عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
مستقبل البشرية فى غموض
8 سبتمبر 2020
هند السيد هانى
الانصهار المحتمل بين الإنسان والتكنولوجيا


  مثل الفونوغراف والعربة الحنطور.. هل يتحول الإنسان العادى إلى تراث؟ هذا ما لاح فى الأفق مع إعلان شركة «نيورالينك» الأمريكية قبل أيام تجربة شريحة ذكية على مخ خنزير بهدف زرعها داخل العقل البشرى لتطوير قدراته.



الشريحة فى حجم العملة المعدنية  بقطر 23 مليمترا وتتكون من مجس صغير يحتوى على أكثر من 3 آلاف قطب كهربائى، موصولة بأسلاك متناهية الصغر تقل فى سمكها عن شعرة الإنسان بعشر مرات وتتصل بمراكز الإدراك داخل المخ. ويمكن للشريحة رصد نشاط ألف خلية عصبية بالدماغ.



الخطوة الأولى



التجربة التى جرت على الخنزيرة «جيرترود»، نجحت فى تحقيق الاتصال بين الشريحة ـ التى تم زرعها فى دماغ الخنزيرة قبل شهرين ـ وبين جهاز كمبيوتر. وقد تم رصد نشاط عصبى فى أنفها لدى بحثها عن الطعام كما تمكن الكمبيوتر من توقع حركة رجلها. الشريحة يتم توصيلها عبر تقنية «البلوتوث» بجهاز استقبال صغير خلف الأذن والذى يقوم بدوره بالاتصال بجهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذكى من خلال تطبيق خاص يمكن للمستخدم التحكم فيه. وتتم زراعة الشريحة من خلال روبوت متطور أشبه بماكينة الخياطة يقوم بعمل فتحة  فى جمجمة الشخص وتقوم الشريحة بسد الثقب فى الجمجمة. وبحسب ماسك فإنه خلال أعوام قليلة ستكون العملية أشبه فى سرعتها وكفاءتها بعملية الليزك التى تجرى على العين. كما أن الشريحة ذاتها تخضع لعمليات تطوير واسعة، فقد بدت فى هذه التجربة أصغر وأكثر بساطة مقارنة بتلك التى كشفت نيورالينك النقاب عنها قبل عام.



ولم يتبين بعد إذا ما كانت التجارب على البشر قد بدأت أم لا.لكن هذا الانجاز يعد فتحا كبيرا لأصحاب العديد من الأمراض المرتبطة بالمخ وفى مقدمتها شلل الرعاش والخرف ومن يعانون إصابات الحبل الشوكى. ومع ذلك فإنه يثير المخاوف حول مستقبل الجنس البشرى. فخلال سلسلة من التغريدات على مدى شهر قبل إعلان التجربة على الخنزيرة، قال إيلون ماسك مؤسس شركة نيورالينك للتكنولوجيا العصبية إن التقنية الجديدة ستزيد من قدرات حاسة السمع بشكل يفوق الترددات والمدى الطبيعى. كما تساعد على تنظيم مستوى الهرمونات وتعزيز قدرات أخرى خاصة بعملية التفكير وخفض القلق. فضلا عن إمكانية تحقيق اتصال بالتخاطر دون الحاجة إلى الحديث. وهناك من يأمل بأن تتمكن التكنولوجيا الجديدة من حفظ  الذكريات بالدماغ فى ملفات، بحيث يمكن استرجاعها أو نقلها إلى عقل آخر أو إلى روبوت.



 مصير محتوم



العلماء يرون أن الركض على مضمار التطور التكنولوجى هو مصير الإنسان المحتوم. فماسك يعتبر أن تعظيم قدرات الإنسان تكنولوجيا لتكون خارقة هى السبيل الوحيد لمنافسة الروبوتات وما تمثله من تطور فى الذكاء الصناعى، وإلا فإن الأخيرة ستسود العالم خلال 5أعوام. حينذاك سيكون الإنسان العادى مقارنة بالروبوت أشبه بالحيوان الأليف.



«القطط الأليفة» هى ذات الفكرة التى تثير المخاوف لدى البعض الآخر. فتوصيل الدماغ بأجهزة الكمبيوتر والمحمول تعنى بلوغ الإنسان مرحلة الانصهار مع هذه التكنولوجيا، ليكون الإنسان أمام جهاز الكمبيوتر أشبه بالقط الأليف. وهو ما يطرح بدوره التساؤلات مجددا حول الثقة فى شركات التكنولوجيا واحترام  الخصوصية.



