عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
إلى أبى
7 أغسطس 2020
ليلى الراعي;


رغم سنوات الفراق الطويلة إلا أنك مازلت تسكن نفسي.. هذا هو التعبير الذى أشعر به حقا.. السكن هو الإحساس بـ «الأمان» و«الراحة» و«الاستقرار» و«الانتماء» ومعك يا أبى كنت أشعر بكل تلك المشاعر الحانية..



كم هو عسير أن أكتب كلمات عنك ونحن اليوم نحتفل بـ «مئوية» ميلادك.. مائة عام كاملة مرت على ميلادك.. وواحد وعشرون عاما على فراقك.. منذ أن غادرتنا فى يناير عام 1999.. يا الله كيف مرت السنوات هكذا سريعا؟ أتساءل هل تغيرت الأمور؟



على صعيد بلادنا أحداث كثيرة وقعت لم تعاصرها.. أحداث صاخبة لم نتخيل يوما أن نشهدها.. لكننى مع ذلك أكاد أتخيل رد فعلك تجاهها.. أعرف جيدا حبك لمصر وارتباطك الوثيق بشعبها وناسها البسطاء.. وعلى صعيد المشهد الأدبى تركت مكانا شاغرا.. نعم يفتقد الجميع حضورك العطر.. كلمات التشجيع والحب التى كنت تبثها للكتاب الشباب وهم فى بداية طريقهم يتلمسون خطاهم.. كم يفتقدونها اليوم.. يفتشون عن كلماتك وعباراتك التى كانت بمثابة بوصلة تنير لهم الطريق فلا يجدونها.. رؤيتك النقدية الثاقبة التى كانت تشبه «رمانة الميزان».. تضع الأمور فى نصابها الصحيح.. كم يشتاق المبدعون إليها.. إلى هذا الصوت العادل الواعي..



لازلت أذكر نظراتك حينما كان كاتب شاب يجيء إليك حاملا بين يديه رواية كتبها وهو فى بدايات الطريق.. تقرأ سطورها باهتمام ورجاء.. وكأنك تقول بينك وبين نفسك «أتمنى أن يكون نصا جيدا كى أتمكن من الكتابة عنه وتقديمه فى صفحات الجريدة». وحينما ينال إعجابك.. ألمح تلك السعادة التى تضيء ملامح وجهك وتقول فى فرحة «رواية رائعة.. سأكتب عنها على الفور».



علمتنى يا أبى حب الجمال.. الجمال بمعناه الواسع الرحب.. كيف أفتح عقلى وقلبى ووجدانى لمفرداته المختلفة..



فقد كنت تفتش عن مواطن الجمال أينما وطئت قدماك.. تبحث عنه فى كل موقع ومكان.. ليس فقط فى خضم صفحات الروايات والمسرحيات التى تقرأها، أو فى تلك العروض الفنية التى تشاهدها.. ولكن أيضا فى تلك الأشياء الصغيرة البسيطة التى تحيطنا.. أشياء ربما لا نلتفت إليها ولا نكترث بها.. لكنك كنت تلتقطها بعينيك البصيرتين للجمال وحده.. نعم كنت تستعذب الجمال فى كافه صوره وأشكاله.. فى لوحة فنية أخاذة.. أو حلية فضية رقيقة.. أو ربما فى كلمة أغنية تطرب لها الأذن.. أو فى زجاجة عطر تحمل داخلها عبقا فواحا.. أو فى غصن زرع أخضر وليد.. ومنذ غيابك الطويل وجدتنى أنا الأخرى يا أبى أقتفى أثرك.. أفعل مثلك تماما.. أبحث عن الجمال فى كل مكان..



وكيف لا؟ وقد علمتنى أن أفتش عنه فى كل الأشياء الصغيرة التى تحيط بي.. فالجمال هو سر الحياة.. هو تلك الدفقة التى تجعلنا نتمسك بها ونمضى فى طريقنا رغم الألام والأوجاع.. كلما تأملت لوحة الفنان القدير صلاح طاهر التى تزين جدار بيتى والتى كانت هديتك لى حينما انتقلت إلى بيتى الجديد.. لوحة لفلاحة بملامحها المصرية وملابسها الشعبية البسيطة وكأنك أردت أن تبث فى وجدانى روح الفن المصرى الأصيلة.. كلما نظرت لهذه اللوحة أحسست بالامتنان والعرفان والحب..



ستظل ذكراك يا أبى باقية دائما فى قلوبنا ونفوسنا.. سلاما لروحك النبيلة..