عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
نساء أفغانستان.. وشبح عودة «طالبان»
14 سبتمبر 2020
هدير الزهار


ندما كانت السيدة الأفغانية، جايسو ياري، فى السادسة من عمرها، وافق والدها على خطبتها لنجل أحد قادة حركة طالبان فى شرق البلاد، ولكن حين بلغت الثامنة عشرة من عمرها هربت قبل إتمام الزواج القسرى إلى الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة جنود أمريكيين، ثم عادت مجددا لأفغانستان قبل خمس سنوات وهى حاصلة على درجة الماجيستير من جامعة كولومبيا لتعمل فى مفوضية حكومية للخدمة المدنية. و رغم ما تحمله يارى، 32 عاما، من حب لوطنها ورغبة قوية فى المشاركة فى نهوضه فإنه يغلب عليها حاليا شعور متنام من الخوف من أن تعزل من منصبها وتمحى إنجازاتها وتحرم من حقوقها مجددا، إذا ما عادت طالبان لسدة الحكم بعد توقيعها اتفاقا ينص على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.



 



 



القلق هو الشعور المشترك بين النساء الأفغانيات بشكل عام منذ انطلاق محادثات السلام واحتمالية عودة المتطرفين ،إلا أن توجس النساء العاملات مضاعف حيث شغل الآلاف منهن وظائف مرموقة ومهام عامة وأدوارا حيوية خلال الـ 19 عاما الماضية، منذ أن أطاح الغزو الأمريكى بحركة طالبان ووضع حدا للقيود التى كانت تكبل النساء وتحرمهن من أبسط أشكال وأساسيات الحياة الآدمية فضلا عن معاقبتهن بوحشية مفرطة إذا ما طالبن بها. ورغم ما حققنه خلال السنوات الماضية إلا أن كثيرات مازلن يشعرن بأنهن يواجهن أمواج التطرف العاتية فى مجتمع ذكورى معاد بشدة للمساواة بين الجنسين.



فالمفاوضات بين الأطراف الأفغانية من شأنها أن تعيد طالبان للمشهد السياسى بالمشاركة فى حكومة ما بعد الحرب.. ومن جانبه، صرح نائب زعيم حركة طالبان بأنه سيتم «احترام حقوق المرأة التى يمنحها لها الإسلام»، وهو المبدأ ذاته الذى تم الاستشهاد به خلال حكم طالبان، ولم يعملوا به. فمن بين أعضاء الفريق التفاوضى للحكومة الأفغانية، البالغ عددهم 21، لم تشارك سوى 4 سيدات فقط، بل وتعرضت إحداهن، وهى المفاوضة فوزية كوفي، لمحاولة اغتيال قام بها مسلحون مجهولون فى يوم 14 أغسطس الماضي، ولكنها نجت بأعجوبة.



سيدة الحقوق .. بين الفرار من الوطن والعودة له



عندما شاهدت السيدة جايسو يارى التى أشير لها فى المقدمة، تقريرا تليفزيونيا عن اتفاقية السلام، سريعا ما هاجمتها الأحزان حيث إن قائد طالبان الذى أجبر والدها على الموافقة على خطوبة ابنته يارى على نجله، وبعد فرارها أجبره على أن يزوج شقيقتها لنجله،وعندما رفض والدها كان مصيره الخطف فى عام 2000، ومنذ ذلك الحين لم يعثر عليه ولم يسمع عنه شئ. وحينما عادت يارى لأفغانستان عام 2015، لم تستطع البحث عن والدها فكانت تخشى انتقام القائد ونجله منها، لذا ابتعدت عن وسائل التواصل الاجتماعى والإعلام حتى تأكدت أنهما قتلا على يد فصيل منافس.



 وفى تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، تقول يارى إن مصير والدها هو تذكير بما آلت إليه الأوضاع فى أفغانستان ومدى شيوع معاملة نسائها كممتلكات، مؤكدة أنه حتى فى العاصمة كابول، فإن النساء اللواتى لا يغطين شعرهن بالكامل أو اللائى يظهرن فى الأماكن العامة مع رجل ليس من أفراد الأسرة ،يتعرضن للسب والهجوم من قبل الرجال المارة. كما أن الأسوأ هو حرمان الآلاف من الفتيات الأفغانيات من الذهاب للمدرسة وتزويجهن وهن أطفال، وهو أمر شائع جدا خاصة فى المناطق الريفية.



فالسيدة يارى تعمل فى مجال مراجعة قضايا حقوق الإنسان والحقوق المدنية ، وتقول إن هذا المنصب الذى تشغله كان من المستحيل أن تتقلده تحت حكم طالبان. ورغم ذلك فهى ليست بمنأى عن التحرشات اللفظية والاتهامات القاسية، فزملاؤها فى لجنة الخدمة المدنية يلتزمون بالآراء التقليدية لدور المرأة ، لذا تقول يارى إنه دائما ما ينظر لها كسيدة قادمة من الغرب ترغب فى فرض الأساليب التحررية للمرأة.



من ناحية أخرى، شعرت يارى بالسعادة عندما انضمت عدة سيدات إلى فريق التفاوض الأفغانى مع طالبان، وظلت تراقب عن كثب لمعرفة ما إذا كانت تلك السيدات مشاركات من قبيل التمثيل الرمزى أم ستتاح لهن الفرصة للقيام بدور جدى. وتختتم كلماتها قائلة: «أنا ناجية .. لقد قطعت شوطا طويلا للوصول إلى ما أنا عليه الآن .. وأرفض العودة».



حسيبة إبراهيمى .. وتبرئة ساحة التمثيل



«ممثلة هى إحدى المرادفات العامية لعاهرة لدى كثير من الأفغان».. بتلك الكلمات القوية استهلت ممثلة الدراما التليفزيونية، حسيبة إبراهيمى، 24 عاما، حديثها عن نظرة عائلتها ومجتمعها لها، فحياتها المهنية وعشقها للتمثيل هو السبب الرئيسى فيما تتعرض له من إهانات وسباب فى الشارع وعبر وسائل التواصل الاجتماعى. وتقول إبراهيمى: «كان عملى كممثلة لا يمكن تصوره نهائيا فى ظل حكم طالبان، حين كان لا يسمح للنساء بمغادرة منازلهن دون مرافق.. ولكن بعد ما يقرب من عقدين من الإطاحة بالمتطرفين من السلطة، مازالت الممثلات تكافحن من أجل التخلص من النظر لهن كفاسقات». فقد استغرق قبول عائلتها لمهنتها سنوات لإقناعهم، لكنها تتعرض لانتقادات جمة من قبل جيرانها إلى حد تهديدهم لها بإبلاغ طالبان إذا استمرت، وذلك إلى جانب معاناتها فى أثناء تصوير المشاهد فى الشارع وما تتعرض له من تحرش وسخرية من قبل المارة.



فقيام النساء بالتمثيل فى أفغانستان قد يتسبب فى مقتلهن، ففى يوم 25 أغسطس الماضي، أصيبت الممثلة الأفغانية البارزة والناشطة فى مجال حقوق المرأة، سابا سحر، 46 عاما، إثر تعرضها لمحاولة اغتيال فى كابول أدت أيضا لإصابة سائقها وحارسها الشخصي. لذا تقول إبراهيمى: «أخشى عودة طالبان للحكم .. وإذا حدث فسأفكر جديا فى الفرار من البلاد، لأنه يكفى محاربتى لنظرات عائلتى ومجتمعى، ولا أريد خوض المزيد من المعارك».



ريحانة آزاد .. برلمانية بوصمة عار «مطلقة»



