أوروبا.. ملكيات فى مواجهة الانقسام
لماذا تحتفظ أوروبا الديمقراطية بالملكية فى بعض دولها حتى الآن ؟.. سؤال طالما حير الكثيرين ، نظرا لغياب دور حقيقى ملموس للعائلات المالكة، التى تتصدر المشهد منذ مئات السنين فى الحياة السياسية لبلادها، فضلا عن النفقات الضخمة التى تتطلبها مناسباتهم الخاصة، والحاجة لظهورهم بشكل لائق فى المحافل الرسمية والدولية.
فأوروبا فى خضم مسيرة تحررها من الحكم الملكى فى العديد من بلدانها لإعلان الحكم الجمهورى الديمقراطى، نجحت 11 دولة فى القارة العجوز فى الإبقاء على لعائلات المالكة داخل حدودها، من بينها 6 دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبى، وهى الدنمارك وهولندا والسويد وإسبانيا ولوكسمبورج وبلجيكا، بل ونجح ملوك تلك الدول فى تحقيق شعبية كبيرة ونسب تأييد ضخمة داخل أراضيهم، وصلت لـ80 % بالنسبة لعائلات بريطانيا وهولندا. أما عن الأسباب، فهى كثيرة، أبرزها أن هذه الدول تعتبر الملكية رمزا للوحدة الوطنية للبلاد، وانهيارها يعنى التفتت وانفراط العقد. فاستطلاعات الرأى تشير إلى أن 60% من البلجيكيين يعتقدون أن الملك يضمن وحدة الصف فى البلاد، فى مواجهة مساعى الشمال للانفصال . كما أن الإسبان يعتقدون بشدة أن انهيار الملكية يعنى انفصال الإقليم الكاتالونى فى الحال.
حتى وإن تخلصت أوروبا من مخاوف الانفصال التى تؤرقها ليل نهار، يبقى أن تلك الدول العاملة بالملكية، وفقا لتقديرات المحللين، غير قادرة على تحمل ضريبة التغيير الذى يتطلبه إسقاط تلك الملكيات الآن . فأوروبا لم تتحرر من معظم ملكياتها السابقة إلا بالعنف والخلافات والمؤامرات. وهو ما تسبب فى إراقة الكثير من الدماء، واستدعى قدرا لا بأس به من الفوضى لسنوات طويلة، وربما عقود. بل إن مزاعم التكاليف المادية الضخمة التى يتطلبها الإبقاء على الملكية ليس لها أساس من الصحة، فالملكية تعد مصدرا من مصادر الدخل القومى الأساسى للدول. فعلى سبيل المثال، تكلف الملكية فى بريطانيا دافع الضرائب بالبلاد نحو دولار واحد فى العام، وهو رقم زهيد للغاية مقارنة بدخل السياحة التى تفد طوال العام للبلاد بهدف رؤية القصر الملكى وحرسه، أو لمح أحد أفراد العائلة الملكية، ولو بالصدفة. الأمر ذاته بالنسبة للملكية الهولندية، التى ربما تدر على البلاد دخلا أكبر من نظيرتها فى بريطانيا. ولا يعد نجاح تلك الملكيات تحديدا دون غيرها، وقدرتها على البقاء على رأس هرم السلطة فى بلادها حتى الآن قائما من فراغ ، بل إن أفرادها أظهروا عبر السنوات قدرا رائعا من المهارة السياسية، والتكيف بشكل يتناسب مع روح كل عصر. فملوك هولندا والدنمارك ، على سبيل المثال، يشتهرون بكونهم «ملوك الدراجات» ، لرغبتهم فى تجنب أبهة الموكب الملكى، واستبدالها بدراجة بسيطة فى تنقلاتهم القريبة، ليظهروا كمواطنين بسطاء كباقى أفراد الشعب.
كذلك استطاع ملك هولندا ويليم ألكساندر إسقاط دحض أى اعتقاد بأنهم يرمزون للماضى بجموده، عبر زواجه من سيدة أرجنتينية ، تصطحبه باستمرار فى زيارات لمدارس المهاجرين. أيضا لا تتردد العائلة المالكة البريطانية فى إعلان دعمها بين الحين والآخر لعدد من القضايا الخيرية على اختلافها. لذا ليس مستغربا كل هذا الحب والوفاء من تلك الشعوب لملوكهم.