عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الطريق إلى جهنم
29 سبتمبر 2020
فتحـى محمـود


فى نفس اليوم الذى شهد الإعلان رسميا عن فشل عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة واعتذار مصطفى أديب رئيس الوزراء المكلف عن الاستمرار فى مهمته، خرج بعض نشطاء السوشيال ميديا اللبنانيين باقتراح توقيع عريضة إلكترونية موجهة للأمم المتحدة بوضع لبنان تحت الفصل السابع من ميثاقها، وهو ما يذكرنا بالعريضة الالكترونية التى وقعها أكثر من 65 ألف لبنانى عند زيارة الرئيس الفرنسى ماكرون لبيروت عقب انفجار المرفأ، وتطالب بإعادة لبنان إلى وصاية الانتداب الفرنسى، أما الرئيس اللبنانى ميشال عون فلم يجد ردا على صحفية سألته رايحين على فين؟ إلا الإجابة بشكل تلقائى: طبعا على جهنم.



وبغض النظر عن سخرية بعض اللبنانيين من هذا التعبير، باعتبار أنهم لا يعيشون حاليا فى الجنة، فمن الواضح أن الطريق إلى جهنم اصبح مرتبطا بعوامل كثيرة، منها الانتخابات الامريكية، فخلال زيارة ماكرون إلى بيروت أكد البعض أن هناك اتفاقا بين فرنسا وإيران تسمح فيه الأخيرة بإنجاح جهود ماكرون فى المنطقة ومساندة فرنسا لاستعادة دورها التاريخى فى لبنان، مقابل تمسك فرنسا وأوروبا بالاتفاق النووى مع طهران وعدم الانسياق وراء الموقف الامريكى الذى تنصل من الاتفاق واستمر فى فرض مزيد من العقوبات على إيران. واعتقد هذا البعض أن اجتماع ماكرون فى بيروت مع أحد مسئولى حزب الله، وتصريحاته عن التعامل مع الحزب بصفته أحد القوى السياسية اللبنانية، ثم زيارة الرئيس الفرنسى للعراق، هى تأكيد وجود تفاهمات بين باريس وطهران، لكن رفض الثنائى الشيعى (حركة أمل وحزب الله) التجاوب مع محاولة مصطفى أديب تشكيل حكومة خبراء بعيدا عن الكتل السياسية، وتمسكهما بوزارة المالية وبتسمية الوزراء الشيعة فى الحكومة، أظهر أن إيران ليست مستعدة للرهان على فرنسا وإهمال الولايات المتحدة. بل ان إيران لن تغامر بورقة لبنان أو سوريا أو باقى أوراقها فى المنطقة إلا بعد انتهاء الانتخابات الامريكية ومعرفة من هو الرئيس الجديد، دونالد ترامب أم جو بايدن، وعلى ضوء شخصية هذا الرئيس تستطيع طهران اللعب بأوراقها فى الشرق الأوسط بما يكفل لها الحصول على ماتراه المقابل المناسب لهذه الأوراق، وأصحاب هذه الرؤية يتوقعون أن تستمر حكومة تصريف الأعمال فى لبنان برئاسة حسان دياب فى القيام بمهامها حتى ظهور نتائج الانتخابات الامريكية، دون السماح بتشكيل حكومة جديدة، وعلى ضوء هذه النتائج يتوقف رد فعل إيران الذى قد يكون متشددا إذا فاز ترامب بولاية جديدة أو مرنا إذا فاز بايدن.



وفى الوقت نفسه فإن تحالف الثنائى الشيعى مع التيار الوطنى الحر الذى أوصل ميشال عون لرئاسة لبنان مازال صاحب الأغلبية البرلمانية حتى الآن، ورغم أن عون لأول مرة وجه انتقادات لموقف هذا الثنائى من التمسك بوزارة المالية الذى أسهم فى تعثر عملية تشكيل الحكومة، فإن الأمر لم يتجاوز تصريحات عابرة فى مؤتمر صحفى إلى موقف عملى يهدد التحالف، لذلك مازال هذا التحالف مستمرا وبنفس قوته.