لكن العقل البشرى ليس بهذه البساطة، فلازالت هناك الكثير من الألغاز حول كيفية عمل الدماغ، وقد ترصد الشريحة إشارات دماغية يعجز الكمبيوتر عن فك شفرتها. لذلك أكد آرى بنجامين الباحث بجامعة بنسلفانيا- لشبكة «بى بى سى» البريطانية -أن تعقيد العقل البشرى يمثل التحدى الحقيقى أمام هذه التقنية. وهو ما يستلزم إجراء المزيد من الأبحاث. ويسعى ماسك إلى جذب عدد كبير من الخبراء والمتخصصين للعمل على تطوير هذا الانجاز العلمى. وتمكنت شركة «نيورالينك» التى يرجع إنشاؤها قبل أربعة أعوام، من توفير تمويل قدره 158 مليون دولار، من بينهما 100 مليون دولار أسهم بها إيلون ماسك.



 تطور الإنسان الـ «سايبورج»



وتعود جهود زرع أجهزة إلكترونية صغيرة داخل الدماغ لعقود مضت، لكنها كانت محددة الوظيفة وتهدف لعلاج أمراض بعينها مثل فقدان السمع وشلل الرعاش وذلك من خلال تحفيز النشاط العصبى فى بعض المناطق فى المخ. كما سبق وجرت بعض محاولات زرع أجهزة فى المخ لدى عدد صغير من المصابين بالشلل بسبب إصابات الحبل الشوكى أو السكتات الدماغية.



لكن جهاز إيلون ماسك مختلف فهو يفتح آفاقا أخرى لتلبية طموح ورغبات المهووسين بالرفاهية التكنولوجية. كما يمثل نقطة فارقة فى تطوير ما يعرف بالـ «سايبورج» وهو الكائن الذى يمزج ما بين العناصر الحيوية والميكانيكية والإلكترونية. فبعد نحو قرن ونصف القرن من أعمال الخيال العلمى الفنية والأدبية التى رسمت صورة للإنسان الآلى، ظهرت فى السنوات الأخيرة شركات بهدف استخدام تكنولوجيا الإلكترونيات الدقيقة من أجل تحسين القدرات الجسدية والحواس للبشر. وقد رصد تقرير لشبكة «دويتشه فيليه» الألمانية أنواعا كثيرة لهذه الشرائح التكنولوجية. فبعضها يتكمن من تحديد اتجاه القطب الشمالى من خلال الذبذبات الضوئية. وهناك البعض الذين يقومون بزراعة شرائح من المغناطيس فى أجسامهم بحيث يستطيعون رصد الزلازل والمجالات الكهربائية حولهم  . كما ثبت البعض الآخر شرائح متناهية الصغر على جلدهم بحيث يمكنهم فتح الأبواب أو غلق هواتفهم الذكية عن بعد بمجرد التلويح بالذراع. ونقل التقرير عن شركة «دنجرس ثينجس» الأمريكية الرائدة فى هذا المجال أنها باعت أكثر من 10 آلاف شريحة من هذا النوع بين عامى 2013 و2016.



وفى عام 2014، سجلت بريطانيا أول إنسان «سايبورج» رسميا، ويدعى نيل هاربيسون. فقد كان يعانى منذ ولادته عمى الألوان. لكن بمساعدة عالم يدعى آدم مونجاندون استطاع هاربيسون تثبيت جهاز هوائى برأسه يحمل عينا إلكترونية تترجم الألوان وتحولها إلى موجات صوتية يتم نقلها مباشرة إلى المخ مما يمكنه من التعرف على الألوان. وخلافا للأشخاص الطبيعيين فهو يستطيع أيضا رؤية الأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسيجية. وقد أسس هاربيسون مع شريكته مون ريبا شركة «سايبورج فاونديشين» لنشر التكنولوجيا الجديدة، حيث أكد هاربيسون تلقيهم طلبات كثيرة من حول العالم.



وما بين هذا الهوس، وبين مطالب البعض بإخضاع هذه التكنولوجيا لضوابط أخلاقية بحيث تكون قاصرة على المرضى فقط، يثور التساؤل: هل الجسد الإنسانى قادر على تحمل ما ستجلبه عليه «حواسه الخارقة» التى لم يخلق بها؟