البيروقراطية .. والطبقات
ناقشنى عدد من الأصدقاء فى خلاصة الاجتهاد المنشور فى 28 سبتمبر الماضى عن كتاب المستشرقين الروسيين إيجور بيليايف وإيفيجينى برياكوف »مصر فى عهد عبد الناصر«. تتلخص هذه الخلاصة فى أن ما سماه المؤلفان طريقًا غير رأسمالى نحو الاشتراكية لم يكن إلا الطريق إلى تكريس رأسمالية الدولة، وصعود طبقة بيروقراطية امتلكت نفوذًا قويًا إلى قمة الهرم الاجتماعى ـ الطبقى. دارت المناقشة بالأساس حول مفهوم الطبقة. فهل يمكن الحديث عن طبقة بيروقراطية بالمعنى العلمى، وكيف توجد طبقة اجتماعية خارج عملية الإنتاج؟ السؤال مهم فى العلم الاجتماعى بوجه عام، وليس فقط فى علم الاجتماع الماركسى الذى انطلق من مؤلفى الكتاب، واستندا إليه فى تحليلهما، من زاوية أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية فى ستينيات القرن الماضى قوضت الرأسمالية التقليدية، وأحلت محلها رأسمالية سلطة الدولة، وخلقت الطبقة البيروقراطية التى أثارت المناقشة المشار إليها. ويثير السؤال عن إمكان وجود طبقة اجتماعية خارج وسائل الإنتاج سؤالين آخرين. أحدهما عن التكوينات الاجتماعية ـ الطبقية فى العصر الرأسمالى، وهل ترتبط كلها بعلاقة مع هذه الوسائل؟. والثانى هل تقتصر تلك التكوينات على الطبقات التى تملك وسائل الإنتاج أو تعمل بأجر فيها؟. تفيد أي نظرة فى التكوينات الاجتماعية الحديثة أنها أكثر تعقيدًا من الصورة النمطية التى اختُزلت فيها أفكار كارل ماركس عن الطبقات إلى بورجوازية وبروليتاريا. وفى هذه التكوينات طبقات لا تدخل فى علاقة مباشرة مع وسائل الإنتاج، وأهمها الطبقة الوسطى بشرائحها المتعددة الدنيا والمتوسطة والأعلى، والتى يكاد كل منها يكون تكوينًا طبقيًا فى حد ذاته. وليست هناك علاقة مباشرة تربط صغار ومتوسطى الموظفين مثلا، أو المهنيين، بوسائل الإنتاج. ولكن توجد علاقة غير مباشرة تختلف أشكالها وتتنوع وفق شرائح هذه الطبقة، وحسب طبيعة عمل كل منها. وقياسًا على ذلك، يجوز الحديث عن طبقة بيروقراطية تربطها بوسائل الإنتاج علاقة أقوى من الطبقة الوسطى. فالطبقة البيروقراطية تسيطر على وسائل الإنتاج بما تملكه من نفوذ سياسى وإدارى يمنحها القدرة على التحكم فيها، بحيث يبدو الأمر فى كثير من الأحيان كما لو أنها تملكها من الناحية الفعلية.