عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
دودا .. وتحديات الولاية الثانية فى بولندا
21 يوليو 2020
فاطمة محمود مهدى


خاضت بولندا انتخابات رئاسية غلب عليها طابع الانقسام، وترقب نتيجتها الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وروسيا والصين بكثير من الحذر ، لان مصير البلاد ومستقبل علاقاتها بهذه الدول مرتبط بالفائز فى هذا السباق ، وكانت المنافسة حادة لكونها بين رؤيتين، إحداهما مؤيدة للاتحاد الأوروبى والأخرى مؤيدة لأمريكا .



وحسمت الجولة الثانية الفوز بفارق ضئيل لمصلحة الرئيس الحالى اندريه دودا، المرشح المحافظ،  حيث حصل على 51٫2%من الأصوات أمام  منافسه رافال تراسكوفسكى، المرشح الليبرالى، الذى حصل على  48٫8% من الأصوات، وبالرغم من جائحة كورونا فإن نسبة الإقبال على التصويت الأسبوع الماضى سجلت 68٫2% وهى أعلى نسبة شهدتها البلاد فى انتخابات رئاسية منذ عام 1989 .



ويرى الخبراء أن الفارق  الضئيل بين المرشحين فى النتيجة قد يؤدى إلى طعون فى القضاء واحتجاجات من قبل المعارضين للرئيس دودا، الذى واجه كثيرا من العقبات والاعتراضات فى أثناء حملته الانتخابية، ولكنه بادر بتبنى لغة التصالح  بعد انتهاء الاقتراع وقال لأنصاره «احجموا قدر استطاعتكم عن الكلمات التى لا ضرورة لها ،لأن الكلمات قد تؤذى ، ساعدونى على توحيد بولندا مجددا».



والتحديات التى تواجه الرئيس دودا (48عاما ) فى ولايته الثانية ترسم ملامح الخريطة السياسية والاقتصادية  لبولندا خلال السنوات الخمس القادمة ، خاصة أنه منذ توليه الحكم فى 2015 غير دودا المشهد السياسى  فى بولندا واتخذ إجراءات أثرت على العلاقات الخارجية مع دول العالم ، على اعتبار انه ينتهج سياسة مناوئة لتوجهات الاتحاد الأوروبى، وانه حليف للولايات المتحدة ،وبالفعل كان أول المهنئين بفوز دودا الرئيس الأمريكى ترامب الذى كتب فى تغريدة على «تويتر» «مبروك لصديقى اندريه دودا رئيس بولندا على إعادة انتخابه التاريخية، نتطلع إلى مواصلة عملنا المهم معا عبر العديد من القضايا، بما فى ذلك الدفاع والتجارة والطاقة وأمن الاتصالات».



ويعتبر ترامب دودا، حليفا أوروبيا مهما. وكان الرئيس البولندى زار البيت الأبيض فى أواخر يونيو الماضى، وتعد الزيادة الأولى لمسئول أجنبى إلى الولايات المتحدة منذ بدء تفشى الفيروس. وجاءت الزيارة ردا على رواية المعارضة، التى تقول إن بولندا أصبحت معزولة دوليًا، ليؤكد أن مكانة بولندا على الساحة العالمية راسخة وانها قريبة من الولايات المتحدة، وهناك تعاون أمنى وعسكرى  بينهما على مستوى عال. وكان الرئيس الأمريكى قد أشار خلال اللقاء إلى إمكانية نقل القوات الأمريكية من المانيا إلى بولندا. من جهته طلب دودا من الرئيس ترامب عدم سحب القوات الأمريكية من أوروبا من أجل الحفاظ على أمن القارة.



وهناك حليف آخر للرئيس البولندى  وهو رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان وحزبه الحاكم، ويرى الخبراء ان فوز دودا هو نصر لأوربان وتدعيم للعلاقات القوية بين البلدين. كما أن المرحلة القادمة من المنتظر أن تشهد تفعيلا أكبر للشراكة الاستراتيجية بين الصين وبولندا، فلقد التقى دودا والرئيس الصينى شى جين بينج عدة مرات ووقعا على إعلان شراكة يضمن تحالفهما على المدى البعيد ،وأكد فيه الرئيس البولندى أن بولندا ستصبح بوابة الصين إلى أوروبا. ولكن على الجانب الآخر، هناك توتر فى العلاقات مع روسيا واسرائيل، بسبب قانون معهد الذكرى الوطنية، الذى يجعل من غير القانونى اتهام  بولندا بالتواطؤ فى المحرقة والفظائع الألمانية النازية الأخرى، وهو إجراء أفسد العلاقات مع إسرائيل ، وذهب رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو إلى حد اتهام الحكومة البولندية بـ «إنكار الهولوكوست» ،وأصر دودا على موقفه الرافض لدفع المطالبات اليهودية بتعويضات الحرب. وكذلك اتهم الرئيس الروسى بوتين بولندا بالتفاهم مع أدولف هتلر واعتماد سلوك معاد للسامية قبيل الحرب العالمية، وردا على ذلك تسعى بولندا إلى تمركز قوات أمريكية بشكل دائم على أراضيها لوضع حد للمغامرات العسكرية الروسية،وإنقاذها من النفوذ الروسى على حد قول الرئيس البولندى ،الذى أكد أن بناء خط أنابيب البلطيق سيؤمن حرية اختيار جهة شراء الغاز من أى دولة، وأن إنهاء حفر قناة شبه جزيرة فيستولا لن يضطرهم لأخذ السماح من روسيا لدخول مياه الخليج من بحر البلطيق مما يمنحهم الاستقلالية الحقيقية عن روسيا، وفى المقابل حذرت موسكو حلفاء واشنطن ومنهم بولندا من انشاء قواعد عسكرية على أراضيها ،لأنها ستكون على قائمة أهداف الصواريخ الروسية.



