أستأذن السادة القراء فى أن أتبسط فى لغة هذا المقال لدرجة الكتابة بالعامية فى بعض الأجزاء، ولكن الموضوع يحتاج أن تتبسط اللغة حتى يصل المعني.
سؤال: هو الناس اللى زعلانة من ان الرئيس بيقول لنا ما تبنوش على ارض زراعية وما تخالفوش قوانين البلاد وما تحولوش الجراجات بوتيكات وحافظوا على بلدكم بدل ما تقع فى رباعية: الفوضى والفراغ والفساد والفقر .. ممكن اسألهم هم زعلانين من ايه؟هل من الرئيس لأنه لا يتهاون مع الفساد ام من السابقين عليه اللى تساهلوا فى حقوقنا وعودونا على السبهللة؟ ام من اللى نفسهم تبقى بلد محترمة تحترم القانون؟ ولا زعلانين انهم اتقفشوا وان الدور هييجى عليهم؟
تعالوا نرجع لأصل وظيفة الدولة... فى واحدة من تعريفاتها الدولة هى القاسم المشترك بيننا جميعا. هى فى النهاية الحد الأدنى من مصالحنا المشتركة. الدولة بهذا المعنى مسئولة عن أن تنسق بين مصالحنا جميعا بحيث ألا يبغى أحدنا على الآخرين. مثلا لو هناك مدينة جديدة، فمن واجب الدولة أن تضع تخطيطا يضمن أن يكون هناك مساحة لفرن وآخر لبنزينة وثالث لمدرسة ورابع لجامعة حتى لو كانت مصالح ملاك الأراضى أن يكون مقر البنزينة عمارة سكنية ضخمة. هذه مصلحة جزئية تعتبرها الدولة وتعوض مالكها ولكنها لا يمكن أن تتنازل عن الصالح العام المشترك لجموع المواطنين من أجل من يريد أن يبنى عمارة هى أيضا تشكل مصلحة ولكنها مصلحة جزئية يمكن تداركها فى مكان آخر، أى موقع آخر للعمارة، لكن تظل البنزينة فى مكانها وإلا تعطلت السيارات فى الشوارع دون مصدر آمن ومستدام للبنزين والسولار وغيره من خدمات. من المسئول عن هذا؟ انه الدولة. الدولة مكلفة من الشعب أن تراعى مصالحه وأن تفعل ذلك دون أن تكون مجرد أداة فى يد فئة متغلبة تستغل الدولة ضد بقية مصالح المجتمع..
لأول مرة من فترة طويلة يكون عندنا رئيس واخد منصب الرئاسة بجدية واستيعاب لهذا الدور، وما تهديده بأنه مستعد لأن يترك منصبه إلا انعكاس لإحساسه أنه يحاول إصلاح الدولة رغما عن أنف شعبها، أو بتعبير أدق رغما عن أنف قطاع من شعبها ممن تكسبوا ويتكسبون من مخالفة القانون وتغليب الصالح الشخصى على حساب الصالح العام. وما رد فعل الكثيرين ممن ينظرون إليه باعتباره رجلا وطنيا إلا لأنهم ذاقوا مرارة الحياة فى ظل الدولة المختطفة من قبل حزب حاكم أو أسرة حاكمة أو جماعة حاكمة.
كاتب هذه السطور يقف مع أن نبنى بلدنا ونحترم القانون ولا نخرج عليه ومن يخرج عليه ستكون له عقوبة شديدة وهو أمر ضرورى لترسيخ فكرة الصالح العام التى هى مقدمة ضرورية لمواجهة مشكلات أخرى مثل الزيادة السكانية الأرنبية ومشكلة قيم وسلوكيات الإنسان المصرى اللى دمرها اللى كانوا قبلنا فانتهينا إلى ما انتهينا إليه مع انعدام الاخلاق المدينية لمصلحة الأخلاق الغوغائية.. مصر تستحق رئيسا ينتصر لها من اللى بينهبوها لغاية ما تقع من طولها وتتحول الى شبه دولة يحكمها الفساد فى القمة والفقر فى القاع، الفوضى فى القمة والفراغ فى القاع. الفساد فى القمة يفتح المجال لإعادة توزيع موارد الدولة بحيث يأكل القوى الضعيف ويأكل السريع البطيء ويزداد الظلم الاجتماعى وتنتقل الثروة من القاع إلى القمة فيزيد الفقر. ويوم أن نكون بشأن قيادة سياسية ضعيفة مثل آخر سنوات الرئيس مبارك أو فترة حكم مرسى فهذا سيعنى الفوضى فى قمة مؤسسات الدولة التى ستجعل قاع مؤسسات الدولة (وتحديدا صغار الموظفين) يتعاملون وكأنها دولة بلا قانون، مشاع بلا حقوق.
قال الرئيس السيسى ذات مرة إنه تسلم مصر وهى شبه دولة، وهو مصطلح يفيد بوجود الدولة ولكنها ضعيفة مثلما تقول المصطلحات الأكاديمية عن الدولة الرخوة التى يمكن أن تتحول بفضل نجاح قيادتها وكفاءة مؤسساتها إلى دولة قوية، أو أن تفشل وتتدهور ويفقد مواطنوها ثقتهم فيها فتتحول إلى لا دولة أو دولة فاشلة.
لبنان، الصومال، ليبيا دول فاشلة لا توجد فيها حكومة او قانون او مؤسسات سيادية كفء. نيجيريا، الكونغو، البرازيل دول رخوة... تضع القوانين ولا تستطيع تطبيقها بسبب الفساد وتبعية الدولة للمافيا. المانيا، اليابان، الصين دول قوية لأن فيها مؤسسات وقانونا واحترام الناس للقانون.
.الرئيس سأل المصريين فى آخر لقاء له معهم على الهواء من الإسكندرية: ناويين تعملوا ايه فى بلدكم؟ تقديرى أن مصر فى عهد الرئيس السيسى فى مخاض الانتقال من النوع الثانى (الدولة الرخوة أو شبه الدولة) الى الثالث (الدولة القوية) بعد ان انقذنا الله من مصير النوع الاول (الدولة الفاشلة أو اللادولة). رسالتى للمصريين أن من أخطأ فى حقنا لم يكن السيسى ولكن من سبقوا عليه ممن حولوا مصر إلى رباعية الفساد والفقر والفوضى والفراغ والأمل أن نجرى لمصر عملية جراحية عاجلة لانقاذها من هذا المصير.
مصر كالمريض المصاب بمرض عضال وعلى الطبيب أن يقنعه بل ويكتفه حتى يستطيع انقاذه من مرضه لأنه لا يملك (بينج) للتخدير.
والمصريون يعلمون أنهم يستحقون أن يكونوا فى مكان أفضل لهذا هم يتحملون بمنطق إن شاء الله خير، لأنهم يرون بأعينهم بلدهم يتقدم وغيره يتراجع، بلدهم يصمد وغيرها يغرق، بلدهم يبنى ويشيد وغيره يقع وينهار. انا أؤيد سياسة الرئيس فى ان تكون الدولة قانونية وقوية وقادرة حتى لا تكون فاسدة وضعيفة وهشة. مصر أشبه بجمعية كل واحد فينا يدفع فيها جزءا حتى تقبضها الأجيال القادمة. كل واحد فينا يسهم فى المستقبل بمقدار ما يتحمل اليوم. أكمل يا ريس، وربنا يريك الخير خيرا ويرزقك اتباعه، ويريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه. آمين.