عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
على هامش الطريق
7 أكتوبر 2020
عمـاد رحيـم


حياتنا طرائق مختلفة، نسير بها منذ لحظة الميلاد، وصولاً للأجل، منها ما هو مفروض لا خيار لنا فى اختياره، ومنها ما نسير به وفق قرار صادر بإرادة منفردة، تلك الطرائق السير فيها أشبه بقراءة الكتب. فلكل منا طريقته الخاصة فى قراءة الكتاب، منا من يحبذ أن يسجل ملاحظاته على هامش الكتاب، كلما استوقفه شىء ما، ومنا من يمر بالكتاب مرورا بلا نتيجة، فلا تأثر بالكتاب، ولا ترك أثرا لقارئ تال.



هكذا نحن وطرائقنا، نسير بها أحيانا بشوق ولهفة للوصول لهدف، ومن ثم يتحقق النجاح، أونمر بها مروراً بارداً بلا قيمة و لا معنًى، فينعدم الأثر، ولا أبالغ حينما أقول إن الطرق تتذكر مرتاديها، وتحب من حافظوا عليها، وتركوا بها أثرا طيبا.



إليكم المثال التالى، ولد صغير بدأ فى ارتياد المدرسة، هذا طريق قرره له ولى أمره، ولكن بعد مضى وقت ما، سنجده يعبر الطريق برشاقة وبراعة، ليبدأ فى طريق آخر ، فينهيه، ويبدأ فى آخر، وهكذا، وصولا لمكانة متميزة، يبدع فيها، ومنها يثب درجات، كل درجة تحقق نجاحات مبهرة. هذا الشخص، كانت هوامش طرائقه شاهدة وموثقة لنجاحاته، وليس من قبيل المبالغة حينما أذكر، أن تلك الهوامش تظل راسخة لسنين طويلة تدلل على قيمة و قامة ذلك الشخص، ولنضرب نموذجا باثنين من الأطباء لهما نصيب كبير من الشهرة و البراعة، الأول كلما يخطو خطوة، تكون فى سبيل زيادة رصيد البنك، و الآخر تكون فى سبيل زيادة رصيد حب الناس، ولنا فى طبيب الفقراء عبرة، رحمة الله عليه، فما زال يتلقى دعوات الغلابة، وتصله فى قبره حتى الآن.



ولو شاهدنا مثالا مختلفا، لولد آخر، ارتاد المدرسة، ولم يُوفق، لسبب ما، فلم يكمل طريقه المرسوم له، ليسير فى آخر، فتحقق ذاته ويبرع فى مجال مختلف، ولنا فى أحد أكبر رجال الأعمال فى مصر عبرة، لمن يريد الاعتبار، فقد صنع لنفسه مجدا وخلده وبات تاريخه دروسا وعبرا تتعلم منها الأجيال، فقد كانت هوامش طرائقه منهاجا معتبرا، يمكن أن يكون دليلا عمليا لكيفية تحقيق النجاح، من خلال المثابرة والاجتهاد، فقد كانت كل نقطة عرق بذلها كفيلة بأن تعلو به لأفق أسمى.



أما الولد الثالث، فقد فشل فى عبور الطريق، كما فشل فى اختيار طريق يتحقق فيه وجوده، فأضحى كورقة الشجر الميتة، التى تقودها الرياح وهى بلا حول و لا قوة، هذا المثال، قد يبدو مزعجا، من وجهة نظر ما، ولكن وجهة النظر المقابلة، قد تراه محفزا قويا للابتعاد عنه، لاسيما بعد مشاهدة مصيره المحمل بفشل متكرر.



يخبرنا التاريخ بدلائل لا تحتمل الشك، بأُناس قطعوا طرقا وعرة، وبذلوا من الجهد و العرق، ما لا يحتمله كثير من الآخرين، محققين أحلامهم وذاتهم، منهم من رحل، ومنهم من تسعد الحياة بوجودهم لآثارهم الجميلة.



بائع الفريسكا الشهير «د» إبراهيم عبدالناصر، الطالب النابغ الذى حصل على مجموع كبير جدا فى ثانوية هذا العام، رغم ما يعانيه من ظروف صعبة للغاية، جعلت حصوله على هذا المجموع إنجازا بكل المقاييس، ورغم ذلك بدا للناس مبتسما، واثقا من نفسه، محدداً هدفه، بل إنه أعلن عن التخصص الذى يبغى دراسته فى كلية الطب.



وبعد سبع سنوات أثق أننا سنشاهد خريجا متميزا، لأن فتى بتلك الإمكانيات والإرادة، يملك مفتاح الولوج إلى بوابة القمة، ومن قبله مريم ابنة حارس العقار المحترم التى تخطو بثقة خطوات النجاح فى كلية الطب.



الطرق التى يمكن الإشارة إليها كثيرة ومتنوعة، ليست مرتبطة بالدراسة فقط، ولكنها فى كل مناحى الحياة، الطريق إلى العمل والتدرج فيه وكيفية أدائه مثال.



هل تُخلص فى عملك؟ وكيف تنظر إليه؟ وهل ترى نفسك أضفت للعمل، أم أن العمل أضاف لك، وهل تركت أثرا يمكن أن يستفيد منه غيرك؟



أسئلة كثيرة، ما إن تبدأ فى طرح أحدها حتى يقفز لذهنك آخر وهكذا، ولكن الإجابة عنها ستكون كاشفة عن أمور كثيرة، هل أنجزنا؟ وكيف كان ذلك الإنجاز، وهل يحظى ذلك الإنجاز بالرعاية التى تحافظ عليه؟ ولكن ستظل الحقيقة الراسخة والباقية أمد الحياة، أننا كلنا وبلا استثناء، نسير فى طرق مختلفة، ونسبة ليست بالقليلة منا، تكتب على هامش الطريق، وهى تخطوه دون أن تدرى، ليشاهد تلك الهوامش آخرون يسيرون بالخلف، ومما لاشك فيه أن تلك الهوامش كاشفة لأصحابها.



وهذا يصل بنا إلى نقطة فاصلة، أن على هامش الطريق سطورا من الدروس والتجارب، سيسجلها التاريخ بكل شفافية، فإما أن تكون بازغة وزاهية، فتضع صاحبها فى مكانة متميزة، وإما العكس تماما، تهبط به لدرجة دنيا، فتظل سيرته غير محبوبة.



فالخيار لك، فأنت من تسير بالطريق، سواء كان اختيارك، أو قدرك، وأنت أيضا من تحدد ما تكتبه على هامش الطريق، ليظل حكما عليك وعلى أداءاتك، فلتُحسن حتى يُحسن إليك.