك الكيانات فى الماضى والحاضر فغالبية مجتمعاتنا رفضتها وثارت ضدها وتعيد حاليًا بناء نموذجها الوطنى المدني، أما الخطر الآن ففى قلب أمريكا وأوروبا بعد أن كون الإخوان والعثمانيون الجدد حلفًا تكفيريًا ثأريًا مناهضًا للحضارات القائمة، ساعيا للانتقام ممن خذل خليفة الإخوان المزعوم.



لغة الدراما والفنون أقرب لفهم القصة التى بدأها أردوغان مروجًا، وفق خطة خداع مزرية، النموذج العلمانى المنفتح على الحريات والقيم التى حملتها المسلسلات التركية المتحررة والدعاة الأتراك المتساهلين حيال الواجبات الشرعية، وطارحًا نموذجا يخلط بين السلوكيات الدينية المحافظة والممارسات المتحررة مثل العلاقات الجنسية خارج الزواج وشرب الكحول وغيرها، والهدف هو الترويج لحزبه (العدالة والتنمية) بوصفه محافظا ليبراليًا معتدلًا، غير معادٍ للغرب يتبنى رأسمالية السوق، نافيًا عن نفسه أن يكون حزبًا إسلاميًا، وهو ما وضح فى مسلسل «نور» وما تلاه من مسلسلات مثل العشق الممنوع وفاطمة وتمضى الأيام وسنوات الضياع وميرنا وخليل ..الخ. توهمت إدارة أوباما وسعت لإيهام العالم بأن حزبًا تركيًا يصف نفسه بأنه ديمقراطى محافظ على الرغم من مرجعيته الإخوانية المستقاة من أدبيات منظرى الإخوان التكفيريين، وفى مقدمتهم سيد قطب وشقيقه، قادر على إصلاح نسخته الأيديولوجية العربية المتمثلة فى جماعة الإخوان المصرية التى هى أصل الإرهاب ومنبعه، وعندما فضحت الأحداث الخدعة نزع الرئيس التركى والإخوان رداء النموذج الليبرالى المنفتح على القيم الغربية ليظهر الأصل على حقيقته مروجًا التطرف وكراهية الغرب، مستوحيًا ماضيه العثمانى الاستعلائي، ومنتجًا أدوات المرحلة الجديدة مثل مسلسل قيامة أرطغرل ووادى الذئاب، مرورًا بـجناق قلعة وصولًا إلى عاصمة عبدالحميد، بغرض ترسيخ صورة الغرب كعدو يصنع المكائد للأتراك والمسلمين منذ نشأة الإمبراطورية العثمانية وتسويق أردوغان بوصفه القائد الأوحد الذى يتصدى لأكبر دول العالم فى محاولته لإعادة الخلافة من جديد. لم تخدع مسلسلات أردوغان المسلمين العرب ولم تصنع أثرها المخطط له وظلت فى حدود تسلية بعض ربات البيوت ومستهلكى الدراما لتمضية الوقت، لكن الخدعة انطلت حتى على مؤسسات ومراكز أبحاث أمريكية وغربية لدرجة اعتبار جماعة الإخوان ممثل الإسلام المعتدل وحائط الصد لمواجهة الإرهابيين، وفق معادلة الكاتب دانيال بايبس ودراسات معهدى راند والسلام، وهو ما استندت إليه الاستخبارات الغربية والأمريكية التى تعاونت مع الإخوان تحت وهم وصفها بالقوة الشعبية الأكثر تأثيرًا.



المعرفة الشاملة بتاريخ وأهداف جماعة الإخوان والعثمانيين ومن يسعون لبعث إرثهم البغيض مكنت الشعوب العربية بمساندة جيوشها من التحرر من تلك المشاريع، ولكى تتحرر منها أمريكا وتنقذ مجتمعها قبل فوات الأوان عليها أن تدرك جملة من الحقائق الأولية: وهى إن الدين الإسلامى لا تمثله ولا تعبر عنه الجماعات الراديكالية التى لديها القدرة على بث الانقسام والكراهية والفتن داخل المجتمعات بما يجعلها مهيأة فى أى وقت للدخول فى حرب أهلية، إنما تمثله وتعبر عنه غالبية الشعوب العربية والإسلامية المؤمنة بالإسلام المتسامح المنفتح المشارك والساعى للسلام والتعايش. وإن العرب المنتمين لجماعة الإخوان الذين يوظفهم أردوغان بمشروعه لا يمثلون المسلمين بل هم قلة تم التغرير بها على طريقة زج العثمانيين قديمًا بعشرات الآلاف من العرب فى معارك الحرب العالمية الأولى وفى الدفاع عن غاليبولى بموقعة جناق قلعة التى يفاخر بها أردوغان فى فيلمه المزيف. وإن جماعة الإخوان لا تختلف عن غيرها من الفصائل المنتمية للتيار التكفيرى المسلح فهى أصل هذا النهج ومنبعه، وهى تهندسه وتسوقه وتحدد مهامه المتنوعة وتضمن له التجدد الدائم فى أنحاء العالم، ثم تخطط لجنى الثمار وحدها فى النهاية.