عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
أمريكا ومن بعدها الطوفان
25 يوليو 2020
هند السيد هانى


«هل يمكن استخراج براءة اختراع للشمس؟!»..كان ذلك جواب جوناس سولك الأمريكى مخترع علاج مرض شلل الأطفال فى الخمسينيات من القرن الماضى والذى رفض أن يدون اسمه على براءة اختراعه لكي تستفيد البشرية كلها دون احتكار العلاج.



الآن..لا يوجد سولك فى الولايات المتحدة وإنما دونالد ترامب الذى يسعى إلى مد الهيمنة الأمريكية على مجال الصحة العالمية، فقد رفض -إلى جانب بريطانيا- إعلان منظمة الصحة العالمية بأن يتم التعامل مع أى علاج يتم تطويره ضد فيروس كورونا كسلعة عامة. وأصرت إدارته على تأكيد دور الملكية الفكرية فى تطوير منتجات الرعاية الصحية. واكب هذه النزعة شراء الحكومة الأمريكية كل المخزون العالمي تقريباً من دواء «ريميديسيفير»، العقار المستخدم حاليا والذي أثبت فعاليته في علاج المصابين بكورونا. وتم إنتاجه للمرة الأولى لعلاج فيروس «إيبولا» عام 2014، وهو العقار الوحيد المعتمد من قبل وكالة الأدوية الأوروبية لعلاج مصابي فيروس  كورونا. سبق ذلك تأكيد مسئولين ألمان أن ترامب قدم عرضا بنحو مليار دولار لشركة «كيورفاك» الألمانية والتى تحقق تقدما فى بحوث علاج كورونا، وذلك لشراء المنتج الذى ستتوصل إليه ليكون أمريكيا. فترامب يسعى جاهدا لبناء حملته الانتخابية للفوز بإعادة التجديد له لولاية ثانية فى نوفمبر القادم، عن طريق التوصل إلى العقار المطلوب فى وقت مبكر. لدرجة أنه شبه -فى شهر مايو الماضى- مشروع التوصل لعقار ضد كورونا بـ «مشروع منهاتن» الذى قادته الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية لإنتاج أول سلاح نووى بالعالم. ويحاول ترامب بذلك التغطية على الأخطاء التى وقعت فيهاإدارته منذ المراحل الأولى لانتشار المرض، ما جعل الولايات المتحدة أعلى دولة فى العالم من حيث عدد الإصابات بحصيلة تقارب الـ4 ملايين مصاب. واستمرارا للتخبط والاجراءات الفردية ونزعة الأنا، بدأت واشنطن فى الانسحاب رسميا من عضوية منظمة الصحة العالمية بداية الشهر الجارى، رغم ما تنطوى عليه هذه الخطوة من تداخل من شأنه تعطيل التجارب السريرية الضرورية فى سبيل التوصل لعقار، فضلا عن عرقلة جهود تعقب انتشار الفيروس عالميا، إثر تحميله المنظمة مسئولية انتشار المرض. وتمنح قواعد منظمة التجارة العالمية فى حالات الطوارئ الصحية دول العالم حق إنتاج الدواء اللازم دون الحصول على إذن من الشركة صاحبة براءة الاختراع، لكن هذه القاعدة لن يمكن العمل بها إذا ما تمكنت شركة أمريكية من تطوير عقار كورونا، خوفا من قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدولة المعنية في سبيل حماية شركاتها. وحذرت وسائل إعلام عالمية من تكرار مأساة مرض الإيدز، حيث ظل مصابوه يعانون على مدار 10 سنوات حتى عام 2004 بسبب أن تكلفة العقار كانت تتراوح ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف دولار (لمجمل الجرعات سنويا). واستمر الوضع على ذلك النحو حتى قررت الهند توفير الدواء بتكلفة 350 دولارا سنويا. القصة ذاتها تكررت مع أحد عقاقير مرض السرطان عام 2012 الذى كانت تصل تكلفته إلى 65 ألف دولار سنويا، حتى قام  مكتب الممثل التجارى الأمريكى بإدراج الهند على لائحة الرصد فى  التقرير الذى يصدره سنويا بالعقوبات التجارية تحت اسم «تقرير 301» ضد أى دولة تنتهك براءات الاختراع الأمريكية. ورغم أن نيودلهى كانت تنظر فى إنتاج قائمة من العقاقير الهامة الأخرى، إلا أنها اضطرت فى النهاية إلى الرضوخ للتهديدات الأمريكية.  بالتأكيد سيكون من سوء حظ العالم توصل شركة أمريكية للعقار قبل غيرها من الشركات العالمية الراكضة فى مضمار كورونا. فترامب لن يجدى معه سوى أن يصطف العالم فى انتظار دوره لدفع ما ستقرره أمريكا كمقابل للعلاج إذا توافر بالكميات المطلوبة..