والتحدى الأكبر الذى يواجه بولندا فى المرحلة القادمة هو موقفها من الاتحاد الأوروبى ، ففوز الرئيس دودا يجعله قادرا على مواصلة السياسات التى أشعلت سنوات من الصراعات مع مؤسسات الاتحاد الأوروبى بسبب المخاوف من تراجع بولندا عن التزاماتها الديمقراطية وتضع النظام القضائى تحت السيطرة السياسية.



وفى حين ترى بولندا أن الإصلاحات القضائية ضرورية للقضاء على الفساد بين القضاة، فإن بروكسل تنتقدها وترى أنها تسمح للحكومة بالتأثير على المحاكم العليا والهيئات القضائية الرئيسية الأخرى. ولقد أثارت الحكومة اليمينية فى بولندا مرارا غضب المفوضية الأوروبية منذ عام 2015 لتمريرها تشريعات يرى الاتحاد الأوروبى إنها تقوض استقلال القضاء وسيادة القانون. بالإضافة إلى رفض دودا اقتراح الاتحاد الأوروبى بشأن حصص المهاجرين لإعادة توزيع طالبى اللجوء ، وقوله: «لن أوافق على إملاء القوى. لن أؤيد أوروبا حيث تكون الميزة الاقتصادية لحجم السكان سببًا لفرض حلول على البلدان الأخرى بغض النظر عن مصالحها الوطنية». وهناك قضية خلافية أخرى وهى التحول إلى الطاقة المتجددة ،حيث تعتمد بولندا على الفحم فى توليد الكهرباء ،ولذلك طالبت بتوفير دعم مالى كبير حتى تتمكن من تنفيذ هذا التحول ،نظرا لخطورة أن يرفض المجتمع هذا التحول ، و أن تحدث احتجاجات تماثل مظاهرات السترات الصفراء فى فرنسا، خاصة فى المناطق التى تعتمد على قطاع الفحم . وقد توصلت ألمانيا مع دول الاتحاد إلى اتفاق مبدئى هدفه جعل أوروبا محايدة مناخيا بحلول 2050 باستثناء بولندا. وترى دول الاتحاد التى اقترحت انشاء مجلس أمن أوروبى أن بولندا من الدول التى تعوق هذا القرار سياسيا واستراتيجيا ولاترغب فى استبدال مظلة الحماية الأمريكية بجيش أوروبى موحد بسبب روسيا. ولذلك فهناك تخوف من تصاعد التوترالذى قد يؤدى فى النهاية إلى مغادرة بولندا للاتحاد الأوروبى ،خاصة بعد أن وصفه دودا من قبل، «بأنه مجتمع خيالى لا نربح منه الكثير». أما فيما يتعلق بالتحديات الداخلية، فقدم الرئيس دودا كثيرا من الوعود خلال حملته الانتخابية، يأتى فى مقدمتها علاج انعكاسات انتشار وباء كوفيد 19 الذى أغرق بولندا فى أول ركود اقتصادى منذ سقوط النظام الشيوعى، وذلك بسبب توقف أغلب عمليات الإنتاج فى معظم المصانع وخفض معدلات التصدير التى تعود على الدولة بالعديد من الإيرادات. كما تعهد بالدفاع عن سلسلة من الامتيازات الاجتماعية التى أطلقها الحزب الحاكم مثل برنامج (500+ ) لمساعدات للأطفال وصرف أجر شهرى بقيمة 111يورو لكل طفل دون سن 18 عاما بغض النظر عن دخل الأسرة ،وإعادة النظر فى رواتب التقاعد، وتخفيض سن التقاعد، وإعداد برامج الإعانات التى تسهم فى تحسين أوضاع المناطق الأكثر فقرا،خاصة المناطق الريفية، وهى برامج من شأنها رفع مستوى العديد من البولنديين الفقراء. كما وعد بتحقيق الاستقرار والازدهار،وانشاء مشروعات بنية تحتية كبيرة.



الرئيس دودا هو حليف رئيسى لحزب القانون والعدالة الحاكم، وإعادة انتخابه تجعل معارضيه يؤكدون  استمرار تنفيذ  القوميين بحزب القانون والعدالة الحاكم  لأجندتهم المحافظة، بما فى ذلك الإصلاحات القضائية التى يرفضها الاتحاد الأوروبى. ومن المنتظرأن تشهد المرحلة القادمة انقسامات وقضايا داخلية وخارجية محل نزاع ، قد تغير وضع بولندا على الساحة العالمية.