تاجر الموت.. هكذا نعت صحيفة فرنسية ألفريد نوبل مخترع الديناميت عام 1888. كان الخبر كاذبا، فالمتوفى شقيقه وليس هو. الصدمة التى شعر بها، جعلته يحاول التكفير عن اختراعه المميت، فأسس جوائز نوبل لتكريم علماء أفادوا البشرية بأبحاثهم وابتكاراتهم. تبدأ الاختراعات بأهداف نبيلة لعلماء أكثر نبلا، لكن هناك من يتلقفها من أجل القتل والتدمير والمكسب المادى.
أوبناهايمر، أبو القنبلة النووية، عندما ضرب الجيش الأمريكى ناجازاكى وهيروشيما عام 1954، بقنبلتين نوويتين قال: أنا أصبحت الموت، محطم العالم، وعاش نادما بائسا. أمور من هذا القبيل، تحدث كثيرا حاليا دون أن تثير لدغة ضمير أو حالة ندم. أضحت الابتكارات الباب الملكى لانتهاك حريات الإنسان والاعتداء على خصوصياته. قبل أيام، أعلن المليادير الأمريكى أيلون ماسك، نجاح زرع شريحة كمبيوتر بحجم عملة معدنية فى دماغ خنزير يمكنها ربط إشارات الدماغ بأجهزة ذكية عبر وصلات لاسلكية، للتحكم فى الأفكار والتصرفات وتخزين الذاكرة البشرية، وكذلك لعلاج أمراض كالزهايمر والخرف. ماسك يعتقد أن الذكاء الصناعى سيحل خلال 5 سنوات محل البشر، وهذه الشريحة ستجعل الذكاء الصناعى داخل الإنسان نفسه، لتظل له قيمة بسوق العمل.
هذا التطور المذهل خطير للغاية.. قفزة هائلة تتجاوز العلم الحالى. هكذا وصفه جرايم موفات استاذ علم الأعصاب بجامعة تورنتو. لكن من يضمن أن استخدام الشريحة سيتوقف على علاج الأمراض، ولن يتجاوزها إلى تعرية الإنسان من ذاكرته وخصوصياته وتفكيره المستقبلى. إنه يحوله إلى شريحة ضئيلة يتم التحكم فيها كيفما يشاء حاملها. لن يعود مركز الكون، ولن تنطبق عليه مقولة الإمام على بن أبى طالب: وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.
سيتم التحكم فى الأفكار عبر الكمبيوتر. سنصبح مجرد شريحة برقم معين، وعندما يتم تشغيلها، سيكون كل السوفت وير البشرى مكشوفا. إنه أخطر بمراحل من عمليات التجسس التى تقوم بها شركات تكنولوجيا على حسابات المشاركين بالفيس وتويتر.
ليس كل ما يلمع علما وخيرا لمصلحة البشرية، ولكن فى كل ابتكار تكنولوجى جديد، ابحث عن الفلوس. وحدها تلمع دائما وأبدا.