داعش والقاعدة.. والبحث عن الأب الروحى
«للنصر 100 أب، والهزيمة يتيمة».. مقولة للرئيس الأمريكى الراحل جون كينيدي، وذلك بعد فشل غزو خليج الخنازير للإطاحة بالرئيس الكوبى فيديل كاسترو. هذه المقولة نفسها تنطبق على إعلان الرؤساء الأمريكيين مقتل قادة التنظيمات الإرهابية التى استهدفت قلب الولايات المتحدة مثل هجمات 11 سبتمبر 2001، أو مصالحها فى الخارج مثل تفجير السفارتين الأمريكيتين فى كينيا وتنزانيا عام 1998. فاغتيال هؤلاء القادة يأتى نتيجة تعاون استخباراتى وملاحقة مشتركة بين مجموعة من الدول.
واعتبر الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن فى عملية «رمح نبتون» السرية «أهم إنجاز فى رئاسته»، وكذلك وصف الرئيس الحالى دونالد ترامب مقتل أبو بكر البغدادى بأنه كان «الأولوية الأولى للأمن القومى خلال إدارته»، كما احتفى ترامب أيضا بتصفية وريث تنظيم القاعدة حمزة بن لادن. وبررت الإدارة الأمريكية قتل البغدادى بأنه يعكس تعقب الولايات المتحدة لقادة الإرهاب والتزامها بهزيمة «دائمة وكاملة» لداعش والمنظمات الإرهابية السابقة. بالتأكيد كان احتفال العالم بقتل الرجال الأخطر فى العالم مبررا، خاصة بعدما حول البغدادى تنظيمه المنشق عن القاعدة إلى جماعة إرهابية عابرة للحدود، قتلت الآلاف وزلزلت دولا بأكملها مثل سوريا والعراق وليبيا، الرجل الذى هدد بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وجند الآلاف من الأنصار فى الكثير من الدول، وخلق ظاهرة «الذئاب المنفردة». ومن الواضح أن قتل قادة التنظيمات الإرهابية كان توجها سائدا لقطع رأس الأفعى وإضعاف منظماتهم، ولحرمان هذه الجماعات من التخطيط الاستراتيجى ووقف الجاذبية الأيديولوجية لأفكارهم وعقائدهم وشخصياتهم. ومع استلهام التنظيمات الإرهابية لفكرة التنظيم الهرمى من الجماعة الإرهابية، إلا أن فكرة «التأسيس الثاني»، واختيار خليفة جديد كبديل للمؤسس أو صاحب المشروع الإرهابى تكشف أنها محاولات فاشلة لنفخ الروح فى تنظيمات بدت يوما كبيرة وصعب الخلاص منها بسهولة. ورغم أن المسئولين فى مجتمع العمليات الخاصة الأمريكية، والذين أشرفوا على تنفيذ عمليات ملاحقة واستهداف لرؤوس الإرهاب، يصفون التخلص من هذه القيادات بأنها تشبه «جز العشب»، فى إشارة إلى قدرة هذه التنظيمات على إنبات وجوه جديدة وتجنيد المزيد، إلا أن أرض الواقع تثبت أن قتل هؤلاء القادة بمثابة «جبل الجليد» الذى يصطدم به هذه الجماعات، لتبدأ عملية الانهيار التدريجى وخفوت قوتها شيئا فشيئا. فالقاعدة تراجعت خطورتها، وإن لم تختف بشكل كامل، بعد قتل المؤسس والداعم الأكبر والوجه الأبرز لها بن لادن، إلا أن هذا القول لا ينطبق على تنظيم مثل داعش، الذى تشير تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» إلى أنه يمتلك ما يصل إلى30 ألف عضو. وبالتالي، فإن مقتل البغدادى يعد انتكاسة للتنظيم، إلا أن إعادة شتات عناصر التنظيم تشكل تهديدا خطيرا. ورغم أن التنظيمات الإرهابية، تعمد إلى اختيار الرجل الثانى فى التراتب التنظيمي، مثل أيمن الظواهرى فى حالة القاعدة، إلا أن الاختيار لم يكن بهذه السهولة فى حالة داعش، الذى مازالت تختلف الأقاويل حول زعيمه الحالى هل أبو إبراهيم الهاشمى القرشى أم المولى الصلبى أم أنهما اسمان لشخص واحد، أم هى مجرد أسماء وهمية؟، خاصة أن واشنطن رصدت 5 ملايين دولار مقابل معلومات عن المولى «منظر الجماعة». لكن الزعيم يختلف اختلافا تماما عن الرجل الثاني، فالأول هو ما يجذب القاعدة العريضة من الأنصار، ويصبح «الوجه الإعلامى والدعائى والمتطرف» للتنظيم، ويتمتع بالكاريزما والقدرة على التنظيم وجمع التمويل والتخطيط الاستراتيجى وشن هجمات كبرى والسيطرة على مساحات ضخمة من الأراضي، مثلما فعل بن لادن والبغدادي. وبعد ضربات كبرى من التنظيم الذى تجعله نجم وسائل الإعلام، تبدأ عملية الملاحقة، وربما تكون قد بدأت من قبل، ويختفى القائد، ويظهر بين الحين والآخر سواء فى تسريبات صوتية أو فيديوهات، ليدحض شائعات إصابته وموته، إلى أن ينجح الكوماندوز الأمريكى فى اصطياده وقنصه، ويخرج الرئيس الأمريكى ليعلن الانتصار على عدو الشعب الأمريكى والخطر الأول للأمن القومي. سيناريو تكرر مع بن لادن والبغدادي، والمخاوف تتواصل من خروج زعيم جديد بملامح تشبه سابقيه ونبرة أكثر قوة وتطرفا، لتنظيم جديد يخرج من رحم هذه الجماعات الإرهابية، فالتنظيم الذى يموت قائده، يظل لقيطا، حتى يظهر خليفة جديد للإرهاب أكثر قوة ودموية وشراهة للقتل.