عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«قناطر» ديروط» 150 عاما من النجاح
22 سبتمبر 2020
أسيوط ــ حمادة السعيد ــ وائل سمير


تستعد «قناطر التقسيم» الكائنة على ترعة الإبراهيمية للاحتفال بمرور 150 عاما على تأسيسها الذى تم عام 1871. وتحتفل أيضا بنجاحها طوال هذه العقود فى مواجهة الكثير من عوامل الضعف والاحتفاظ بجمالها وكفاءتها الوظيفية فى إتمام عملية الري.



لم يستهدف المهندسون المهرة الذين قاموا بتصميم «قناطر التقسيم» الوظيفة العملية لها فقط، وإنما أرادوها أيضا أن تكون ذات صورة بديعة. فتم اختيار موقعها مراعيا العاملين الوظيفى والجمالى على مبعدة 60 كيلومترا من فم ترعة الإبراهيمية. وهى عبارة عن مجموعة قناطر متصلة بعضها ببعض، وتم إدراجها فى عام 2014 من جانب وزارة الآثار ضمن قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بغرض الحفاظ عليها.



الرحلة اللازمة لزيارة تحفة « قناطر التقسيم» تبدأ من محطة سكك حديد ديروط، والتى لا تبعد عن الوجهة المنشودة إلا عشرات الأمتار. وفور بلوغ الهدف، لا يمكن للزائر إلا أن يقع أسيرا للوحة الفنية البديعة، التى تم تشييدها وتزينت بنقوش فنية بارزة. ووفقا للوثائق، فان إتمام تشييد تحفة «قناطر التقسيم» تطلب نحو 8 آلاف عامل و80 بناء و70 نحاتا و50 نجارا . وبلغت تكلفة تشييدها فى هذا الوقت نحو 200 ألف جنيه مصري.



يحكى الباحث الأثرى نشأت حسن محمد، مدير عام شمال أسيوط للآثار الإسلامية والقبطية عن تحفة ديروط قائلا: «إن قناطر التقسيم تضم خمسة قناطر لكل منها دوره، وأنها واحدة من أعظم مشاريع القناطر، حول العالم، فقد كانت ومازالت محل إعجاب كل من زارها من مهندسين مصريين وأجانب». ويضيف مشيرا إلى ما قاله عنها المهندس البريطانى الكبير ريتشارد بوكمينستر فولر، «والذى نصح أنه من الأحرى بالنسبة لزوار مصر من السائحين ليس فقط الاقتصار على مشاهدة الآثار القديمة، وإنما أيضا آثار مصر الجديدة، وتحديدا قناطر تقسيم».



وتخدم «قناطر تقسيم» إقليم مصر الوسطي، والذى يضم محافظات أسيوط، والمنيا، وبنى سويف، والفيوم، والجيزة. وتتحكم فى نحو 9.6 مليار متر مكعب من المياه سنويا. وكل قنطرة من القناطر الخمس مسئولة عن فرع مخصوص. فالقنطرة الأولى تقع على الترعة الإبراهيمية، وتحديدا بالناحية الشرقية من القناطر، وذلك بطول 46 مترا وتتكون من سبع عيون ويصل اتساع كل عين منها 3 أمتار.



ويفصل فتحات العيون عن بعضها البعض ست دعامات على هيئة عقود مدببة مبنية من الحجر يتجاوز عرضها الألف متر. ويوجد بين هذه العقود ممشى خرسانى طوله 3.5متر وعرضه 1 متر. ويتم فتح وإغلاق البوابات الحديدية للقنطرة بواسطة سلاسل حديدية سميكة تدار ميكانيكيا، عن طريق «دروند» مقام على قضبان حديدية لها قوائم معدنية مضلعة مركبة على ظهر الدعامات.



ويوجد بجسم الدعامات مجرى للبوابات بعضها أساسية للتحكم فى سير المياه، وأخرى فرعية لإجراء عمليات الصيانة للبوابات. أما القنطرة الثانية فهى قنطرة فم الترعة الديروطية، وتقع فى القطاع الأوسط بين قنطرة ترعة الإبراهيمية وقنطرة فم بحر يوسف بطول 15،5 مترا. وتتكون من ثلاث عيون معقودة بعقود نصف دائرية اتساع كل عين منها 3 أمتار أيضا.



أما القنطرة الثالثة، وهى «قنطرة فم بحر يوسف» والتى تقع على الناحية الغربية من القناطر بطول 35مترا وتتكون من خمس عيون معقودة بعقود نصف دائرية. ويزين جسم القناطر الثلاث من الأمام والخلف «كورنيش» حجرى بارز.



وفيما يخص القنطرة الرابعة، فهى « قنطرة فم ترعة الساحل» وتقع بالناحية الجنوبية من «قنطرة الإبراهيمية» بطول 12 مترا. أما القنطرة الخامسة والأخيرة، فهى «قنطرة فم ترعة حوض الدلجاوي»، وتقع بالناحية الجنوبية من «قنطرة فم بحر يوسف». وتلك القنطرة تحديدا تتميز بتاريخ خاص. فهى تتألف من ثلاث عيون، يرجع تاريخ العين الأولى والثانية إلى تاريخ إنشاء القناطر قبل نحو 150 عاما. أما العين الثالثة، فقد تم تشييدها عام 1935.



ويعود الباحث الأثرى نشأت حسن ليضفى المزيد من الضوء على تاريخ «قناطر التقسيم»، قائلا: «عندما جاء الخديو إسماعيل، وهو الذى حكم مصر بين عامى 1863 و1879، عمل بهمة على إنماء ثروة مصر الزراعية بتوفير وسائل الرى الحديث. فشق كثيرا من الترع فى الوجهين البحرى والقبلي، حتى بلغ إجمالى عدد الترع التى حفرها أو قام بإصلاحها وتطويرها نحو 112 ترعة، وكانت أهم إنجازاته على الإطلاق فى هذا المجال، الترعتان الإبراهيمية والإسماعيلية».



ويضيف أن من أهم عناصر التميز فى تاريخ «قناطر التقسيم» أنها كانت نتاج الإبداع والمعرفة المصرية الخالصة، فى وقت كان هناك حضور طاغ للخبرات الأجنبية. فهى من تصميم المهندس بهجت باشا علي، وكان وقتها مفتشاً لهندسة الوجه القبلي. وتولى التنفيذ المهندس سلامة باشا إبراهيم، وكان وقتها مفتشا لعموم الوجه القبلي. وعند نقل سلامة باشا إلى تفتيش عموم بحرى خلفه المهندس سعادة إسماعيل باشا محمد».



واستمر العمل بها نحو خمسة أعوام متواصلة، لتصبح بعد أن بدأ تشغيلها سببا فى تحويل أراضى مصر الوسطى إلى نظام الرى الدائم. وقد قامت وزارة الأشغال العمومية بأعمال تعديل وتقوية لـ«قنطرة فم بحر يوسف» عام 1962، وذلك فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر.