عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
روالد داهل.. أديب الأطفال صاحب «المعجم الخاص»
12 سبتمبر 2020
كتب ــ وسام أبوالعطا
غلاف «تشارلى ومصنع الشوكولاتة»


لم يكن يتخيل الطفل روالد داهل، هو وأربعة من أصدقائه فى أثناء تعرضهم للضرب بعصا مدير المدرسة بعد وضع فأر ميت فى جرة من الأكواب بمتجر للحلويات، أن تكون هذه الواقعة نفسها مفتاحا لأشهر أعماله الأدبية على الإطلاق: «تشارلى ومصنع الشوكولاتة». فقد تم اقتباس هذه الرواية سينمائيا ومسرحيا عدة مرات بنجاح قياسى.



كان المتجر الفعلى مملوكا لسيدة عجوز تدعى السيدة براتشيت، وأطلق الأولاد الخمسة على مقلبهم «مؤامرة الفأر العظمى»، وذلك انتقاما لمنعها لهم من تناول الشوكولاتة، الحلوى المفضلة والمكلفة بالنسبة لتلاميذ المدارس البريطانيين بين الحربين العالميتين، وهى المعاناة التى جسدها داهل فى روايته الشهيرة .



ولد روالد داهل، فى أقليم ويلز فى مثل يوم غد 13 سبتمبر من عام 1916 لوالدين نرويجيين. وعندما بلغ من العمر 4 أعوام، توفى والده. لاحقته سمعة بأنه مشاكس طوال سنوات تعليمه الأولى، وحتى عند دخوله مدرسة «ريبتون»، وهى مدرسة خاصة تتمتع بسمعة طيبة فى التفوق الأكاديمى. ولكن بسبب تمرده الفطرى، لم يلتزم بقواعد المدرسة.



وبينما كان يكمل دراسته بمشقة، عرضت والدته تحمل مصاريف دراسته فى جامعة «أكسفورد» أو «كامبريدج». ولكن داهل، كما ذكر فى سيرته الذاتية, رد قائلا: «لا شكرًا لك، أريد أن أذهب مباشرة من المدرسة للعمل فى أماكن بعيدة رائعة مثل إفريقيا أو الصين».



وهذا ما قام بفعله، فبعد تخرجه من «ريبتون» عام 1932 ، ذهب فى رحلة استكشافية إلى المقاطعة الكندية «نيوفندلاند»، ثم تولى وظيفة فى شركة بترول فى تنزانيا حتى عام 1939.



وسعيا وراء المزيد من المغامرة، انضم داهل إلى سلاح الجو الملكى. وبعد تدريبه فى العاصمة الكينية نيروبى، أصبح طيارا مقاتلاً فى الحرب العالمية الثانية. وجاءت نقطة التحول بتحطم طائرته أثناء خدمته فوق البحر الأبيض المتوسط ، وتحديدا فوق محافظة الإسكندرية المصرية. وإثر ذلك أصيب بجروح خطيرة فى جمجمته وعموده الفقرى، مما استدعى إجراء عدة عمليات جراحية. بعدها، تم نقله إلى واشنطن العاصمة، حيث أصبح ملحقًا جويًا مساعدًا.



رحلته مع الكتابة بدأت بمصادفة غريبة، فقد التقى بالروائى البريطانى الشهير سى. إس. فورستر، وكانت إحدى الصحف قد طلبت من فورستر كتابة قصة عن أجواء الطيران. فطلب فورستر بدوره من داهل أن يزوده ببعض تجاربه كطيار سابق، حتى يتمكن من تشكيلها فى قصة. ولكن فورستر ذهل بعد قراءته كتابات داهل. فقد كان النص يتمتع بدقة الأسلوب الأدبى، والحبكة. فقرر نشر القصة تمامًا كما كتبها داهل.



أما أول قصة يكتبها داهل للأطفال، فكانت عام 1942، و لكنها لم تلق نجاحا كبيرا. لذلك تراجع وبدأ يكتب قصص ذات حبكات إثارة وغموض موجهة للقراء البالغين. واستمر فى ذلك طوال عقد الخمسينيات، حيث قدم مجموعة من القصص الأكثر مبيعا مثل «هناك من يشبهك» عام 1953، والتى تم نشر بعض قصصها فى الصحافة الأمريكية.



ولكنه عاد بقوة للكتابة للأطفال، وإن التزم بتكنيك مختلف.فقد اعتمد على قصص ما قبل النوم، التى كان يحكيها لأطفاله، كان أطفال داهل بمثابة «جمهور اختبار مفيد». وبخلاف الحبكات الآسرة، التزم داهل بعمل رابط خاص بين القراء الصغار، وحتى الكبار، ونصوصه الأدبية. وذلك عبر الإبداع فى اختراع مفرداته الخاصة التى باتت تعرف فى عالم الأدب بـ «معجم داهل».



ففى مقابلة أجراها مع صحيفة »نيويورك تايمز«، قائلا : «الأطفال .. ينتقدون بقوة، ويفقدون الاهتمام بسرعة، وإذا كنت تعتقد أن الطفل يشعر بالملل، فيجب أن تفكر فى شيء يعيد انتباهه إليك، شيء يدغدغ مشاعره وخياله، وعليك أن تعرف ماذا يحب الأطفال». اعتمادا على ذلك المنطق نجح داهل فى تقديم عدد من أكثر كتب الأطفال شعبية فى القرن العشرين، مثل «ماتيلدا» ، و«جيمس وحبة الخوخ العملاقة».



تم طباعة أكثر من مائتى مليون نسخة من أعماله، وكانت أخر الاقتباسات السينمائية لإبداع داهل، فيلم «ذا بى. أف. جى» للمخرج الكبير ستيفن سبيلبرج (2016)، وذلك فى ثانى عمل سينمائى عن كتاب داهل الذى يحمل المسمى نفسه والصادر عام 1982. وينتظر أن يشهد العام المقبل، طرح عمل سينمائى بناء على قصته الشهيرة «الساحرات».



وكان لتجربة داهل، جانب آخر ثرى مع كتابة السيناريو لعدد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية. توفى داهل عن عمر 74 عاما فى 23 نوفمبر عام 1990 ولكن العالم مازال يحتفى بكتابات روالد داهل التى كانت بدايتها سقوط طائرته فوق «الإسكندرية» .