عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الضحك..عبادة وخطيئة ومحارب منزوع السلاح
25 أغسطس 2020
د. مروة الصيفى


«ضحكة تهكمية واحدة يمكنها تدمير أقوى البشر، واضعةً ضربتها المميتة على نقطة ضعف الشخص بمهارة لدرجة أنها لا تترك ندبة واضحة».. فهل يمكن أن يتصور أحد ذلك؟ . يتتبع بيرى ساندرز فى كتابه «الضحك بوصفه تاريخا هداما، دراسة فى النقد الثقافي»، الصادر عن دار الرافدين، بترجمة سهيل نجم، تاريخ الضحك وكيف كان قوة ممتدة عبر العصور.



من أرض كنعان إلى بلاد الإغريق نكتشف فهماً دقيق للضحك بوصفه ثقافة، فيبدأ ساندرز بالحديث عن الضحك بالعالم القديم باعتباره كان مؤشرا لبداية الرحلة الروحية للفرد، فإذا كان الطفل يعبر عن مجيئه للحياة بالصراخ إلا أن الضحك هو الذى يحوله من كائن حى إلى كائن بشري. وعن أهمية الضحك عند الشعوب الأولي، يقول ساندرز «إن الضحك والبكاء كانا عبادة قديمة لدى الفينيقيين والكنعانيين للاحتفال بموت وبعث إله المحاصيل والمطر والخصوبة»، ويذكر أن هذه العبادة انتشرت فى أراضى النيل والفرات وآسيا الصغرى والغرب أيضا، حيث كان الناس يبكون لموت الآلهة، ويضحكون عند التنبؤ ببعثهم الذى لابد منه، وهذه الطقوس لاتزال تميز بعض الأعياد اليهودية مثل الاحتفال بالسنة الجديدة.



ويتعمق الكاتب أيضا فى سرمدية الضحك والبكاء بالأديان السماوية، فيسرد قصة سيدنا إبراهيم عند إقدامه على التضحية بابنه الوحيد، فيقول «إذ يرفع إبراهيم سيفه عاليا فوق رأسه فيتجمد العالم للحظة، تلك اللحظة المنشطرة بين حزنه لفقدان ابنه وفرحه بطاعة ربه، ومع ذلك فكل شيء ينتهى بسعادة ليُجسد إبراهيم المر والحلو إلى الأبد». لكن الضحك أيضا كان بمثابة تحذير كونى فى العهد القديم، فلا يضحك الرب إلا من حماقة البشر ورفضهم له، أما ضحك البشر فهو هدّام وثنيّ على نحو مطلق، وهنا يذكر الكاتب تحذير بالتلمود البابلى «إن الضحك لا يساوى شيئا إن لم يكن جامحا وقذرا».



وعن الضحك عند الكُتّاب المسيحيين بالقرون الوسطي، يعرض ساندرز نظرتهم المعتمة، فمثلا كان الأب باسيل الكابودوس فى تركيا يجرم الضحك لأى سبب، كما وصفه القديس فكتور فى كتاب «مواعظ الكنيسة» بأنه شر فى كل الأحوال، وفى كتاب (قواعد الرهبان) اعتمد فيروليوس على حقيقة صارمة عن المسيح وهى أنه لم يره أحد يضحك أبدا، وذلك ليبعد الرهبان عن الطيش والزيف، بحسب قوله.



يسرد ساندرز أيضا آراء الفلاسفة عبر العصور، فيعرض قلق أفلاطون من الضحك، إذ يقول «الضحك يمكن أن يحفر بحوافره كخصم عنيد ضد السلطة، كما أنه قد يلعب دور المحكمة القانونية، ويعيد كتابة القانون على الأرض»، محذرا من الإفراط بالضحك باعتباره أمرا «شنيعا» لأنه ينتج عنه العنف دائما، وهو سلوك لا يليق أبدا بالمواطنين الفضلاء ويهدد صلاح الدولة. أما سقراط لم يكن يضحك بصوت أبدا، وكان يرى أن الجهل هو ما يجعل الناس مضحكين، وغيرهم يستمتع بالضحك عليهم. بينما دافع أرسطو عن الضحك، إذ اعتبره علامة البشرية بشرط تحرر الناس من الضحك على إعاقة غيرهم، وبذلك لن يكون الضحك قبيحا.



ومع انعطافة الزمن وبعد ظهور الرواية والنكات تحول الضحك إلى عروض تمثيلية، وظهرت شخصية المهرج، ذلك الشخص القادر على كسر القانون، فمثلا يذكر ساندرز شخصية لينى بروس، العبقرى الذى كان يقدم عروضا بهلوانية عن الظلم الذى يعانيه فى مجتمعه، وعن السلطة والاستعمار، وانتهى أمره بالسجن ومات فيه.



يختتم بيرى ساندرز الكتاب بشخصية شابلن المهرج الذى عرف أن الضحك لو امتلك القوة لكانت لديه قدرة لطرد أعتى الشرور، لذا فقد تمكن بتلك الرؤية أن يجسد شخصية هتلر ويحولها إلى دمية كوميدية من خلال الإيماء، وبذلك يؤكد ساندرز أن شابلن استطاع أن يغير إدراك جمهور القرن العشرين عبر الضحك، حيث إن ضحكة منزوعة السلاح يمكنها أن تنسف أقوى الخصوم.