لكن الأبرز هو ظهور أصوات متعددة تؤكد أن اتفاق الطائف قد تجاوزه الزمن وتطورات الأوضاع، وتطالب بمؤتمر تأسيسى جديد لنظام الحكم يعبر عن الواقع الحالى، وقد يبدو هذا الطرح فى ظاهره بارقة أمل للوصول إلى نظام سياسى لبنانى يتجاوز الطائفية، ولكنه فى الحقيقة يكرس لمفهوم طائفى جديد، فإذا كان اتفاق الطائف قد اعتمد مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين فى تشكيل مجلس النواب وتوزيع وظائف الدرجة الأولى، فإن الطرح الجديد هدفه الوصول إلى اتفاق مبنى على المثالثة (سنة ـ شيعة ـ مسيحيين) يتم إعادة تشكيل مجلس النواب والوظائف المهمة على اساسه، بدلا من المناصفة، تأسيسا على التوزيع الحالى لعدد السكان. كما أن الطريق إلى جهنم يرتبط ايضا بمدى وسرعة حالة التدهور التى تعانيها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فى لبنان، فالمصرف المركزى أعلن صراحة أن مخزونه من الدولارات قد ينتهى خلال شهرين، وانهيار قيمة الليرة اللبنانية لا يتوقف وبلغ أرقاما غير مسبوقة، ولأن الاقتصاد اللبنانى اعتمد طوال العقود الماضية على السياحة والخدمات وخاصة المصرفية، فإن الانهيار كان سريعا، خاصة مع عدم وجود ركائز اقتصادية قوية فى قطاعات الزراعة والصناعة، وانخفاض تحويلات المغتربين بشكل كبير، مع ارتفاع نسبة التضخم بدرجة غير مسبوقة لدرجة أن التليفزيون الالمانى وصف لبنان بأنه تحول من سويسرا الشرق إلى زيمبابوى الشرق، باعتبار أن زيمبابوى هى صاحبة أكبر نسبة تضخم فى العالم.



لكن المشكلة الأكبر فى الوضع الاقتصادى بعد تعثر تشكيل الحكومة الجديدة، تكمن فى إحجام المجتمع الدولى عن تقديم يد المساعدة إلى لبنان، فمفاوضات حكومة تسيير الاعمال مع صندوق النقد الدولى وصلت إلى طريق مسدود بعد اكتشاف الصندوق تضارب الأرقام المقدمة له من ممثلى المصرف المركزى ووزارة المالية فى المفاوضات معه، مما اضطر الصندوق إلى وقف التفاوض، فضلا عن عجز حكومة حسان دياب عن القيام بأى إصلاحات اقتصادية يطلبها الصندوق. إلى جانب أن عقد أى مؤتمرات جديدة للدول الداعمة للبنان، أو الإفراج عن حزمة المساعدات التى وافق عليها مؤتمر سيدر عام 2018 مشروط بوجود حكومة قادرة على تنفيذ الإجراءات الاقتصادية والمالية التى اشترطها المؤتمر لتقديم المساعدات، وهو أمر يعجز لبنان عن تنفيذه حتى الآن، فالجميع ليس مستعدا لتقديم مساعدات جديدة تضيع وسط عمليات الهدر والفساد وسوء الإدارة والتدخلات الخارجية التى أوصلت الاقتصاد اللبنانى والحياة المعيشية إلى هذه الحالة البائسة. لن يمل ماكرون من إعلان التمسك بدور فرنسى كبير فى لبنان، لكنه يعلم جيدا أن نظرات فيروز ودموع ماجدة الرومى واستجداءات بعض اللبنانيين له فى الشارع، لا قيمة لها، لأن الحل الواقعى قد يكون فى عواصم أخرى غير بيروت.