عندما ترشحت السيدة ريحانة آزاد، 37 عاما، لمقعد فى البرلمان الأفغانى، لم تتلق أى دعم من أفراد عائلتها بل عارضوها علانية بوصفها «المغضوب عليها»، فهى أم لطفلين من زيجة تمت حينما كانت آزاد فى سن الـ 13 فقط. ولكنها ارتكبت خطأ فادحا فى نظر أسرتها حينما طلقت من زوجها بعد زواج دام 10 سنوات. فمن النادر فى أفغانستان أن تتقدم امرأة بطلب الطلاق لكونه أشبه بعار يُجلب لأسرة المطلقة. ورغم معارضة أسرتها، إلا أن آزاد فازت بمقعد البرلمان بعد حصولها على أكبر عدد من الأصوات فى مقاطعتها بوسط أفغانستان. ولم يكن سيرها على درب النجاح بالأمر اليسير بل واجهت لاحقا تحديات من بعض أعضاء البرلمان الذكور، بل ووصفها مشرع من غرب البلاد بأنها عاهرة وجاسوسة للأجانب، وشتمها علنا قائلا: «يكفى أنها خالفت الإسلام بطلاقها من زوجها»!!.



لم يزعجها الكلام بقدر ما أزعجها احتمالية عودة طالبان للحكومة حيث انتقدت الولايات المتحدة فى مفاوضاتها بشأن اتفاق السلام، متهمة إياها بالتخلى عن المكاسب التى حققتها النساء منذ عام 2001، وأن الأمريكيين لم يهتموا بحقوق المرأة الأفغانية. فتقول آزاد: «طالبان لم تتغير، فقد اغتصبوا النساء وجلدوهن فى الشوارع، إنهم يحملون نفس الشر»، وأضافت: «رغم ما أحرزته النساء الأفغانيات، فإنهن يتعرضن للإهانات والتمييز بشكل يومى، فالمجتمع هنا ضد المرأة ولا يؤمن بأنه من حقها أن تفعل ما تريد».



ريحانة آزاد، بصفتها نائبة فى البرلمان، تسعى لأن تكون قدوة باعتبارها امرأة عصرية على استعداد لتحدى الثقافة والتقاليد الأفغانية، وتختتم كلامها قائلة: «أنا اقف ضد هذه الثقافة ليس فقط من أجل مصلحتى فحسب، بل من أجل الجيل القادم من الفتيات الصغيرات .. فأنا أرغب فى مستقبل أفضل لحفيداتى ومعاملتهن كبشر لهن حقوق».



نرجس حوراخش .. صحفية عشرينية بأوجاع خمسينية



بعدما وصلت لها التقارير، التى تضم تفاصيل اتفاق السلام بين أمريكا وطالبان، تجهمت وكان أول ما تفوهت به الصحفية نرجس حوراخش: «الولايات المتحدة تخلت عن أفغانستان .. ولم تعد مهتمة بها.. وتريد مغادرتها بأى ثمن». فحوراخش، 23 عاما، درست العلوم السياسية فى إحدى الجامعات، وحصلت على وظيفة مراسلة تليفزيونية فى وقت ضغط فيه مانحو المساعدات من الأمريكيين على أرباب العمل لتوظيف النساء. وقد كان من أصعب مهام عملها وأكثرها إيلاما تغطية الهجمات الانتحارية و التفجيرات التى ترتكبها طالبان بالسيارات المفخخة والتى تستهدف المدنيين، بالإضافة لزيارة عائلات الضحايا ورؤية احزانهم وقسوة معيشتهم.



وتقول: «بعد كل هجوم كنت أشعر بأننى كبرت عدة أعوام .. فرغم أن عمرى لا يتجاوز الـ 23 عاما فإن ما عايشته جعلنى أشعر وكأننى فى الـ 50 من عمرى».



وتخشى حوراخش من أن العدد القليل من النساء العاملات والمحترفات فى البلاد، اللواتى حصلن على حقوقهن بشق الأنفس، سيواجهن أزمة كبيرة بعد اتفاقية السلام حيث إن عودة طالبان ستقضى حتما على مشوارهن المهنى. فقد حققت حوراخش شيئا من المساواة مع زملائها الذكور، بعدما أصبحت قادرة على تحدى العادات الأفغانية بإجراء مقابلات مع الرجال رغم أن مجتمعها يدين أى اتصال بين الذكور و النساء غير المتزوجات.. ولذا تتساءل كيف سيكون الوضع بعد عودة عناصر الحركة للحكم، خاصة أنه لم يعد لها أمنية سوى الانتقام لزميليها فى العمل، غازى رسولى ونوروز على اللذين قتلا فى إحدى الهجمات قبل عامين.