عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
صلوات النور والحياة فى ذكرى مولد الحبيب
1 نوفمبر 2020
د. محمد الخشت


اللهم في ذكرى مولد الحبيب صلي الله عليه وسلم، علمنا من لدنك علما نفهم به أن الصلاة على نبيك صلي الله عليه وسلم ليست لفظا فقط، بل تخلقا بأخلاقه، ولينه وعفوه، ووده ووداده، وقوته المنصفة من أجل الحياة لا من أجل الموت...



اللهم صل وسلم على الحبيب المبعوث رحمة للعالمين.. محبة وإنسانية وتسامحا، فهو الذي علمنا الإيمان بالحياة كنعمة إلهية للجميع، وأن التنوع بين الحضارات والأمم لا يشكل تهديدًا، وإنما هو سنة كونية، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)؛ وهو صلي الله عليه وسلم الذي دعا إلى تغيير طريقة تفكير الناس، من أجل أن يتقبلوا فكرة التنوع. ومن ثم يجب تغيير عقول أولئك الذين يعتقدون (لأننا مختلفون يجب أن نكون أعداءً)!.



اللهم اجعل المسلمين من قوى التعارف لا الانفصال، وقوى التواصل لا الانعزال، وقوى الانفتاح لا الانغلاق؛ فالحبيب صلي الله عليه وسلم هو الذي أكد ضرورة الاختلاف النمطي، وإلى حتمية وجوده حتى يتمكّن كل فرد وكل مجتمع من العيش حسب ما لديه من إرادة وحرية واختيار وبالطريقة التي يرتضيها طالما لا يضر الآخرين (ولو شاء ربّك لجعل الناس أُمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين)؛ فالاختلاف قانون إلهي في خلق الناس. ولو عاد الحبيب صلي الله عليه وسلم لأظهر لنا أنه لابد من إعادة بناء الأفكار حول السلام والتعايش الإيجابي بين العالم الإسلامي وغيره من الشعوب, فلن يتجاوز العالم المعاصر أزماته، ويترك الجانب الخطأ من التاريخ، دون حوار جاد للحضارات, لأن الغاية من اختلاف الناس إلى شعوب وقبائل وتنوعهم إلى ثقافات ومَدَنيات إنما هو التعارف الذي أكده الكتاب المبين في آيته الخالدة المحكمة (لتعارفوا).



اللهم بصر العالمين بالفرق بين الإسلام والمسلمين، فقد تحمل الإسلام أحكاما جائرة عليه وعلى نبيه الكريم صلي الله عليه وسلم بسبب المغالطات المعرفية التي تخلط بين الإسلام والمسلمين, فالإسلام هو الدين قرآنا وسنة صحيحة فقط، ولا أحد يتحدث عن الله تعالى إلا مبلغ الرسالة. ومن أسف - يا ربي- قد خلط الناس في أغلبهم بين الإسلام والمسلمين وعدّوا تاريخ المسلمين هو تاريخ الإسلام، سواء في قوتهم أو ضعفهم، وسواء في تقدمهم أو تخلفهم، وسواء في التزامهم بالإسلام أو عدم التزامهم. وتسبب هذا الخلط وتلك المغالطة في إساءة فهم الآخرين للإسلام ونبيه صلي الله عليه وسلم، فكلما أخطأ المسلمون ظن الآخرون أن هذا خطأ الإسلام. والخطيئة المعرفية الكبرى أن يتحدث البعض عن تاريخ الإسلام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وهو يقص تاريخ البشر، بينما كان يجب عليه أن يتحدث عن تاريخ المسلمين وليس الإسلام. ومن ثم لابد من التمييز بين الدين من ناحية وطريقة فهمه وتطبيقه بواسطة المسلمين من ناحية أخرى، التمييز بين الدين الإلهي والخطاب الديني البشري، فالدين - مرة أخرى- هو الوحي، أما الخطاب الديني فهو ما يفهمه المسلمون من الدين ويتجلى في كتاباتهم وخطبهم وأحاديثهم وينعكس على سلوكهم وطريقة حياتهم. اللهم جدد أمر المسلمين حتى يكونوا جديرين بالإسلام.. إسلام النور والكتاب المبين، إسلام المحبة والإبداع، إسلام التعارف والتواصل والانفتاح، إسلام القوة والعدالة والإنصاف.



اللهم أعن على سد الفجوة الواسعة بين الإسلام والمسلمين، وساعدنا - يارب العالمين- على التخلص من الجمود العلمي والفقهي الذي طالت عصوره، والتخلص من الخطاب الديني الوعظي الإنشائي الفارغ والمنفصل عن تطور العالم وتطور العلوم والثقافات. يارب مددك في نبذ أنماط حياتنا اليومية الرجعية التي لا تأخذ من الحضارة إلا قشورها، واجعلنا من المنتجين للعلوم والتكنولوجيا وليس كالذين يستهلكونها دون إنتاجها. يا رب، مددك للرجوع إلى الطبيعة الأصلية للدين والمقصد الحقيقي الذي دعا إليه الحبيب صلي الله عليه وسلم، وذكرنا بتحذيره صلي الله عليه وسلم من خطر تحول الدين عن أصله إلى شكليات، وخشيته من «البدع» التي تفقد الدين جوهره وتتحول فيه الوسائل إلى غايات، والنوافل إلى فروض، والشكليات إلى جوهريات، والفروع إلى أصول، والعادات الاجتماعية إلى واجبات دينية!



اللهم اجعل المسلمين من قوى الإبداع، لا الجمود، وعلمهم الفرق بين الابتداع والإبداع، فقد حذر الحبيب صلي الله عليه وسلم من «البدع» في مجال العبادات، وليس من «الإبداع الإنساني» في مجال الحياة. ولذا فإنه في الوقت الذي حذر فيه من الأولى، دعا إلى الإبداع في العلوم كلها بما فيها علوم الدين وتجديد فهم المسلمين للدين في جانبه المتعلق بالحياة، حيث بشر بمن يأتي على رأس كل مائة عام مجددا لأمر الدين، أي مجددا للخطاب الديني بغية تخليص فهم الدين من العنصر التاريخي ذي الطابع المؤقت الجزئي والعرضي، مع التدبر والتنقيب لاكتشاف ما هو دائم وكلى وجوهري في الدين، ومع ذلك يتنوع في معناه ليلائم التطور الحادث في ظروف الناس والمجتمع والتاريخ.



اللهم أدبهم بأدب رسولك وتسامحه ومحبته ووده ووداده.



اللهم اجعل نصرتهم لنبيك أدبا وإتقانا ونبلا واجتهادا.



اللهم اجعل نصرهم لدينك علما وعطاء وحضارة وتقدما، لا كلمات جوفاء ولا شعارات رنانة.



اللهم اجعل مواقعهم وأفعالهم إحياء للنفس وزخما للحياة، وتقديسا لثقافة النماء والإنتاج التي تجلت في أخلاقيات الحبيب صلي الله عليه وسلم، أخلاقيات التقدم التي يشعر معها كل إنسان أن أي عمل إيجابي ولو كان صغيرا- سوف يسهم في عملية التنمية والتقدم. يقول الحبيب صلي الله عليه وسلم :«إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها». (رواه البزار، ورجاله أثبات ثقات. الهيثمي، مجمع الزوائد، ج 4/ص 63. والفسيلة هي النخلة الصغيرة تُقطع من الأم أو تقلع من الأرض فتُغرس، وتطلق على أي جزء من النبات يُفصل عنه ويُغرس. وقول النبي صلي الله عليه وسلم : «إماطة الأذى عن الطريق صدقة». رواه البخاري، باب 25 إماطة الأذى، ج 2/ ص 871).



اللهم امدنا بمدد من لدنك يجعلنا نسمي الأفعال بأسمائها الحقيقية، مددا نتخلص به من ثقافة العجز والاستهلاك وانقلاب صفات السلوك واختلط الأسماء والأفعال، وأن نفهم أن الفهلوة ليست ذكاء، وأن السكوت عن الحق ليس من مظاهر الحكمة، وأن التسامح ليس ضعفا، وأن الاحتيال ليس من علامات العبقرية، وأن الضرب تحت الحزام ليس مؤشرا على الفطنة، وأن النفاق ليس قدرة على الاستمرار، وأن التبرير ليس قدرة على التفسير، وأن نهب حقوق الغير ليست شطارة. يارب نفهم أن الكلام عن التطوير دون فعله ليس تطويرا، وأن القدرة على الكلام ليست قدرة على الفعل. يارب نفهم ظاهرة الذين يفشلون في ملفاتهم فيسطون على نجاحات الآخرين، يارب ارزقنا بمن يفهم أن العبرة بالنتائج على الأرض وليست بالعروض التقديمية ولحن القول!



اللهم صل وسلم على رسول الإسلام ونبي السلم والسلام، نبي القوة العادلة والمنصفة.. قوة من أجل الحياة.. قوة من أجل التقدم والحرية والنماء للعالم كله وليست للمسلمين فقط.



اللهم اهدنا «سبل السلام»، اللهم أعد بعث نور العقل والكتاب المبين وأخلاق نبيك من أجل العدالة والرخاء والسلم والسلام، واهدنا واهد من فرقوا دينهم وكانوا شيعا، واهدنا واهد من يدعو لإمام فرقة أو مرشد جماعة أو شيخ يخاتل العوام. اللهم علمنا أن الشمس والقمر هما القرآن والسنة الصحيحة المتواترة، وليست مؤسسة مزعومة أو حزبا فاسدا تروج له عمامة من صنعه.



اللهم يسر لنا العودة للمنابع الصافية للوحي والعقل، وقرب خطانا من نهر الحياة حيث النماء وتغريد طيور العقلانية والتنوع والتعايش، وحيث يصل صوت الجميع إلى رب العالمين الواحد الأحد، الرحمن الرحيم، رب الناس، ملك الناس، إله الناس، الذي تتسع سماؤه للجميع، وتشرق شمسه على كل المخلوقات والألوان والأعراق.



وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.